الحريري لـ «الشرق الأوسط»: لا أفهم توتر نصر الله.. ومن يهدد بهذه الطريقة يكون يهدد نفسه

قال: إذا أصبحت المعارضة أكثرية وأرادوا أن يعيدوا جميل السيد وآخرين إلى الحكم فليتحملوا مسؤولية البلد

سعد الحريري («الشرق الأوسط»)
TT

يُعرَف بأنه رجل هادئ بطبعه. يستطيع أن يحافظ على هدوئه... حتى وسط الضجيج الذي يحيط به قبل ثلاثة أسابيع من انتخابات نيابية يصفها بأنها تاريخية. لا يحب الصراخ ولا الحديث بنبرة عالية. يتحدث بصوت خافت ولكن واثق. يبتسم وهو يرحب بزواره متنقلا من غرفة لأخرى في قصره الواقع في قريطم، غرب بيروت، والذي لا يغادره إلا نادرا. هنا، في هذا القصر الذي سكنه والده رفيق الحريري قبل أن يغتال في العام 2005، يستقبل سعد الحريري على مدار اليوم الوفود الشعبية والشخصيات والسياسيين تحضيرا للانتخابات القادمة في 7 يونيو (حزيران). يقول عندما سألته «الشرق الأوسط» إن كان يشعر بأنه «سجين القصر»: «ليس سرا أن هناك تهديدا أمنيا على حياتي... فمن قتل رفيق الحريري، يمكنه أن يقتل سعد الحريري؟» في غرف القصر، لا يزال رفيق الحريري يجلس على كراسيه خلف مكاتبه. لا أحد هنا، حتى ابنه سعد، يجلس مكانه. خلف مكتب كبير في الغرفة التي أجريت فيها «الشرق الأوسط» المقابلة، كان رفيق الحريري يجلس في إطار على كرسيه خلف مكتبه، وأشياؤه أمامه. ابنه سعد جلس على كنبة مقابل المكتب. قال «من قتل والدي سيعاقب قريبا جدا»، موضحا أن الصبر هو المفتاح. «أنا إنسان هادئ وصبور ومؤمن أن الله مع الحق... ونحن مع الحق. لا نطالب بالانتقام ولا نسعى للثأر، كان يمكننا ذلك، ولم نفعل... طالبنا بالمحكمة والعدالة، والحمد لله حصلنا عليهما... الأمر بحاجة إلى القليل من الصبر والثبات والصمود والنضال، والصبر أهم شيء». يتذكر سعد الحريري دخوله عالم السياسة في لبنان قبل أكثر من أربع سنوات، ويقول إن الأمر كان صعبا جدا. «الظروف كانت صعبة جدا، فقد دخلت معتركا سياسيا بعد استشهاد الوالد». ومع ذلك... يقول إنه لم يدع النعوت التي كانت تلصق به تزعجه. «كل ما كنت أسمعه من انتقادات وكلام وهجوم وحتى شتائم وتخوين أحيانا، كان يدخل من أذن ويخرج من الأخرى». يقول إنه اليوم مختلف كثيرا عما كان عليه قبل أربع سنوات، فقد اكتسب خبرة وتعلم من المحيطين به. عندما سألته «الشرق الأوسط» في مقابلة في بيروت إذا كان ارتكب أخطاء ندم عليها طوال السنوات الأربع الماضية، رد بالإيجاب، وقال إنه ربما كان عليه أن يهتم أكثر بتيار المستقبل، ولكنه قال إن المرء عليه أن يتعلم دائما في السياسة. ذكّر بكلام والده الذي كان يقول: «الإنسان لو أصبح عمره 100 سنة، عليه أن يتعلم من الصغير والكبير، ليس هناك أحد كبير بمعلوماته وعلمه». قال إن المستشارين الذين عملوا مع والده ساعدوه كثيرا في البداية. «الحمد لله الوالد الله يرحمه كان لديه الكثير من المستشارين الذين يتمتعون ببعد سياسي ونظرة سياسية، وكانوا يواكبونه في كل خطواته. أنا استعنت بهم، وكانوا في الكثير من الأحيان يساعدونني في كل القرارات التي نتخذها». واليوم، يتحضر سعد الحريري لخوض انتخابات يقول إنها تاريخية وستحدد مصير لبنان. يؤكد أن خروج الضباط الأربعة قبل الانتخابات النيابية لم يحبطه، كما قال البعض، بل قال إن احتفاء حزب الله بخروجهم زاد من شعبية «14 آذار». ويشير إلى أنه لا يحب التركيز كثيرا على سيناريوهات خسارة 14 آذار، مشددا على أنه يخوض الانتخابات لكي يفوز، مضيفا «سنربح بإذن الله وهم سيخسرون». ولا يريد سعد الحريري أيضا استباق النتائج والتأكيد ما إذا كان سيترشح لرئاسة الحكومة أم لا، ويشدد على أنه سيتشاور مع حلفائه في كل الخيارات المستقبلية، ويصر على أن أحزاب «14 آذار»، رغم اختلافها، ليست على خلاف، وأنها ثابتة في تحالفها ومبادئها. بدا الحريري مستغربا من «توتر» الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه أول من أمس، لأنه كان هناك اتفاق على التهدئة، موضحا «هذا خطابنا.. وذلك خطابهم». وهنا نص الحوار :

* اليوم صباحا ألقي القبض على رئيس بلدية سعدنايل السابق زياد حمصي ضمن شبكات العملاء، وقيل إنه ينتمي لتيار المستقبل. هل هذا صحيح؟

ـ كلا، هو ليس لديه صفة تنظيمية في التيار، هو يصدر مجلة... وهناك محاولات رخيصة لمحاولة لصقه بتيار المستقبل. تارة نكون إرهابيين وتارة أخرى نكون خونة أو علمانيين... مشكلتهم في المعارضة، أو 8 آذار، أنهم يريدون تلفيق أي ملف على تيار المستقبل، وتيار المستقبل هو أشرف تيار في الجمهورية اللبنانية. لا يزايدنّ علينا أحد في موضوع الشبكات والتعامل مع إسرائيل، لأن هذا الأمر ضد لبنان والشعب اللبناني، ونحن نهنئ الجيش اللبناني وشعبة المعلومات التي تلقي القبض على هؤلاء الأشخاص. نحن دائما نقول إن أي شخص يتعامل مع العدو الإسرائيلي هو عدو للبنان، القضاء يجب أن يأخذ مجراه، وهذا يدل على أن الدولة هي مسؤولة عن أمن المواطنين.

* يبدو مستغرَبا توقيت بدء كشف الشبكات كلها في هذا الوقت... لماذا برأيك بدأ كشفها الآن؟

ـ لأنهم توقفوا عن مهاجمة شعبة المعلومات. اكتشفت الشعبة خيطا ومنه اكتشفت خيوطا، وهذا يدل على أن شعبة المعلومات تقوم بالعمل الصحيح. مشكلة 8 آذار أنهم لا يمكنهم أن يقبلوا بأن شعبة المعلومات تكشف شبكات الموساد، وهذا دليل كبير على أن الدولة اللبنانية هي التي يمكن أن تحمي اللبنانيين من أي اختراق بأي مكان للعدو الإسرائيلي. هم دائما يفتخرون بالأمن الذي لديهم، ولكن من اكتشف هذه الشبكات؟ شعبة المعلومات والجيش اللبناني.

* ولكن ليس بتعاون مع حزب الله؟

ـ كلا بالطبع

* الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أعلن يوم 7 أيار يوما مجيدا، ألا تعتبر هذا الكلام تهديدا مباشرا لعدم المس بحزب الله؟

ـ من يهدد بهذه الطريقة يكون يهدد نفسه. عندما خلقنا شعار «لن ننسى»، ماذا يريدنا أن ننسى؟ رفيق الحريري، أو ما حصل في بيروت، أو أنه خلال السنوات الأربع الماضية حصلت اغتيالات لقيادات 14 آذار؟ لا لن ننسى والسما زرقا.

* إذا كان حسن نصر الله وصف يوم 7 أيار بأنه يوم مجيد للبنان، كيف تصفه أنت؟

ـ سأدع الشعب اللبناني يصفه للسيد حسن نصر الله في صناديق الاقتراع، وأنا أصفه بأنه يوم مشؤوم.

* نصر الله انتقدكم لرفضكم الثلث المعطل في الحكومة، وقال إن رفيق الحريري في حكومته الأخيرة رفض ترؤسها لأنه لم يستطع أن يسمي ثلث الوزراء. ويقولون: كيف يقولون (أنتم) أن الثلث المعطل أثبت فشله، بينما رفيق الحريري كان يؤمن به؟ (الثلث المعطل أو الضامن هو إعطاء المعارضة ثلث المقاعد في الحكومة، علما بأن معارضة ثلث أعضاء الحكومة لقرارات يعني عدم تنفيذها) ـ أولا، في السابق حزب الله لم يشارك بأي حكومة ولم يعط ثقة لأي حكومة في تاريخ عهد رفيق الحريري. وثانيا، الأسباب التي منعت رفيق الحريري من تشكيل الحكومة كانت لأن السوريين لم يريدوه أن يشكل حكومة، وضعوا عليه شروطا كان من المستحيل أن يقبل بها، ولم يقبل بها، لذلك اغتيل رفيق الحريري.

* نصر الله انتقد أيضا سجن الضباط لأربع سنوات من دون توجيه تهم لهم، بينما أطلق سراح عملاء بعد بضعة أشهر لعدم كفاية الأدلة. ما ردكم؟

ـ أولا لجنة التحقيق الدولية هي التي أصدرت توصية لاعتقال الضباط، ونحن طالبنا بالتحقيق والمحكمة الدولية لأنه طوال 30 سنة اغتيل رؤساء وزراء وجمهورية وشخصيات، ولم تستطع الدولة اللبنانية أن تعاقب أي شخص... وثانيا، نصر الله تحدث عن العملاء في فترة العام 2000، وهذه ملاحظة وجهها لإميل لحود (رئيس الجمهورية السابق)، والقضاء العسكري حينها الذي كان مباشرة تحت الوصاية السورية... من أعطى هؤلاء العملاء إفادات تبرئة؟ هناك جهات سياسية أعطتهم إفادات التبرئة.

* قلت مرة إنك لن تشارك بالحكم إذا فازت 8 آذار، أما زلت مصرا على ذلك رغم قول نصر الله بعد إطلاق الضباط الأربعة إن المحكمة مسيسة ولن يعترف بقراراتها بعد الآن؟

ـ لنعد قليلا إلى التاريخ، سورية في مكان ما حاولت ألا تتعامل مع التحقيق، ولكنها بعد ذلك أجبرت على التعاون بسبب المجتمع الدولي. ليس من مصلحة أحد ألا يتعاون مع المحكمة الدولية.

* تبدو واثقا جدا من دعم المجتمع الدولي... ألم يحبطك إخراج الضباط الأربعة؟

ـ بالعكس، برأيي أن المحكمة تسير جيدا، ومن قتل رفيق الحريري سيعاقب وإن شاء الله قريبا جدا. نحن سعينا للمحكمة الدولية، وأن تكون هناك عدالة غير مسيسة، وإطلاق الضباط الأربعة أكبر دليل على أنها غير مسيسة. هم لفوا على الموضوع وقالوا إن التحقيق كان مسيسا، لذلك المحكمة مسيسة. يريدون تسييس كل شيء... قبل أن تقوم المحكمة الدولية، قامت حملة دعاية لضرب إمكانية إنشائها، واليوم نحن نشهد منذ بدء المحكمة، محاولات إعلامية من قبل 8 آذار بشكل واسع جدا لضرب المحكمة وأنها انتهت ولن يصدر عنها أي قرار. المحكمة حصلت، رغم كل محاولاتهم، وفي النهاية ستصدر حكمها وعليهم أن ينصاعوا لها في النهاية.

* ألا تخيفك التغيرات الإقليمية، وتقرب الولايات المتحدة من سورية؟

ـ لا، لأن الولايات المتحدة تقربت من روسيا، وفي النهاية أصبح (الرئيس الصربي السابق سلوبودان) ميلوسوفيش في السجن... هناك الكثير من المحاكم الدولية حصلت وحكمت على شخصيات كبيرة، وآخرها المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحق (الرئيس السوداني عمر) البشير. هذه المحكمة هي محكمة دولية وليست محكمة أميركية.

* لأي مدى تعتبر إطلاق الضباط الأربعة سيؤثر على شعبية 14 آذار في الانتخابات؟

ـ زادت شعبيتنا... باحتفالهم (حزب الله) بهم زادوا لنا شعبيتنا.

* يقال إنه في حال فوز المعارضة، جميل السيد مطروح لكي يصبح وزيرا. ماذا تفعلون في هذه الحالة؟

ـ لننتظر حتى نصل إلى هنا... ولكن إذا أصبحت المعارضة أكثرية وأرادوا أن يعيدوا جميل السيد وكل هؤلاء الأشخاص إلى الحكم، فليتحملوا مسؤولية البلد. أنا قلت إنني سأجلس في المعارضة، ولكن رأينا كيف تصرفوا بالأمس، وإذا كانوا سيتصرفون على هذا الشكل، فذلك يعني أنه لا يهمهم البلد (كلام نصر الله). علما بأننا كنا متفقين على التهدئة، لا أعلم لماذا كل هذا التوتر...

* لماذا برأيك.. خوفا من خسارة الانتخابات؟

ـ ربما... هذا خطابهم ونحن لدينا خطابنا.

* هل يخيفك خطابهم لجهة توترات أمنية قبل الانتخابات، هل تعتبر كلام نصر الله تحريضا للنزول للشارع؟

ـ هناك فريق اسمه 14 آذار، الإمكانية الوحيدة التي لديه للنزول للشارع هي الطريقة السلمية، وليس لاستفزاز الناس. إمكانية الطرف الآخر واضحة، وسوابقها واضحة. أنا أشك بحصول توترات أمنية في الشارع قبل الانتخابات، لأنه في كل اللقاءات التي حصلت على طاولة الحوار تبدى أن الجميع متفق على ضرورة حصول هدوء في الشارع.

* ولكنك قلت إنه خرق التهدئة في خطابه المتوتر...

ـ نعم ولكن ربما يكون ذلك خطاب سياسي لتشجيع ناخبيه، لشد العصب...

* قال البعض إن كلامه كان دعوة لـ7 أيار ثان، هل ترى 7 أيار ثانيا؟

ـ لا، أستبعد حصول ذلك. إنما خطابه كان واضحا أن فيه توترا، لكنه خطاب سياسي وربما انتخابي.

* لنتحدث عن الخلافات داخل 14 آذار. الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من الواضح أنه يتوسع عن 14 آذار، هل هذه مقدمة ربما لانفصاله عن الحركة بعد الانتخابات؟

ـ هل وليد جنبلاط تخلى عن المحكمة؟ وعن السيادة والاستقلال والحرية؟ وعن أن السلاح يجب أن يكون بيد الجيش فقط؟ هل تخلى عن ثوابت 14 آذار؟ لا أبدا. لم يتخل عن الثوابت الأساسية لـ«14 آذار». ولكن من حق جنبلاط أن يعمل على تهدئة بين الأطراف السياسية في الشارع. الناس تركز على وجود خلافات بالانتخابات على مقعد أو مقعدين، ولكن هل حصل مرة أن اختلفت قيادات 14 آذار على ثوابتها؟

* في الشريط الذي تسرب عن جنبلاط سلط الضوء على أمر مهم حول فكره، وهو أنه يعتبر العداء مع الشيعة في لبنان خطأ..

ـ هناك احتقان بالشارع الدرزي كبير جدا، بين الدروز والشيعة، وجنبلاط يحاول أن يطفئه. الاحتقان خطأ، هناك فرق بين خلاف سياسي جذري حول إدارة شؤون البلاد، وبين أخذ البلد إلى احتقان وتفجير مذهبي. نحن، كـ«14 آذار»، لدينا خلاف جوهري كبير لإدارة شؤون البلاد، مع «8 آذار» وليس مع الشيعة، لأنه يتضمن شخصيات وأحزابا، ليس فقط شيعية.

* هناك أيضا خلاف بين تيار المستقبل والقوات على بعض المقاعد في بيروت والشوف حيث تتمسكون أنتم بغطاس خوري وهم بجورج عدوان ودوري شمعون (مقعدين للموارنة). ألا تخافون أن يقسم ذلك أصوات 14 آذار؟

ـ الخلاف تم حله، غطاس خوري لا يمثل تيار المستقبل، وأصوات تيار المستقبل ستصب في لائحة وليد جنبلاط كاملة.

* هل ستدعمون نبيه بري لرئاسة البرلمان؟

ـ أتشاور مع حلفائي بعد الانتخابات ونرى، تماما كما سأتشاور معهم فيما يخص رئاسة الحكومة، والحكومة، وغيرها.

* الحملة التي تشن على رئيس الجمهورية، بدأها ميشال عون وتابعها حزب الله، هل تعتقد أن المعارضة مصرة على أن يكون دور الرئيس إدارة الخلافات من دون التدخل بها. ـ رئيس الجمهورية انتخب بطريقة توافقية، ولكن عندما انتخب أصبح رئيسا للجمهورية، هذا الموقع له دور كبير. لا ميشال عون ولا أحد من المعارضة أو 14 آذار له الحق أن يمس برئاسة الجمهورية.

* هل تعتقد أن خسارة 14 آذار الانتخابات قد يعيد لبنان إلى ما قبل الـ2005؟

ـ لماذا الإصرار على الخسارة؟ نحن سنربح بإذن الله وهم سيخسرون. إذا ربحنا سنقدم مشروعا حضاريا للبلد، وهو جزء منه مشروع تيار المستقبل، مشروع الاقتصاد والبناء والإعمار ولبنان أولا، أو المواطن أولا والعلم أولا والتربية والثقافة أولا. هذا مشروعنا. نحن نخوض الانتخابات على أساس أننا سنربحها.