نجم مشعل يصعد بعد محاولة اغتياله في عمان.. و«خلية الكويت» لعبت دورا مهما في حماس

كتاب جديد يرصد مسيرة زعيم حماس منذ أيامه الأولى في الكويت وإلى محطته الأخيرة في دمشق

خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (رويترز)
TT

لم يكن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشخصية البارزة في الحركة حتى أواسط التسعينات، لكن محاولة الإغتيال الفاشلة التي دبرتها المخابرات الإسرائيلية ساعدت في دفعه الى الواجهة ثم مهدت لاحقا لقيادته للحركة حسب ما جاء في كتاب جديد لصحافي أسترالي عمل لفترة طويلة مراسلا أجنبيا في الشرق الأوسط. ويعزو الكتاب الذي حمل عنوان «اقتل خالد ـ محاولة الموساد الفاشلة لاغتيال خالد مشعل وصعود حماس» بروز نجم مشعل بدرجة كبيرة إلى محاولة الاغتيال التي نفذها عملاء جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجية «الموساد» ضده عام 1997، في عمان، باستخدام مادة سامة تؤدي الى الوفاة في غضون يوم او نحو ذلك.

وفجأة برز مشعل الزعيم المنتظر، والى جانب توليه ادارة الشؤون المالية لحماس، تحمل لفترة مؤقتة مسؤولية مكتبها السياسي لمدة عامين. وشعر الاردنيون بقلق إزاء صعود مشعل، ما دفعهم لمحاولة استبداله حسب الكتاب الجديد ومؤلفه الكاتب بول ماك غيوف. ورغم تمكن مشعل من التغلب على هذه المحاولات، تعرض للترحيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1999 إلى قطر، قبل ان يستقر في دمشق.

ويتعقب الكتاب حياة مشعل منذ مولده في سلواد قرب رام الله بالضفة الغربية عام 1956 حتى نزوح عائلته بعد حرب 1967 الى الكويت، حيث بدأت تتكون الهوية السياسية لمشعل الشاب. وفي هذه الفترة اختار مشعل التيار الاسلامي على القومي العلماني الذي كانت تمثله منظمة التحرير الفلسطينية. وكرس مشعل الشاب المتدين، والطالب الجامعي ومن بعدها مدرس الفيزياء، جهوده لخدمة الإخوان المسلمين.

واختار مشعل حماس بعد ان أطلقها الشيخ احمد ياسين عقب الانتفاضة الاولى في غزة. وبعد احتلال صدام حسين للكويت عام 1990 استقر مع اسرته في عمان. وفي الاردن عمل مشعل في هدوء وبسط سيطرته على الجانب المالي للحركة وانضم الى لجنة مؤلفة من ثلاثة رجال تولت الاشراف على الجناح العسكري لحماس، «كتائب عز الدين القسام».

ومنذ ذلك الحين ظل مشعل قائد حماس. وأصبح الزعيم الاول للحركة من دون منازع. ورغم ذلك فإن مشعل، وحسب ما قاله صحافيون اردنيون كبار للكاتب «كان اقل قادة حماس اثارة للاهتمام.. كان مجرد رجل مهمات».

، وقع عليه الاختيار لقدراته دون المتوسطة.. وانه مجرد شخص عادي لا لون له، يتولى توزيع المال ويقف الى الجانب الخاسر».

* في مارس (آذار) 1997 كتب العاهل الأردني الراحل الملك حسين، الذي كان يشعر بخيبة أمل بسبب الانتكاسات التي كانت تشهدها عملية السلام في الشرق الأوسط، خطابا إلى بنيامين نتنياهو بعد أن مر على توليه منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي عشرة أشهر.

وكان الملك حسين يرى أن نظرته لتحقيق سلام نهائي تنعم به المنطقة يتحول إلى «سراب وهمي بعيد» في رسالته لنتنياهو. وتقول الرسالة التي نشر نصها المؤرخ المعروف آفي شليم في كتابه «أسد الأردن» الذي نشرت «الشرق الأوسط» حلقات منه:

«السيد رئيس الوزراء..

إن حزني حقيقي وعميق بسبب الأفعال التراجيدية المتراكمة التي بادرت بالقيام بها من موقع رئاسة الحكومة الإسرائيلية، جاعلا السلام، الذي أعتبره أغلى هدف في حياتي، يبدو أكثر فأكثر كسراب مخادع. كان يمكنني أن أقف بعيدا لو لم تكن حياة كل العرب والإسرائيليين ومستقبلهم تنزلق بسرعة شديدة نحو هاوية من إراقة دماء وكارثة يجلبها الخوف واليأس. وأنا بصراحة لا أستطيع تقبل حجتكم المتكررة بأنكم تفعلون ما تفعلونه مكرهين تحت التهديد والضغوط، ولا أؤمن بأن شعب إسرائيل يسعى لإراقة الدماء والكوارث ومعارضة السلام، كما لا أؤمن بأن أكثر رئيس وزراء إسرائيلي قوة على المستوى الدستوري في تاريخ إسرائيل سيفعل غير ما هو مقتنع به. والحقيقة المحزنة التي صارت تتكشف لي هي أنني لا أجدك إلى جانبي تعمل لتحقيق إرادة الله من أجل مصالحة نهائية بين كل المتحدرين من ذرية سيدنا إبراهيم عليه السلام، ويبدو أن ممارساتك تميل إلى نقيض كل ما أؤمن به أو كل ما أناضل لتحقيقه مع الأسرة الهاشمية منذ الملك فيصل الأول وعبد الله وحتى الأزمنة الحديثة.

السيد رئيس الوزراء، إذا كان في نيتكم تحريك إخوتنا الفلسطينيين في مقاومة حتمية عنيفة فعليك أن تأمر بلدوزراتكم بالتوجه إلى الموقع المقترح للاستيطان.

لماذا هذه الإهانة المتعمدة المكشوفة والمستمرة لما يسمون بشركائكم الفلسطينيين؟ هل يمكن لأي علاقة أن تزدهر في غياب الاحترام والثقة المتبادلين؟ لماذا يؤكد الفلسطينيون أن منتجاتهم الزراعية لا تزال تتعفن في انتظار دخولها إلى إسرائيل وتصديرها؟ لماذا التأجيل في حين أن المعروف أنه ما لم يصدق على البدء في ميناء غزة قبل نهاية هذا الشهر فإن المشروع بأكمله سيتعرض للتأجيل سنة أخرى؟ وأخيرا يأتي موضوع مطار غزة. لقد تناولنا جميعا هذا الموضوع عدة مرات برؤية تحقيق حاجة فلسطينية مشروعة ومنح قادتهم وشعبهم فرصة الاتصال الحر بالعالم بدلا من حالة الاحتجاز الحالية التي يعيشونها والحاجة للخروج والعودة عبر أراضٍ تخضع لسيادة أخرى.

كيف أعمل معك كشريك وصديق حقيقي في هذه الأجواء المربكة والمرتبكة وأنا أحس بنية تحطيم كل ما عملت على بنائه بين شعبينا ودولتينا؟ إن العناد حول موضوعات حقيقة شيء، أما العناد من أجل العناد فإنه يدعو للاستغراب. وقد اكتشفت في كل حادث أن رأيك لا يقبل التغيير، ويبدو أنك لا تحتاج إلى أي نصح من صديق.

أشعر بأسف عميق أن أضطر لأكتب لك هذه الرسالة الشخصية، ولكن إحساسي بالمسؤولية والاهتمام هو الذي دفعني أن أقوم بذلك للأجيال المقبلة في مواجهة المجهول.

مخلصكم حسين».

وأثبتت الأيام ذلك، ففي كتاب «اقتل خالد»، يؤرخ بول ماك غيوف، وهو صحافي أسترالي عمل لفترة طويلة كمراسل أجنبي في الشرق الأوسط، زمنيا عمليات سفك الدماء والدمار التي وقعت لاحقا. فالأشياء أخذت تتداعى كما تنبأ الملك حسين، الذي يتوقف عن الإشارة إليه حتى موته في فبراير (شباط) 1999. وكان قادة حركة حماس المقيمون في الأردن تملأهم قوة عاطفية، الذين كانوا أول المستفيدين من حالة الخوف واليأس. واعتمد ماك غيوف في كتابه عن قصة الحركة الإسلامية على ملاحظات دونت على مدار أعوام عدة، بالإضافة إلى عشرات المقابلات وسجلات وسائل الإعلام.

ويلخص العنوان اللاذع لكتاب ماك غيوف الفكرة المحورية التي يتناولها الكتاب، وهو أن صعود نجم مشعل كان يعود بدرجة كبيرة إلى محاولة الاغتيال التي وقف وراءها سبعة عملاء من جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجية «الموساد» في 25 سبتمبر (أيلول) 1997.

وبدلا من الصواريخ جوّ ـ أرض والسيارات المفخخة والمسدسات ذات كاتم الصوت، فضّل جهاز الموساد استخدام مادة سامة تؤدي إلى وفاة المحقن بها في غضون يوم أو نحو ذلك، ودون أن تترك في الضحية أي أثر أو دليل عند تشريح الجثة.

وخلال خروجه من سيارته في طريقه إلى المكتب في صبيحة 25 سبتمبر (أيلول) 1997، رأى مشعل رجلين بدا وكأنهما سائحان. ولفت أحدهما انتباهه عن طريق فتح علبة من الشراب الفوار بصورة مزعجة، بينما قفز الآخر فجأة ليحقن السم القاتل في أذنه. عند هذه اللحظة بدت خطة الموساد وكأنها تنحرف عن مسارها، إذ قام حارس شخصي لمشعل بمطاردة المعتدين وتمكن من اعتقالهما، وسلمهما لاحقا للشرطة. ونُقل خالد مشعل إلى المستشفى في وقت مناسب أتاح إيقاف التبعات المميتة للسم. ولجأ أربعة من المتورطين بالجريمة إلى مقر السفارة الإسرائيلية.

ويرى الكاتب أن محاولة الاغتيال كانت حسب ما ذكر آفي، زلة كبيرة جاءت بنتائج كارثية. فقد صدرت الأوامر بخصوصها في مخالفة واضحة لمذكرات التفاهم ومعاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، وكانت بعد أيام من إرسال الملك حسين خطة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بخصوص هدنة مدتها ثلاثين عاما، كان يأمل في أن تحظى بدعم من جميع الفصائل الفلسطينية، من بينها حماس.

ولذا نُظر إلى هذا الحادث على أنه أكثر الطرق فظاظة لرفض الخطة، ووفق ذلك جاء رد فعل الملك حسين وحكومته شديدا. لذا فإنه وبعد تدخل من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وزيارات سرية ليلية للعاصمة الأردنية عمان قام بها نتنياهو والعديد من الشخصيات البارزة في إسرائيل، ومنهم أرييل شارون، أخذت الأزمة تصل إلى نهايتها.

وبالنسبة إلى نتنياهو كان هذا الموقف مدمرا للغاية، إذ كان شخصيا قد وافق على عملية الاغتيال في تحدٍّ للخطاب السري الذي أرسله الملك حسين قبل ستة أشهر من ذلك، وللمستشارين الأكثر حكمة داخل حكومته. وبهذا اكتشف الملك حسين، حسب ما ذكر آفي شليم، أن نتنياهو «كان مخادعا وغير أمين ولا يمكن الاعتماد عليه البتة»، وهو رأي يؤكده ماك غيوف في أكثر من مكان.

وكان من شأن تردي العلاقات مع الملك حسين تقويض مصداقية نتنياهو بين زملائه والمواطنين، وساهم ذلك بصورة مباشرة في هزيمته وانسحابه مؤقتا من الساحة السياسية خلال أقل من عامين.

أين ترك هذا الهجوم مشعل أو حكومة حماس في غزة؟ لا أحد يعلم على الإطلاق، ومع ذلك ليس من الواضح إلى أي مدى تبدو الإدارة الأميركية الجديدة مستعدة لتعديل نهجها حيال أي اشتراك لحماس في حكومة ائتلافية مع فتح، إذ أكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أنهم يعكفون على دراسة موقف أكثر مرونة. ولا شك في أن هذه الأخبار المتعلقة بهذا الصدد تصدرت أجندة البيت الأبيض قريبا، كجزء من استعدادات الرئيس أوباما لاستضافة أول اجتماع له مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد المنتخب والمولود سياسيا من جديد.

وبصفته محققا صحافيا في المقام الأول، راوغ ماك غيوف ماضيا في عرض تخمينه الخاص، ومع ذلك كان سعيدا بنقل بعض التصريحات الصادرة على لسان مسؤولين بارزين في القدس وواشنطن أقروا بأهمية مشعل المحورية في أي عملية سلام مستقبلية. وليقينه مدى السرعة التي يمكن أن تسير بها الأحداث في المنطقة، أنهى حديثه ببعض الإيماءات التي تتناول المستقبل القريب. ولسوء الحظ، ومع اقتراب أكتوبر (تشرين الأول) 2008، لم يكن هذا المستقبل يتضمن الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة، الذي شنوه في ديسمبر (كانون الأول).

ويخصص ماك غيوف ربع كتابه للخوض في تفاصيل هذه المرحلة، عارضا كافة التفاصيل عندما يصل إلى مشهد الشجار مع «السائحين». ويقوم خلال مائة صفحة بتوضيح خلفية الأحداث أولا، ويتعقب حياة مشعل من مولده في الضفة الغربية عام 1956 إلى نزوح عائلته بعد حرب الأيام الستة في 1967 إلى الكويت، وفترة المراهقة في المنفى خلال السبعينات. وفي الكويت كرس مشعل، الشاب المتدين، الطالب الجامعي ومدرس الفيزياء الناشئ، جهوده لخدمة الإخوان المسلمين. وجمع حوله في بداية الثمانينات مجموعة من الناشطين السياسيين، الذي أعربوا عن رفضهم النموذج العلماني للمقاومة الفلسطينية الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح تحت قيادة ياسر عرفات، بوصفها فاسدة وغير فاعلة.

وبينما كان الجيش الإسرائيلي بقيادة أرييل شارون يحاصر قوات منظمة التحرير في بيروت وبعد طردها إلى تونس، اتخذ مشعل وزملاؤه في المنفى منحى آخر يعتمد على الورع الديني واتصالات متواصلة مع فلسطينيي الشتات لشحذ الهمم وتمويل وابتكار نمط مغاير للمقاومة. واعتبر المنفيون في الكويت أنفسهم جزءا من الجهاد العالمي، وبعد ذلك بدأوا في استنفار المجاهدين ضد القوات الروسية في أفغانستان، ولكنهم لم يلتزموا باستخدام العنف، وبدأوا أيضا في بناء قاعدة دعم جماهيرية. وتدفق عليهم الدعم السري من مصادر أميركية وإسرائيلية، كانت حريصة على دعمهم كالساميين باعتبارهم معارضة أكثر قبولا من منظمة التحرير الفلسطينية.

وركز مشعل الجزء الأكبر من نشاطاته في مجال جمع الأموال نيابة عن «الإخوان المسلمين» في غزة، بقيادة الشيخ أحمد ياسين. عندما اندلعت الانتفاضة الأولى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في نهاية عام 1987، أعلن ياسين إنشاء حركة حماس بهدف شن حرب عصابات لا هوادة فيها ضد إسرائيل. وبعد عدة شهور قرر عرفات نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل.

لم يجابه مشعل صعوبة في الاختيار بين هذين البديلين، وأعلن التزام «الإخوان الكويتيين» بنهج حماس (إنه كان لأمر مفيد وتنويري التعرف على المزيد بشأن كيفية إحداث التحول الكامل لقوى الأمن الأميركية والإسرائيلية عند هذه النقطة وقرار حماس انتهاج أسلوب الهجمات الانتحارية باعتباره إسهامها المميز في النضال الفلسطيني المسلح. ربما لم تحصل أيّ من القضيتين على اهتمام مناسب من قبل ماك غيوف).

في عام 1990 ساند عرفات غزو صدام حسين للكويت، وبعد أن استقر مع أسرته مجددا في العاصمة الأردنية عمان سارع مشعل بالعودة إلى الكويت لجمع الملفات المالية الخاصة بحماس قبل أن يعثر عليها جنود صدام في إطار عمليات النهب التي يقومون بها. وتمكن من الفرار لكن بعد أن راودت فكرة إلقاء القبض عليه مسؤولي إحدى نقاط التفتيش العراقية. والواضح أن القائمين على نقطة التفتيش فشلوا في إدراك أهميته، وعليه سمحوا له بالمضي قدما في سبيله، في موقف أشبه بموقف لينين وهو على ظهر دراجته عندما استوقفه رجل شرطة في سانت بطرسبرغ فجر اندلاع الثورة.

ويشير ماك غيوف إلى الكثير من المحادثات التي جرت مع عدد من كبار الصحافيين الأردنيين البارزين بشأن قيادة حماس. وقد أخبره أحدهم أن مشعل: «كان أقلهم إثارة للاهتمام... كان مجرد رجل مهمات، وقع الاختيار عليه لقدراته دون المتوسطة..». ومما لا شك فيه أن الكثيرين كانوا يتشاطرون وجهة النظر هذه، حيث نظروا إليه باعتباره مجرد شخص عادي لا لون له، يتولى توزيع المال ويقف إلى الجانب الخاسر.

وفي منتصف التسعينات حيث كانت الأوضاع صعبة بالنسبة لحماس، أدى التأييد الشعبي واسع النطاق لاتفاق أوسلو والحملة الصارمة التي شنها عرفات ضد نشاطات الحركة داخل الأراضي المحتلة، إلى دفعها إلى «حافة الشلل التنظيمي والعسكري».

لكن مشعل عمل في هدوء في حشد الحركة في الأردن، وبسط سيطرته على الجانب المالي وانضم إلى لجنة مؤلفة من ثلاثة رجال، تولت الإشراف على الجناح العسكري لحماس، المعروف باسم كتائب عز الدين القسام. وساور القلق الاستخبارات الأردنية حيال، وفي تلك الأثناء، تحديدا عام 1997، كان لا يزال واحدا من الشخصيات غير البارزة في ما وراء حدود عالمه السري. في خضم الأزمة التي أعقبت محاولة اغتياله تساءل السفير الأميركي موجها حديثه إلى أحد العاملين بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: «من هو خالد مشعل هذا؟».

وحسب ماك غوف فإن الهدف الذي سجله نتنياهو في مرماه غيّر كل شيء. وجد مشعل بعد أن تعافى من الأزمة تماما أن اسمه اكتسب شهرة بمختلف أرجاء العالم العربي، وفجأة أصبح مشعل الزعيم القادم. وإلى جانب توليه إدارة الشؤون المالية لحماس تحمل لفترة مؤقتة مسؤولية مكتبها السياسي لمدة عامين. وشعر الأردنيون بقلق إزاء صعود مشعل، مما دفعهم لمحاولة استبداله بآخر. ورغم تمكن مشعل من التغلب على مكائدهم فإنه تعرض للترحيل قسرا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1999 داخل طائرة نفاثة خاصة إلى قطر، التي لم تكن سوى نقطة توقف، في طريقه إلى دمشق.

الأهم من ذلك أن التداعيات المترتبة على محاولة الاغتيال حشدت التأييد الشعبي لحماس على مستوى الشارع العربي، وكجزء من اتفاق له مع الملك حسين والرئيس كلينتون للحد من الأضرار التي تتعرض لها العلاقات الإسرائيلية ـ الأردنية، وجد نتنياهو نفسه مجبرا على إطلاق سراح العشرات من السجناء الذين تم حبسهم في إطار الجهود الرامية لوقف الانتفاضة. وكان من بينهم الشيخ ياسين، الذي كان مسجونا على مدار ثماني سنوات، وعاد إلى غزة كبطل فاتح.

يذكر أن حماس والجماعات التابعة لها عمدت إلى تنسيق عشرات التفجيرات الانتحارية في إسرائيل خلال الفترة التي قضاها الشيخ ياسين في السجن، وكانت مشاعر كراهية حماس العامل الرئيسي الذي أتى بنتنياهو إلى السلطة. وكان من بين شروط إطلاق سراح الشيخ ياسين وقف الحركة هجماتها، لكن سرعان ما استؤنفت الهجمات، مما زاد من ظاهرة استقطاب التوجهات والآراء داخل الشرق الأوسط كرد فعل للانتفاضة الثانية التي بدأت في سبتمبر (أيلول) 2000، والحرب التي شنها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ضد الإرهاب في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وانهيار السياسة الأميركية في العراق.

ويشير ماك غيوف إلى أن أحد أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي تعهد علانية عام 2004 بالتخلص من «الرجل الذي لم يمت عام 1997»، وقال: «بمجرد أن تحين اللحظة العملية المناسبة، سننفذ هذا الأمر».

ومنذ ذلك الحين ظل مشعل قائد حماس، وأصبح الزعيم الأول للحركة دون منازع، رغم أنه ظل شخصية مبهمة. والملاحظ أن مشعل نادرا ما يظهر علانية. وربما أسهم هذا التخفي في ظاهرة الاستخفاف بحماس بدرجة بالغة في السنوات الأخيرة، حيث جاء فوزها في الانتخابات الفلسطينية في يناير (كانون الثاني) 2006 بمثابة مفاجأة للكثيرين. وبعد هزيمتها للمعتدلين من حركة فتح في صناديق الانتخاب، ألحقت بهم هزيمة منكرة باستخدام الرصاص هذه المرة في إطار حرب أهلية في يونيو (حزيران) 2007، أسفرت عن بسط سيطرتهم على قطاع غزة.

ويغطي الجزء الثاني من الكتاب الأحداث التي وقعت منذ 1997. وأعطت العلاقات المتراكمة للمؤلف على مدار سنوات إمكانية نادرة للوصول إلى أغلب الأفراد الموجودين في قلب قصة حماس. وفي النهاية، حيث لم يبقَ سوى 20 صفحة أو نحو ذلك، نلتقي بالشخصية الغامضة خالد مشعل، إذ إنه وافق على إجراء حوار معه عدة مرات في منزله الآمن بدمشق في خريف 2007، وأوضح ماك غيوف تفاصيل مشهد اللقاء تماما بين طيات كتابه. وأمام صورة للشيخ ياسين جلس مشعل على كرسي داخل حجرة الجلوس، وكان يمسح حبات العنب باستخدام منديل ورقي. ونقل ماك غيوف «الافتتان الشخصي الذي يناقض الصورة المرسومة له وسمعته كسفاح عديم الرحمة»، إلا أن آراءه عن العالم كانت تبعث الرهبة والقشعريرة في النفس وبصورة متوقعة أكثر من أن تكون مثارا للفتنة والإعجاب، إذ إنه كان يؤيد استخدام وتنفيذ العمليات الانتحارية والهجمات الصاروخية ضد إسرائيل، فضلا عن أنه ينظر إلى الدعاية السلبية المنتشرة خارج المنطقة على أنها ثمن يجب أن يدفعوه نظرا لتأثيرهم على الشعور بالأمن في إسرائيل. وبإيمان راسخ «استبعد تماما أي فكرة تشير إلى الإرهاب على أنه مجرد من الصفات الإنسانية»، «ولم يقبل مشعل أبدا فكرة أن العنف الفاقد للحس الذي ينزله كل من الفلسطينيين والإسرائيليين بعضهم ببعض له أي أثر وحشي على كل من وقعوا بين شقي رحى الصراع». وفاجأه الأمر، إذ قال لماك غيوف إن قرار حماس بدخول العملية الانتخابية عام 2006 لم يلقَ قدرا كبيرا من الاستحسان من الغرب. وحول كيفية ردة فعله إذا ما تمت مواجهته ـ كما حدث مع الراحل عرفات من قبل ـ بين خيار النفي دون محاكمة أو الانخراط الفعلي في محادثات مع إسرائيل، كان مشعل غامضا على نحو متعمد.