الهند: حزب المؤتمر وحلفاؤه سيشكلون الحكومة المقبلة

ضربة كبرى لطموحات حزب الشعب اليميني المعارض

عشرات من مؤيدي حزب المؤتمر الحاكم في الهند يحتفلون داخل مقر الحزب في دلهي ومكان إقامة رئيسة الحزب سونيا غاندي بالفوز الكبير في الانتخابات أمس (أ. ف. ب)
TT

لا شك في أن رئيس الوزراء الهندي مان موهان سينغ سوف يبقى في المقدمة داخل الديمقراطية الأكبر في العالم، حيث حصل «التحالف التقدمي الموحد»، الذي يتزعمه حزب المؤتمر الحاكم، أمس على فوز بأغلبية تقريبا خلال الانتخابات العامة التي تعقد في الهند للمرة الخامسة عشرة. ويمنح هذا الفوز الاقتصادي مان موهان سينغ يدا حرة لتدعم اقتصاد الهند، الذي تبلغ قيمته 1.2 تريليون دولار وتضرر بسبب الركود العالمي. وقامت السلطات المختصة في الهند بإحصاء نحو 430 مليون صوت انتخابي في نهاية الماراثون الانتخابي الذي استمر على مدار خمسة أسابيع داخل 834 ألف مركز انتخابي من جبال الهيمالايا إلى الجزر الاستوائية في خليج البنغال. وأشرف على تنظيم هذه الانتخابات ما يصل إلى ثمانية ملايين شخص، نصفهم من عناصر الأمن. ويعني الفوز على المعارضة التي يقودها القوميون الهندوس أن حزب المؤتمر الوطني الذي يشكل يسار الوسط ربما لا يلاقي صعوبة كبيرة في تشكيل تحالف مستقر مع الأحزاب الأصغر وربما يكون أقل ضعفا إزاء الضغوط في قضايا مثل الإصلاح الاقتصادي. وقالت سونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر للصحافيين: «في النهاية فإن شعب الهند يعلم ما هو طيب بالنسبة لهم وهم دائما ما يختارون الاختيار الصائب». ورفع أنصار حزب المؤتمر صور راهول وبريانكا غاندي كبار المرشحين وأشعلوا الألعاب النارية احتفالا بعودة الحزب للسلطة. وقال التلفزيون الحكومي إن التوقعات أشارت إلى فوز حزب المؤتمر بنحو 261 مقعدا أي أقل بقليل من تحقيق الأغلبية وهي 272 مقعدا. وكان التحالف يشغل نحو 240 مقعدا عقب انتخابات عام 2004. وتشير النتائج والاتجاهات حتى الآن إلى ظهور حزب المؤتمر على أنه الحزب صاحب النصب الأكبر، ويحتمل أن يحصل «التحالف التقدمي الموحد» على 250 مقعدا في البرلمان الذي يبلغ عدد مقاعده 543 مقعدا، وهذا الرقم أقل بمقدار 22 مقعدا على الرقم اللازم لتشكيل حكومة. ويعد رقم 272 هو ما يحتاج أي حزب لتشكيل حكومة في الهند. ويستحث حزب المؤتمر بعض الأحزاب التي لها نفس مواقف شبيهة للحزب لاستكمال الرقم المطلوب. ويعني ذلك أن الحكومة الجديدة للتحالف التقدمي الموحد سوف تشكل حكومة دون أي ضغوط خارجية مثلما حدث في الحكومة السابقة، عندما كانت هناك معوقات أمام حكومته بسبب الدعم الذي كانوا يعتمدون عليه من الأحزاب الشيوعية المعارضة للإصلاح. وقد تركت هذه الأحزاب الحكومة الصيف الماضي اعتراضا على تعامل الهند مع الولايات المتحدة في نقل التقنية النووية للاستخدامات السلمية، وكان ذلك بمثابة الانجاز الذي حققه سينغ خلال الأعوام الخمسة له في المنصب. وحتى كتابة هذا التقرير، فاز «التحالف التقدمي الموحد»، الذي يتزعمه حزب المؤتمر، بالفعل بأكثر من 151 مقعدا، وما زال يحقق نتائج متقدمة على 100 مقعد. ومنذ الصباح، وبينما كانت تشير الاتجاهات إلى انتصار كبير لصالح حزب المؤتمر، تجمع مئات المؤيدين داخل مقر الحزب في دلهي ومكان إقامة رئيسة الحزب سونيا غاندي، واحتفل الكثيرون على أصوات المفرقعات النارية، وهتفوا «جاي هو»، وهو شعار للتعبير عن الانتصار من فيلم «المليونير المتشرد» الحاصل على الأوسكار. وطغت مظاهر البهجة على مكتب الحزب، حيث حمل موظفو الحزب الورود والرايات، ورقصوا على دقات الطبول. وفي المقابل، عم الحزن على مقرات حزب «بهاراتا جاناتا» «حزب الشعب» اليميني وبدت مشاعر الحزن على مناصري الحزب وهم لا يصدقون النتائج. وفي ضربة كبرى لطموحاته، عانى حزب «بهاراتا جاناتا»، الذي انتظر لمدة خمسة أعوام كي يعود إلى سدة الحكم وحلفاء في التحالف الديمقراطي الوطني، من انتكاسات في الكثير من الأماكن وعجز عن الفوز في بعض من الولايات التي كان يتوقع تحقيق فوز فيها. وبالنسبة لحزب «بهاراتا جاناتا»، الذي يقوده لال كريشنا أدفاني البالغ من العمر 81 عاما، فإن الهزيمة المحتملة يمكن أن تدفعه إلى إجراء تعديل على آيديولوجيته التي تضع القيم الهندوسية في محور الثقافة والحياة الهندية. ومن غير المحتمل أن تكون هناك فرصة ثانية لـ«الرجل الحديدي» أدفاني، الذي كان نائبا لرئيس الوزراء في حكومة رئيس الوزراء السابق اتال بيهاري فاجبايي.

وبنى الحزب نفسه معتمدا على دفعة قومية من أواخر الثمانينات من القرن الماضي مع حملة لبناء معبد على موقع مسجد قديم. وتلقى تحالف سياسي آخر يدعى «الجبهة الثالثة» يتكون من الشيوعيين وأحزاب إقليمية، ضربة قوية في مختلف أنحاء البلاد، ولا سيما في معاقل الماركسية بكرالا وغرب البنغال. وعلى الرغم من أن سينغ لم يخض الانتخابات، وهو برلماني بالغرفة العليا، فإن من بين الشخصيات البارزة في حزب المؤتمر التي فازت بمقاعدها سونيا غاندي، رئيس حزب المؤتمر الإيطالية المولد ورئيسة التحالف التقدمي الموحد وابنها راؤول غاندي، الذي يبلغ من العمر 38 عاما ورئيس جناح الشباب في حزب المؤتمر والذي ينسب له الفضل بخصوص الأداء البارز للحزب. وعلى الجانب الآخر، فاز لال كريشنا أدفاني، مرشح حزب «بهاراتا جاناتا» لمنصب رئيس الوزراء مقعده. ويقول المحلل السياسي موكول سرينيفاسان إن راؤول غاندي كان قادرا على جذب الناخبين الشباب عن طريق أسلوبه السهل المباشر. وقد لعب الشباب دورا بارزا في نتيجة الانتخابات، وكانت رزانة سينغ وحماسة راؤول مزيجا جذابا للناخبين في ظل وضع اقتصادي تحفه الشكوك وحالة واسعة من عدم الرضا عن الأوضاع السياسية التقليدية. وبعد تحقيق فوز كاسح في الانتخابات البرلمانية الخامسة عشرة، تحدث رئيس الوزراء الهندي ورئيسة التحالف التقدمي الموحد إلى وسائل الإعلام ووجها الشكر للناخبين على «إيمانهم ودعمهم». وقالت سونيا غاندي في مؤتمر صحافي متلفز مع سينغ: «سيكون مان موهان سينغ رئيس وزرائنا»، تحدث سينغ بصوت هادئ لمدة دقيقتين ولم يتسن سماع تصريحاته جيدا ولذا اضطر للعودة إلى الميكروفون ليكررها. وقال سينغ: «هذا الفوز هو مكافأة على العمل الجيد، أشكر المواطنين لإظهارهم إيمانهم بنا.. لقد صوت مواطنو الهند بوضوح».

وفي هذه الأثناء، استقبلت الأوساط الصناعية في الهند نتائج الانتخابات بترحيب، وأشارت إلى أن التصويت كان من نصيب حكومة مستقرة يمكنها أن تستمر في الإصلاحات الاقتصادية دون قلق من الشيوعيين والشركاء المتعددين. ويحتمل أن يستقيل سينغ يوم الاثنين بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات نهاية اليوم، ولكن سوف تطلب منه الرئيسة براتيبا باتيل البقاء كرئيس لحكومة مؤقتة حتى تتولى الحكومة الجديدة مهام عملها. وعادة ما تستقيل الحكومة المنتهية ولايتها بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات إذا ما حصل نفس التحالف على أغلبية.