أحد قادة متمردي دارفور يمثل اليوم طواعية أمام المحكمة الجنائية بلاهاي.. وقد يعود طليقا

مسؤولة الإعلام بالمحكمة لـ«الشرق الأوسط»: القضاة استبعدوا إصدار مذكرة توقيف لأبو قردة بعد إبداء تعاونه

نازحون من معسكر «زمزم» شمال دارفور وهو أكبر معسكرات الاقليم (رويترز)
TT

أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أمس أن قائد إحدى المجموعات المتمردة في دارفور بحر إدريس أبو قردة سيمثل اليوم أمامها في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ويعد أبو قردة رئيس الجبهة المتحدة للمقاومة، أحد 3 من قادة المتمردين، طلب مدعي المحكمة لويس مورينو اوكامبو في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، إصدار مذكرة توقيف بحقهم، أو مذكرة استدعاء له للمثول امام المحكمة في حال قرروا المثول طوعا. ويتهم ابو قردة بالمسؤولية عن هجوم شن في سبتمبر (أيلول) 2007، على بعثة تابعة للامم المتحدة ببلدة حسكنيتة بشمال دارفور أدى إلى وقوع 12 قتيلا من قوات حفظ السلام وإصابة 8 آخرين. وقالت سونيا روبلا مسؤولة القسم الإعلامي في المحكمة الجنائية الدولية أمس، لـ«الشرق الأوسط»، خلال اتصال هاتفي، إن الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية، أصدرت أمرا بالحضور، (ليس أمر اعتقال) بحق السيد أبو قردة، الذي يشتبه في ارتكابه 3 جرائم حرب في دارفور بالسودان. وأضافت «ننتظر وصول أبو قردة للمثول أمام المحكمة الجنائية في لاهاي في الساعة الثالثة، بعد ظهر يوم الاثنين 18 مايو (أيار) 2009 (اليوم)». وقالت إن «المحكمة وخلال الاتصالات التي جرت حول هذا الصدد، رأت انه من الأنسب عدم إصدار أمر توقيف بحق أبو قردة، طالما انه اختار ان يسلم نفسه طواعية»، وأشارت إلى ان قرار الدائرة التمهيدية في هذا الخصوص صدر بتاريخ 7 مايو (أيار) 2009 وكشفت عنه أمس.

وفي بيان صدر عن المحكمة تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه أمس، قالت المحكمة «إن أبو قردة أعرب عن استعداده للمثول امام المحكمة». وقال البيان إن «المشتبه به سيمثل أمام القاضي كونو تارفوسير على ان تتلى أمامه الجرائم المتهم بارتكابها والحقوق التي يتمتع بها». وتابع البيان «لقد اعتبر القضاة ان مذكرة استدعاء تكفي لضمان مثول أبو قردة أمام المحكمة استنادا إلى معلومات قدمها مكتب المدعي العام وجاء فيها ان المشتبه به أعرب عن استعداده للمثول امام المحكمة. ولم يكن هناك من داع بالتالي لإصدار مذكرة اعتقال».

ووصل أبو قردة ظهر أمس إلى هولندا على متن طائرة تجارية. وإثر وصوله، تم إخطاره من قبل مسؤولين في المحكمة بأمر الحضور الصادر بحقه للمثول أمام الدائرة التمهيدية الأولى اليوم الساعة الثالثة مساء، بعد اللقاء بمحاميه. وتم إيصال أبو قردة إلى المكان الذي خصصته المحكمة الجنائية لإقامته في لاهاي. وسيظل مكان إقامة أبو قردة سريا، ويعتبر امتدادا لمباني المحكمة التي يحظر على أبو قردة مغادرتها دون إذن خاص من الدائرة.

وقد حيت سيلفانا أربيا، مسجل المحكمة، الخطوة، وقالت: «إن حضور أبو قردة طواعية قد يفيد في تشجيع مشتبه بهم آخرين ممن لا يزالون فارين على المثول أمام المحكمة حيث سيتمتعون بكل ضمانات المحاكمة العادلة». وقالت إن «قضاة المحكمة قد أصدروا للمرة الأولى أمرا بالحضور بدلا من أمر قبض، لأنهم مقتنعون بأن أبو قردة سيمثل أمام المحكمة دونما حاجة لاعتقاله». وأضافت «ما كان لهذه العملية المعقدة أن تتم دون تعاون عدد من الدول.. أنا ممتنة لسلطات هولندا والدول الأخرى التي سمحت بإنجاز هذه العملية، التي قامت، وفقا لروحية نظام روما الأساسي، بتقديم الدعم المتواصل لعمل المحكمة».

وقالت أربيا: «اليوم تتوجه أفكارنا إلى عناصر حفظ السلام والعاملين الآخرين في المنظمات الإنسانية الذين يقدمون أساسيات الأمن والعون لمساعدة الملايين من البشر في البلدان التي تواجه نزاعات مسلحة».

وفي جلسة المثول للمرة الأولى، سيقوم القاضي كونو تارفوسير (إيطاليا)، الذي يضطلع بمهام القاضي المنفرد، بإبلاغ المشتبه به بالجرائم التي يدعى بارتكابه لها وبحقوقه. بعد الجلسة، سيكون أبو قردة حرا في مغادرة هولندا، وسيطلب منه العودة إليها لحضور جلسة اعتماد التهم السابقة للمحاكمة، التي ستعقد في غضون مهلة معقولة لتقرير ما إذا كانت هناك أسباب جوهرية للاعتقاد بأنه ارتكب الجرائم المنسوبة إليه.

وجاء في لائحة الاتهام أن «أبو قردة، الذي ينتمي إلى قبيلة الزغاوة في السودان، متهم بثلاث جرائم حرب أثناء هجوم شن بتاريخ 29 سبتمبر (أيلول) 2007 على بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان، وهي بعثة لحفظ السلام مقرها بلدة حسكنيتة، في محلية أم كدادة، في شمال دارفور. والتهم الثلاث هي القتل، واستهداف موظفين ومنشآت، والنهب المسلح. ورأت الدائرة التمهيدية الأولى أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن الهجوم على بعثة الاتحاد الأفريقي شن في سياق نزاع مسلح مطول غير ذي طابع دولي كان قائما بين حكومة السودان وعدة جماعات مسلحة منظمة وقت وقوع الهجوم. وأن «الهجوم نفذته قوات منشقة عن حركة العدل والمساواة، تحت قيادة أبو قردة، بالاشتراك مع قوات تابعة لجماعة مسلحة أخرى».

وتقول لائحة الاتهام إن المهاجمين كانوا قرابة ألف شخص مسلحين بالمدافع المضادة للطائرات والأسلحة المدفعية وقاذفات القنابل الصاروخية. وإنهم قتلوا اثني عشر من جنود بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان وأصابوا ثمانية آخرين بجروح بالغة. ودمروا، أثناء الهجوم وبعده، أجهزة اتصالات ومنشآت ومهاجع ومركبات ومعدات أخرى تابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في السودان واستولوا على ممتلكات تابعة لها من بينها 17 مركبة ومبردات وحواسب وهواتف جوالة وأحذية وأزياء عسكرية ووقود وذخيرة وأموال.

ورأت الدائرة التمهيدية الأولى، المؤلفة من القاضية سيلفيا شتاينر (البرازيل)، رئيسة الدائرة، والقاضية سانجي ماسينونو موناجينغ (بوتسوانا) والقاضي كونو تارفوسير (إيطاليا)، أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن أبو قردة يتحمل المسؤولية الجنائية عن ارتكاب جرائم الحرب التالية:

الأولى.. استعمال العنف ضد الحياة، المتمثل في القتل، سواء ارتكب أو شرع في ارتكابه. والثانية.. تعمد توجيه هجمات ضد موظفين ومنشآت ومواد ووحدات ومركبات مستخدمة في مهمة من مهام حفظ السلام. والثالثة.. النهب المسلح. ورأى القضاة أن إصدار أمر بحضور أبو قردة أمام المحكمة يكفي لضمان مثوله أمامها وذلك استنادا إلى المعلومات التي قدمها مكتب المدعي العام التي أفاد فيها بأن المشتبه به أعرب عن استعداده للمثول أمام الدائرة، لذا لم يبد إصدار أمر بالقبض ضروريا.

وألحقت الدائرة الأولى بالمحكمة عددا من الشروط في ما يتعلق بأمر الحضور، مراعاة لضرورة الحفاظ على النظام العام وضمان سير الإجراءات بصورة منظمة. وعلى وجه الخصوص، أمرت الدائرة أبو قردة بالامتناع عن مناقشة مسائل تتعلق بالتهم أو الأدلة التي نظرت فيها الدائرة والامتناع عن الإدلاء بأي بيانات سياسية. وفي جلسة مغلقة انعقدت بتاريخ 13 مايو (أيار) 2009 أوضح القضاة أنه يجب ألا تجري أي اتصالات بين أبو قردة ووسائل الإعلام قبل مثوله للمرة الأولى وأن أي تصريحات يدلي به يجب أن تتم على نحو ينم عن احترام المحكمة والبلد المضيف.

وأوضح البيان أن المحكمة لن تضطلع بدور في تسهيل هذه الاتصالات أو ترتيبها إلا فيما يتعلق منها بضرورة ضمان بقاء أبو قردة تحت سيطرة المحكمة في جميع الأوقات وأنه يتعين إبلاغ الدائرة على الفور بأي انتهاك من جانبه لشروط أمر الحضور. وأصدرت المحكمة تعليمات إلى مسجل المحكمة بتخصيص مكان ملائم لإجراء هذه الاتصالات.

وحسب البيان فإن أبو قردة سيمثل اليوم أمام القاضي تارفوسير، الذي يضطلع بمهام القاضي المنفرد. وسيحاط علما بالجرائم التي يدعى بأنه ارتكبها وبحقوقه المنصوص عليها في نظام روما الأساسي. وستعقد جلسة لاعتماد التهم في غضون فترة معقولة لتحديد ما إذا كانت هناك أسباب جوهرية للاعتقاد بأنه ارتكب الجرائم المنسوبة إليه.وتعتبر هذه القضية هي الثالثة في حالة دارفور بعد قضية المدعي العام ضد أحمد محمد هارون (والي ولاية جنوب كردفان) وعلي محمد عبد الرحمن («علي كوشيب» احد زعماء ميليشيا الجنجويد المفترضين) وقضية المدعي العام ضد عمر حسن أحمد البشير الرئيس السوداني. ولا يزال المشتبه بهم الثلاثة (البشير وهارون وكوشيب) هاربين من العدالة.

وتنظر الدائرة التمهيدية الأولى حاليا في الطلب الذي قدمه الادعاء بتاريخ 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 لإصدار أمرين بالقبض أو بدلا من ذلك، أمرين بالحضور بحق شخصين آخرين من قادة التمرد في دارفور، ادعي أنهم شاركوا في الهجوم على موقع حسكنيتة. يذكر أن الحالة في دارفور أحيلت إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار 1593 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 31 مارس (آذار) 2005، وفقا للمادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي.