نتنياهو مقتنع بحاجة أوباما إليه

TT

بعيدا عن تفاصيل المحادثات التي دامت أربع ساعات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والخلافات الواضحة بينهما التي لم يُخفِها أي منهما، بدا أن كليهما معنيّان بإقامة علاقات رتيبة والتفتيش عن الطرق التي يعمقان فيها هذه العلاقة حتى يعملا معا بتفاهم وبطرق مجدية.

أوباما من طرفه يريد أن ينسجم نتنياهو مع أهداف السياسة الأميركية، رغم الهوة القائمة في مواقف الطرفين، ونتنياهو يريد أن يصبح صديقا عزيزا للرئيس أوباما، مثلما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إسحق رابين للرئيس الأسبق بيل كلينتون، ومثلما كان رئيس الحكومة الأسبق أرئيل شارون للرئيس السابق جورج بوش، شرط أن لا تكون نهايته مثل نهاية رابين (الذي اغتيل) أو شارون (الذي انسلخ عن حزب الليكود اليميني الذي أسسه، وشكّل حزب «كديما»، لكنه لم يتمتع بالإنجاز لأن الشلل الدماغي طرحه في غيبوبة لم يفق منها).

وحرص أوباما على توضيح طلباته من نتنياهو، مفاوضات سلام سريعة وناجعة «أياما أو أسابيع أو أشهرا»، كما قال وقصد أن لا تطول المفاوضات لسنوات، وذكر جملة «الدولتين للشعبين» ثلاث مرات وذكر خريطة الطريق مرتين وحتى أنابوليس، وهي التفاهمات التي أعلن وزير خارجية نتنياهو أفيغدور ليبرمان، أنها ليست ملزمة لإسرائيل، ذكرها أوباما مرتين على مسمع من نتنياهو ومجموعة من الصحافيين الإسرائيليين الذين يرافقونه. وطلب تجميد البناء في المستوطنات، وتغيير الواقع على الأرض بالنسبة إلى الفلسطينيين (وليس تخفيف الأعباء عن الفلسطينيين). في إسرائيل يقولون إن مطالب أوباما من نتنياهو هي أكثر بكثير مما يقوى على تحمله في ظل ائتلافه اليميني المتطرف. ولكن أوباما وضع نتنياهو أمام مسؤوليته حينما قال له: «أنا واثق من قدراتك القيادية». والترجمة العبرية لهذا الإطراء هي: «إن كنت قائدا حقا، تفضل وأقنع رفاقك في الائتلاف». ونتنياهو قبِل الإطراء من باب آخر. فهو يعرف أنه برئاسته هذه الحكومة بالذات، يملك سلاحا قويا، لم يكن يملكه أحد من سابقيه في رئاسة الحكومة، وهو الأكثرية اليمينية التي تضمن تمرير أي اتفاق يتوصل إليه مع الفلسطينيين أو مع بقية العرب في إطار مسيرة سياسية. فالمعارضة اليسارية أو الليبرالية أو العربية في الكنيست الإسرائيلي تؤيد أي اتفاق سلام، وحتى لو تمرد نواب في اليمين ستظل الأكثرية مضمونة. من هنا فإنه يشعر أن أوباما يحتاج إليه لا أقل من حاجته هو إليه لكي ينجح كرئيس حكومة و«يدخل التاريخ» كصانع للسلام. بيد أن نتنياهو يتذكر جيدا أن حالة كهذه سادت في العلاقات الإسرائيلية الأميركية أيضا في دورة حكمه السابقة (1996 ـ 1999). وفي حينه جرّب مع الرئيس كلينتون لعبة «الموافقة والمماطلة». وكلفته هذه اللعبة غاليا، فقد سقط عن كرسيه. وهو يدرك، وفقا لكل التقارير التي يعدها له خبراؤه الإسرائيليون وأصدقاؤه الأميركيون، أن أوباما يختلف عن كلينتون بصورة أشد. فهو يظهر حزما أكبر ويبين أنه متعجل من الأمر ولن يسمح بالمماطلة ولديه أجندة واضحة وربما خطة سلام واضحة لا يسهل رفضها.

لهذا، يعود نتنياهو إلى إسرائيل بشعور أنه اجتاز الامتحان الأول، ولكنه وهو في قاعة الامتحان، تَسلّم مواد لسلسلة امتحانات أصعب. وإذا كان صحيحا الانطباع عن صرامة أوباما، ولم يغير نتنياهو سياسة حكومته بشكل جدي، فإنه سيضع نفسه في مأزق كبير شبيه بالمأزق الذي أسقطه قبل عشر سنوات.