مدير «سي آي إيه»: طهران تسعى لتكون الدولة البارزة بالفوضى في العراق وعلاقاتها بسورية وحماس وحزب الله

ليون بانيتا في حوار تنشره «الشرق الأوسط» : سنزيد من وجودنا الاستخباراتي في العراق لمساعدته على الاستقرار

TT

خلال جولة له بمصانع الصواريخ والأقمار الصناعية المتطورة في ولاية كاليفورنيا، أخذ ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، استراحة، ليجلس مع رئيس تحرير «غلوبال فيو بوينت»، وأعضاء آخرين في مجلس الباسيفيك للسياسة الدولية، يوم الاثنين الموافق 18 مايو (أيار) الحالي، لإجراء حوار حول رحلته الأخيرة لإسرائيل وأولويات الاستخبارات المركزية الأميركية. وفي مايلي نص الحوار الذي تنشره «الشرق الأوسط» بالاتفاق مع «غلوبال فيو بوينت».

* عدت مؤخرا من زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إسرائيل لتحذره من الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية دون التشاور مع الولايات المتحدة، التي تحاول التواصل مع إيران دبلوماسيا. هل أنت مطمئن من أن نتنياهو لن يهاجم إيران؟

ـ نعم، من الواضح أن الإسرائيليين يشعرون بالقلق بشأن إيران ويركزون على ذلك، ولكن، يفهم (نتنياهو) أنه إذا تعاملت إسرائيل مع إيران بمفردها، فإن ذلك يعني أن تظهر مشكلة كبرى. وهو يعلم أنه من أجل صالح الأمن الإسرائيلي، فإن عليهم العمل مع الآخرين.

* ما هي أولويات وكالة الاستخبارات المركزية تحت إدارة أوباما؟

ـ تعد محاربة الإرهاب المهمة الرئيسية لوكالة الاستخبارات المركزية، وما زالت «القاعدة» تمثل التهديد الأمني الأكثر خطورة للولايات المتحدة وحلفائنا في الخارج، فما زالت قيادات التنظيم في باكستان تحيك المؤامرات ضدنا، كما أن التنظيمات والأفراد التابعين لها في العراق وشمال وشرقي أفريقيا وشبه الجزيرة العربية ما زالوا يعملون على إعداد الخطط التي تهدد هذه البلاد وقدرتنا على البقاء. وعليه، فإن الهدف الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية هو إرباك «القاعدة» وتفكيكها وهزيمتها. وهذه هي المهمة. تمارس ضغوط كبيرة على قيادات «القاعدة» في منطقة القبائل الباكستانية، وهذا دليل على أن استراتيجيتنا تؤتي ثمارها، ولا نتوقع أن نتخلى عن هذه الاستراتيجية، وأنا مقتنع بأن جهودنا تربك بصورة كبيرة كل عملية تحاول «القاعدة» القيام بها، فهي تعني التدخل في القدرة على إعداد الخطط للهجوم على هذه البلاد. ومن معايير النجاح أن «القاعدة» تبحث عن ملاذ في مكان آخر، ومن الأخطار التي يمكن أن نواجهها حقيقة أنه عندما نقوم بإرباك عملياتهم في باكستان، فإنهم سوف يسعون إلى ملاذات أخرى آمنة. وفي الوقت الحالي، فإن الصومال واليمن تمثلان ملاذين آمنين لـ«القاعدة» في المستقبل، وعلى الرغم من أهمية إرباك القيادات البارزة الموجودة في باكستان، فإننا نعلم أن ذلك لن يمحو الخطر، ولهذا السبب فإن هدفنا هو تعقب «القاعدة» في كل مكان تسعى للاختباء داخله والعمل على تدميرها، ويتضمن ذلك تدميرها داخل مناطق الحرب في الوقت الراهن. وفي الوقت الذي تخفض فيه الولايات المتحدة وجودها العسكري في العراق، فإننا سوف نزيد من وجودنا الاستخباراتي هناك لمساعدة العراق على تحقيق الاستقرار. ولا ينحصر التهديد في العراق على الإرهاب، ولكنه يظهر أيضا في عودة الطائفية. وفي الفترة الأخيرة، تحركت «القاعدة» بالأساس إلى منطقة الموصل، ونحن نركز هناك في الوقت الحالي. وفي أفغانستان، تنتشر أعمال التمرد التي تقوم بها حركة طالبان. ويتطلب تحقيق الاستقرار في بلد يحتوي على مؤسسات سياسية ضعيفة واقتصاد متعثر زيادة قوات الجيش ونشاطا في العمل الاستخباراتي على السواء. ويجب تطبيق كل من القوة القاسية والناعمة ـ المساعدات والمعونات المدنية ـ إذا كنا نسعى للحصول على فرصة لتحقيق الاستقرار. ونولي اهتمامنا الكامل بالتهديد الذي تمثله إيران، فهي قوة تبعث عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن الإدارة تتحرك باتجاه التعامل دبلوماسيا مع إيران، فلا أحد يغفل التحديات، حيث تسعى إيران كي تكون الدولة البارزة في المنطقة عن طريق برنامجها النووي والفوضى في العراق ومن خلال علاقتها مع سورية وعن طريق دعمها لحماس وحزب الله. وتقييم المجتمع الاستخباراتي الأميركي هو أن إيران، على أقل القليل، تبقي خيارها مفتوحا لتطوير أسلحة نووية مع وسائل إيصالها إلى أهدافها. وتقييمنا هو أن إيران أوقفت عملية التسلح في 2003، ولكنها مستمرة في تطوير تقنية تخصيب اليورانيوم والصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية. ومن ثم فإن تقييم نوايا إيران يمثل أولوية كبرى، وهذا ليس هدفا استخباراتيا سهلا. وينصب تركيزنا على الحصول على صورة دقيقة لقدراتها.

وعلى الرغم من أن البرنامج النووي الإيراني في حد ذاته سبب قلقا بالغا، فإن هناك مخاطر أخرى إذا ما أصبحت إيران دولة نووية، حيث سوف تسعى دول أخرى في المنطقة لاقتفاء أثرها. وآخر ما نريد هو أن يكون هناك سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وبنفس الصورة، نحاول تقييم برنامج الأسلحة النووية الخاص بكوريا الشمالية وقدراتها الصاروخية بعيدة المدى. وثمة عامل مبعث قلق كبير لنا هناك وهو بيع التقنية والخبرة لأي شخص يرغب في الدفع مقابل ذلك. وكما هو الحال بالنسبة لإيران، فإن كوريا الشمالية تمثل هدفا استخباراتيا صعبا، ولكننا نحقق تقدما جيدا. فعلى سبيل المثال، عرفنا، خلال ساعة، متى كانوا سيجربون صاروخ تيبودونغ. وعلى الرغم من المشاكل الصحية التي يعاني منه كيم جونغ إيل وقضايا من يخلف، فإن كوريا الشمالية لا تزال من أصعب التهديدات التي لا يمكن التنبؤ بما ستفعله في هذا الجزء من العالم. وفي النهاية، يريد الكثيرون في الكونغرس الأميركي التركيز على الماضي (على ما حدث خلال إدارة بوش). وأنا لا أنكر أهمية التعلم من دروس هذه المرحلة، وحيث إنني قضيت ثماني فترات في الكونغرس الأميركي، فإنني أومن بالدور الرقابي وقوة الجناح التشريعي. ولكن، خلال النظر للممارسات الماضية، يجب أن نتوخى الحذر وألا ننسى مسؤولياتنا أمام الحاضر والمستقبل، فنحن في حالة حرب. وعلينا أن نواجه هذه الحقيقة في كل يوم، ولا يمكن أن ننظر في الماضي بطريقة تبعث الفرقة من الناحية السياسية وتتداخل مع قدراتنا على الإبقاء على تركيزنا مع هؤلاء الذين يهددون الولايات المتحدة اليوم وغدا. وما سأقوله هو أنه من أجل الحاضر والمستقبل، فإن ما تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية سوف يراعي الدستور والقيم التي تمثلها أميركا، وأنا أومن بشدة، مثل الرئيس أوباما، بأنه لا يجب علينا الاختيار بين قيمنا وأمننا. ولا تنحصر مسؤولياتنا في حماية شواطئنا، ولكن في حماية حكومة من الشعب وبالشعب ولصالح الشعب.

* تقول إن استراتيجية وكالة الاستخبارات المركزية ضد «القاعدة» وحلفائها تؤتي ثمارها في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، إلا أن المنتقدين، مثل ديفيد كيلكولين، خبير مكافحة التمرد الذي قدم المشورة للجنرال ديفيد بترايوس في العراق، يقول إن الضربات الجوية التي تشنها الطائرات بلا طيار في المناطق القبلية لم تقتل سوى 14 قياديا إرهابيا فيما أودت بحياة أكثر من 700 مدني. ألا يثير ذلك المزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة الأميركية في باكستان أكثر من كونها تربك «القاعدة»؟

ـ هذه عمليات سرية، ولذا لا يمكنني الدخول في تفاصيل، لكن من المناسب القول إن هذه العمليات ناجحة جدا لأنها دقيقة جدا في إصابة أهدافها بأقل خسائر ممكنة. ويحاول بعض المنتقدين إهمال الخسائر الناجمة عن العمليات الأقل دقة، فعلى سبيل المثال، يمكن لهجمات طائرات إف16 في تلك المناطق أن تحدث خسائر كبيرة. ولمناقشة ذلك، أجد أن الأرقام أحيانا غالبا ما تكون مختلطة، لكني أؤكد لك من منظور استراتيجيتنا أنها دقيقة جدا وخسائرها محدودة جدا. وبصراحة تامة فإن الطائرات بلا طيار هي الأداة الوحيدة في السعي لإرباك قيادة «القاعدة».

* عندما كان الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف في السلطة قال إن الأسلحة النووية الباكستانية أكثر أمنا من الموجودة في الاتحاد السوفياتي السابق. هل أنت مقتنع بأمن الأسلحة النووية الباكستانية؟

ـ بالنظر إلى الأسلحة النووية الباكستانية، نحن نحاول إدراك مكان وجود تلك الأسلحة. حقيقة الأمر أننا لا نملك معلومات استخباراتية بشأن موقعها، لكننا على ثقة الآن بأن الباكستانيين لديهم طريقة جيدة لحماية هذه الأسلحة، وسنستمر في متابعته عن كثب. ومن المؤكد أن آخر ما نرغب به هو أن تتمكن طالبان في يوم من الأيام من الوصول إلى الأسلحة النووية الباكستانية.

* هل تفكيك شبكات «القاعدة» كاف لإرساء الاستقرار في منطقة الحدود الباكستانية ـ الأفغانية؟

ـ لا يمكننا الفوز عن طريق الوسائل العسكرية وحدها، فإذا ما كنا نرغب في إيجاد استقرار طويل المدى في كل من باكستان وأفغانستان، فسوف نضطر إلى التعامل مع المناطق القبلية. ومن الواضح، أن ما حدث هو أن «القاعدة» وحلفاءها يستفيدون من مشاعر الإحباط التي تنتاب الأفراد هناك الذين يشعرون بأنه لا توجد لديهم فرص. وفي النهاية فالمسألة كلها تتعلق بالتعليم والغذاء والأمن الشخصي. والسبب في نجاح طالبان في المناطق القبلية هو أنها كانت تذهب إلى المناطق الممزقة ويقولون لهم «يمكننا أن نفرض النظام» وهذا هو ما يؤلمنا أكثر. ويجب علينا أن نكون قادرين على تلبية احتياجات الأفراد بشأن النظام والأمن. وسوف يمكننا الفوز في حالة إذا ما وفرنا الأمن والوظائف والتعليم وأسس الصحة العامة والبنية التحتية. وما كانت زيادة عدد القوات في العراق لتؤتي ثمارها من دون الدور التكميلي الذي لعبته المنظمات غير الحكومية ووزارة الخارجية والمنظمات المدنية والمساعدات الأخرى التي ركزت على هذه النواحي الأخرى. ويجب علينا أن نتعلم تلك الدروس وأن نطبقها في باكستان وأفغانستان.

‌ * ما الذي ينقله لك المشهد في سوات بشأن ما يعتقده القادة الباكستانيون تجاه «القاعدة» وطالبان؟

ـ أحد التحديات التي نواجهها في مواجهة «القاعدة» وطالبان والمنظمات الإرهابية الأخرى في المناطق القبلية من باكستان هو جعل القادة الباكستانيين يفهمون أن هذه المنظمات تمثل تهديدا لاستقرار دولتهم. فقد كان التركيز الرئيسي على الدوام في باكستان منصبا على التهديد من الهند وليس من المناطق القبلية. وقد تعاملت كل من الإمبراطورية البريطانية أو الحكومات الباكستانية المتعاقبة بعد الاستقلال مع المناطق القبلية مثل المحميات الهندية في الولايات المتحدة. وقد تركت تلك المناطق بمفردها، وإذا ما أساءت التصرف كانت ترسل المدرعات للتعامل مع المشكلة ثم تترك بعد ذلك دون اهتمام إضافي. وذلك التاريخ هو أحد أسباب قيام ذلك الاتفاق في سوات ـ هدنة في مقابل تطبيق الشريعة. عندما اضطلعت بالمسؤولية، جلست مع الباكستانيين وقلت: «يجب عليكم النظر في اتفاق سوات، إنه خطر». وقالوا: «كلا، إنه ليس مثل الترتيبات الأخرى، إنه مختلف ولن يتداعى». ولقد تداعى بالفعل وأعتقد أنهم استوعبوا الدرس. وقلنا للباكستانيين: «يجب عليكم أن تنظروا إلى التهديد هنا بأنه ليس موجها فقط إلى الولايات المتحدة وأفغانستان، بل إلى باكستان، لقد فجروا فندق ماريوت، إنهم تهديد لأمنكم». إذا ما أدرك الباكستانيون أن هذه المجموعات خطر حقيقي، فسيكون بإمكاننا أن نكون الشراكة التي نحتاجها، وأعتقد أنهم بدأوا في ذلك. وبينما نتحدث الآن يقوم الجيش الباكستاني بعمليات ضد المسلحين في سوات وبونير. وليست القضية في أنهم يستخدمون الدبابات ويخلون المناطق من عناصر طالبان ويعودون، ولكن عليهم أن يطهروا المناطق ويسيطروا عليها. وهذا أمر هام. بعد القمة الثلاثية التي جرت في واشنطن مؤخرا (بين الرئيس الأميركي والباكستاني والقادة الأفغان) بدأنا في تبادل المعلومات الاستخباراتية بفاعلية كبيرة، وهي تؤتي ثمارها. أنا أشعر أن الرئيس زرداري يدرك أن عليه القيام بالمزيد. وأنا أعلم أنهم يرون تهديدا من الهند، لكنهم إذا لم يركزوا على هذا التهديد فسوف يقوض استقرارهم.

* خدمة «غلوبال فيو بوينت» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»