محاكمة أميركيين في قضية اختطاف «أبو عمر المصري» تكشف عالم الاستخبارات

الخاطفون تركوا وراءهم محادثات هاتفية ونشاطات مرتبطة ببطاقات الاعتماد

حسن مصطفى نصر الذي يعرف باسم أبو عمر المصري، يستعرض في شقته بالإسكندرية مئات الخطابات التي تلقاها من متعاطفين معه حول العالم (رويترز)
TT

ربطت بين الجاسوسين، روبرت سيلدون ليدي، رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية في ميلانو، والكولونيل ستيفانو دامبروزيو، الرئيس المحلي لوكالة الاستخبارات الإيطالية (سيزمي)، أواصر صداقة وثيقة، وكذلك شعورهما بالفخر حيال الجهود، التي يبذلانها للتصدي للإرهاب، والازدراء إزاء رؤسائهما، الذين لا يأبهون سوى لمنافعهم الشخصية. في أحد أيام خريف 2002، توصل المسؤول الأميركي لكشف بالغ الأهمية، حيث أخبر دامبروزيو أنه رغم اعتراضاته على الأمر، فإن فريقاً يتبع وكالة الاستخبارات المركزية يوجد في ميلانو ويجري جهود استطلاع من أجل «تسليم» رجل دين مصري. وساور القلق المسؤول الأميركي حيال إمكانية أن تسفر هذه العملية الخطيرة عن تدمير التحالفات، التي حرص على بنائها، بل وربما إلى تبادل لإطلاق النار بين الأميركيين والإيطاليين في الشوارع حال إخفاق الخطة، وذلك حسبما ورد في شهادة أدلى بها دامبروزيو بعد عدة سنوات. وبعد مرور أربعة شهور على هذه المحادثة، التي جرت في ميلانو، أقدمت وكالة الاستخبارات المركزية، حسب المزاعم القائمة حالياً، على اختطاف رجل الدين أبو عمر المصري ونقله إلى مصر، حيث تعرض للتعذيب على مدار عدة شهور، وسرعان ما تكشفت فضيحة دولية، حيث ترك المختطفون وراءهم أثرا من المحادثات الهاتفية، والنشاطات المرتبطة ببطاقات الاعتماد، ما سمح لسلطات ميلانو بمحاكمة 26 أميركياً (غيابياً)، بينهم دبلوماسية متقاعدة حالياً، إضافة إلى سبعة مسؤولين إيطاليين. والملاحظ أن الجرأة التي جرت بها عملية التسليم، جذبت الكثير من الاهتمام. إلا أن المحاكمة كشفت كذلك كيف تسببت الأساليب المتطرفة، التي انتهجتها إدارة بوش في إحداث هزة عنيفة في العالم الخفي للنشاطات الاستخباراتية الأميركية بالخارج. وتضمنت شهادة دامبروزيو مزاعم لافتة للانتباه حول خلافات وأنماط سلوك مارقة، والواضح أن هذه القضية صنعت تاريخاً مهنياً جيداً لبعض المسؤولين، بينما قضت على تاريخ البعض الآخر، وأثارت اتهامات بالخيانة وشعور واسع النطاق بالريبة والتشكك في أوساط المسؤولين الأميركيين والإيطاليين المعنيين بمكافحة الإرهاب. وأثناء وقوفه على منصة الشهود للإدلاء بشهادته في أكتوبر (تشرين الأول)، أوجز دامبروزيو الوضع بقوله: «كنا محصورين ما بين المأساة والسخف». ويعتمد السرد التالي للقضية، المستمرة منذ عامين، على الشهادات التي استمعت إليها المحكمة. ويبدو ليدي شخصية أشبه بـ«مأساوية» في خضم هذه القضية، حيث تمكن هذا الجاسوس البارز، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كعنصر رئيس في الحرب الدائرة في إطار عالم الاستخبارات الخفي ضد المتطرفين الإسلاميين، ورغم أنه خاض مخاطر عدة سعياً لوقف عملية الاختطاف، فقد انتهى به الحال إلى أن يصبح واحداً من أبرز مصممي العملية. وانتاب دامبروزيو شعور بصدمة بالغة عندما أخبره ليدي أن وكالة الاستخبارات الإيطالية (سيزمي) بعثت عملاء إيطاليين لمعاونة فريق من «مجموعة العمليات الخاصة» شبه العسكرية، التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في اقتفاء أثر رجل الدين المصري، حينئذ أدرك دامبروزيو أن رؤساءه يعمدون إلى عدم إطلاعه على الخطة، وقال ليدي إنه حذر رؤساءه من أن هذه الخطة تعد خطأً فادحاً، وحسب رواية دامبروزيو، فإن ليدي قال إن الخطة: «ستقضي على هدف معروف لدى قوات مكافحة الإرهاب، إننا نعلم ما فعل (أبو عمر)، ومن قابلهم، وأين قابلهم، وسيحدث ذلك ضرراً بالغاً، لأنه في اللحظة التي سيتم استبدال أبو عمر بشخص آخر، سيتعين علينا البداية من الصفر مجدداً، مع مخاطرة إمكانية تنفيذ مخططات إرهابية، إن الشخص الذي يودون اختطافه قطعاً لا يشكل خطراً محدقاً، إن أبا عمر لا يسير شاهراً سلاحه ومتهيئاً لإطلاق النار على الأطفال».

من ناحيتهم، رفض رؤساء ليدي داخل وكالة الاستخبارات المركزية هذه الاعتراضات، وحصلوا على تصريح من مسؤولين بارزين في واشنطن لتنفيذ خطتهم، وقال دامبروزيو في شهادته: «انطباعي الشخصي أن الدافع الوحيد وراء هذا الأمر كان التقدم المهني، بمعنى إظهار لواشنطن أن (رئيس محطة روما) يتحلى بقدر كاف من الصرامة والمهارة، لتحقيق إنجازات رغم الصعاب القائمة».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»