رجل الديوان الملكي السعودي منذ تأسيس الدولة

غيّبه الموت بعد مسيرة عمل تجاوزت نصف قرن

TT

غيّب الموت يوم أمس (الأربعاء)، محمد النويصر رئيس الديوان الملكي السعودي السابق، عن عمر يناهز الثمانين عاما، والذي عمل في منصبه منذ عهد الملك فيصل بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وحتى نهاية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ رحمه الله، ثم في بداية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقد أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز أمرا ملكيا عقب تسلمه مقاليد الحكم، قضى بإعفاء محمد النويصر من منصبه بناء على طلبه، إذ قضى فترة عمل تجاوزت نصف القرن، وخلفه فيما بعد خالد التويجري، وذلك في إطار التغييرات التي قام بها العاهل السعودي.

أول محطة عمل كانت وزارة المالية التي التحق بها إبان كان الشيخ عبد الله السليمان وزيرها، ثم تم إيفاده إلى حائل للعمل على تنظيم الشؤون المالية، حيث استبقاه الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي أمير منطقة حائل آنذاك، ليعمل لديه في إمارة المنطقة، ثم التحق في ديوان الملك في الحجاز وسكرتيرا مع الشيخ إبراهيم السليمان العقيل، مما مكنه من مرافقة الملك فيصل في رحلاته، التي كان إحداها إلى سان فرانسيسكو عام 1944 حيث حضر مراسم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، وقد حاز ثقة الملك فيصل بن عبد العزيز ـ وتدرج في الوظائف حتى تم تعيينه رئيسا للديوان الملكي بمرتبة وزير في عهد الملك فيصل، ثم أكمل مسيرته في عهد الملك خالد، وطلب أن يعفى من منصبه في عهد الملك فهد بن عبد العزيز غير أن طلبه قوبل بالرفض، وحينما تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحكم طلب محمد النويصر الإعفاء فأعفي من منصبه بعد عمل دام نحو ستين عاما.

جمع محمد النويصر إلى جانب رئاسته للديوان الملكي، رئاسة ديوان رئاسة مجلس الوزراء السعودي، واستمر بها حتى نهاية التسعينات من القرن الميلادي المنصرم، حيث خلفه في هذا المنصب الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء الحالي.

وثق للراحل محمد النويصر، الإعلامي السعودي الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه «أعلام بلا إعلام» الصادر في عام 2007، ووصفه بـ«الإنسان العامل بصمت، الذي لا يهزه الإطراء، ولا يأبه بموقعه في أدوات الدعاية والإعلام»، مؤكدا أنه حقق التوازن في نهجه، والقسط والاعتدال في التدبير والتصرف الشخصي «وحظي باحترام رؤسائه وزملائه ومرؤوسيه، وصار مدرسة في الصمت والهدوء».

ويسهب الدكتور الشبيلي في وصف ضيف كتابه، مشيرا إلى أنه «يبكر في الحضور، ويتأخر في الانصراف، واهبا نفسه ووقته لواجبات وظيفته، ممتنعا عن الشكليات الاجتماعية ليكون رهن عمله، وتعامل مع مسؤولياته بوسطية وعقل راجح كبير».

من جهته قال الدكتور عبد المحسن بن سعد الرويشد المستشار في شعبة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي سابقا، عن الراحل «بوفاة الشيخ محمد النويصر تكون الحكومة السعودية قد خسرت واحد من أبرز رجالاتها الذين أدوا مهامهم فيها طوال أكثر من 60 عاما، وتقلد مناصب أثرت بصورة مباشرة لا تخطأها العين في كثيرا من قراراتها».

وأضاف «إذا ما سجل تاريخ هذا الرجل يوما ـ وهو ما ندعو له ونلح عليه ـ فسوف يجمع كل من تصدى لكتابة التاريخ، أن الرجل كان يتمتع بنظرة ثاقبة للأحداث، وقراءة المستقبل، كما كان يتحلى بروح سمحة تأبى أن تتردى في مهاوي السوء والضغينة والصغائر».

وبالعودة إلى الشبيلي الذي يسهب عن النويصر، حيث يؤكد أنه من فئة العقلاء «الذين حافظوا على سمتهم وصمتهم ولم يعرضوا أنفسهم للبروز، ولم يتخذوا منصات للوجاهات الاجتماعية».

كما يشير إلى نهج عمل رئيس الديوان الملكي السابق بقوله «إنه مدرسة متميزة في الإدارة، جمع فيها بين التقليدية والتحديث والكلاسيكية والتطوير» بالإضافة إلى أنه «حافظ فيها على أساليب متوارثة، واحتفى فيها بكل تقنية حديثة، واتسع فكره للجديد، تآخى عنده الشيوخ والشباب، واحتضن التطويريين، وأفسح المجال للطاقات المبدعة كي يتواءم الديوان الملكي مع كل مستجدات العصرية»، مشددا على أن النويصر «أوجد جيلا خلاقا منسجما من الطاقات والكفايات المؤهلة». وقد عرف عن النويصر تواضعه الشديد وعطفه على جميع أفراد عائلته، إضافة إلى إقدامه على الأعمال الخيرية في الخفاء، خصوصا أنه كان لا يحب الظهور الإعلامي عبر وسائل الإعلام بمختلف تخصصاتها.

يشار إلى أن محمد النويصر رئيس الديوان الملكي السابق ولد في مكة المكرمة من أسرة تعود من منطقة القصيم (وسط السعودية)، كما عاش بدايات حياته في مكة المكرمة، وتلقى تعليمه في مدارس الفلاح، وتوفي في مدينة جدة (غرب السعودية) تاركا خلفه 10 أبناء من الذكور ومثلهم من البنات.