حركة فتح.. ومحاولات إصلاحها

لم تعقد اجتماعا عاما منذ 20 عاما.. وأحد أعضائها الداعين إلى التغيير وصفها بسفينة تغرق

TT

هناك اللجنة المركزية والمجلس الثوري، والحرس القديم والحرس الجديد، وهناك أيضا عناصر داخلية وعناصر خارجية، ورؤساء للفروع ورؤساء للدوائر، وإلى جانب كل ذلك هناك «مفوضية التعبئة والتنظيم»، والمعروفة بـ«مكتب دائرة الإعلام».

تتمتع حركة فتح التي شكلت لب الحركة الوطنية الفلسطينية على امتداد خمسة عقود، بقدر من الشفافية شبيه بما كانت تحظى به الجمهوريات السوفياتية، وخضعت على مدار فترة طويلة لإدارة مؤسسها ياسر عرفات. وفي أعقاب وفاته منذ خمس سنوات بدأ الحديث عن ضرورة إصلاح الحركة، وعاد الحديث عن الإصلاح مجددا بعد الهزيمة التي أنزلتها حركة حماس بحركة فتح في الانتخابات التشريعية عام 2006.

إلا أن الصدمات المتتالية التي ضربت فتح لم تفلح في إحداث تغيير كبير بها، إذ أصيبت بالشلل بسبب التحالفات الشخصية المتضاربة واستمرار أزمة الهوية، كما أن حركة فتح لم تعقد مؤتمرا عاما لها منذ 20 عاما. وفي الوقت الذي يعرف الجميع بأمر الفجوة القائمة بين الضفة الغربية بقيادة فتح وقطاع غزة بقيادة حماس، لا يدرك الكثيرون أن فتح ذاتها، التي يمدها الغرب بالتدريب والعون، تعاني من تمزق داخلي بالغ لدرجة جعلتها عاجزة في أغلب الأحوال عن التفاوض أو ممارسة الحكم. وكان رئيس الوزراء سلام فياض قد أعلن الثلاثاء الماضي تشكيل حكومة جديدة تتسم بتمثيل أكبر من جانب فتح بين وزراءها، لكن دونما تغيير كبير في السياسات.

وقد علق قدورة فارس، أحد الأصوات البارزة داخل فتح، الداعية إلى التغيير وعقد سلام مع إسرائيل، على الوضع بقوله: «إننا على متن سفينة تغرق، وتظن القيادة أن بمقدورها إنقاذنا من خلال سد ثقب بالسفينة. علينا أن نفيق من غفوتنا ونتوقف عن الكذب على أنفسنا. نصف أنفسنا بأننا حركة ديمقراطية، لكن ما حقيقة الحركة الديمقراطية التي لا تجتمع طوال 20 عاما؟».

وإذا نجح فارس وأمثاله في مساعيهم، وتمكنت فتح من إعادة تنظيم نفسها ومن التغلب على حماس في الانتخابات المقرر إجراؤها عام 2010 في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن ذلك قد يعزز على نحو بالغ إمكانات التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقبلية، إلا أن استطلاعات الرأي توضح أنه حال إجراء انتخابات الآن فإن التنافس بين فتح وحماس يكون محتدما.

وقال بسام ولويل، الناشط السياسي الذي تحول إلى رجل أعمال ويضطلع بدور واضح في محاولة إعادة تشكيل الحركة: «اعتادت فتح العمل كحركة تركز على النضال المسلح، لكننا نرغب الآن في التحول على حركة اقتصادية واجتماعية ذات سجل جيد في الحكم ينهي الفساد ويعزز الديمقراطية. نحن ملتزمون بالسلام مع إسرائيل».

وهيمنت حركة فتح منذ أمد بعيد على «منظمة التحرير الفلسطينية»، التي تضم كذلك عددا من الفصائل الأخرى الأصغر. أما حماس فقد تأسست في أواخر الثمانينات ولا تعد جزءا من المنظمة، إلا أنه منذ الانتصار الذي حققته في انتخابات عام 2006 تحولت إلى قوة صاعدة في إطار المشهد السياسي الفلسطيني، مما دفع حماس إلى التفكير بشأن إجراء إصلاحات داخلية بها. وفي أعقاب معركة استمرت لأربعة أيام في يونيو (حزيران) 2007، سيطرت حماس على قطاع غزة، بينما ظلت الضفة الغربية في قبضة فتح. في العام الماضي انتخبت كل من الـ14 دائرة التي تتألف منها الضفة الغربية رئيسا جديدا لفتح، نال معظمهم تعليما جامعيا، ويلتقي هؤلاء الرؤساء على نحو أسبوعين ويتبادلون الرئاسة في ما بينهم على نحو تعاقبي لتجنب استغلال السلطة. وقد تعلمت فتح درسا من حماس دفعها إلى السعي للتأثير على المواطن الفلسطيني العادي عبر افتتاح محطة تلفزيونية متصلة بالقمر الصناعي تعمل على مدار 24 ساعة، وتوفير وجبات غداء مجانية وحقائب مدرسية للطلاب من الأطفال الفقراء.

وفي الوقت الذي لا يزال التشاؤم يخيم على معظم المحللين ونشطاء فتح حيال إمكانية حدوث تغيير حقيقي داخل الحركة قريبا، يبقى من المؤكد استمرار الحماس إزاء التغيير بين صفوفها. وبصورة شبه يومية على امتداد الأسابيع الماضية، ناقش نشطاء فتح سبل عقد المؤتمر العام للحركة، الذي طال أمد إرجائه بهدف تشكيل أجهزة حاكمة جديدة ومجموعة حديثة من الإرشادات المتعلقة بالإجراءات والسياسات المتبعة. وقد وعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يتولى رئاسة فتح أيضا، النشطاء بعقد المؤتمر في الأول من يوليو (تموز) في الضفة الغربية، إلا أن معظم الآراء تتوقع عدم الوفاء بهذا الموعد، رغم اتفاقها على الحاجة إلى عقد المؤتمر.

وأعرب خالد شقاقي، العالم المعني بالعلوم السياسية المقيم في رام الله، عن اعتقاده بأنه من غير المحتمل أن يتم إرجاء المؤتمر لأمد طويل. وقال: «يجب أن ينعقد المؤتمر هذا العام للحيلولة دون تمرد الحرس الجديد».

والواضح أن جميع العناصر المرتبطة بالمؤتمر تمثل مصدر شقاق وخلاف، مثل هوية الحضور وموعد ومكان انعقاد المؤتمر والقرارات التي ينبغي أن يصدرها. ويرغب النشطاء السياسيون الجدد، من داخل الضفة الغربية وغزة، أن يصل عدد الحضور إلى عدة آلاف، بحيث تسنح الفرصة لتنحية القادة المتقدمين في السن جانبا. ويأمل الكثيرون في انتخاب مروان البرغوثي، المحتجز داخل أحد السجون الإسرائيلية، زعيما جديدا للحركة. في المقابل ترغب لجنة العضوية في دعوة 650 فردا فقط لحضور المؤتمر، أما عباس فقال إن العدد ينبغي أن يكون قرابة 1500 فرد.

والملاحظ أن عقد المؤتمر في الضفة الغربية، بحسب رغبة عباس، من شأنه تعزيز مكانة العناصر الداخلية، أي المقيمة في الضفة الغربية وغزة، في مواجهة العناصر الخارجية، وهي تلك الموجودة في دول مثل لبنان وسورية. لكن عقد المؤتمر في الضفة الغربية يعني كذلك أن إسرائيل، المسيطرة على الحدود مع الضفة الغربية، ستتمتع بحق نقض (فيتو) بالنسبة إلى العناصر الخارجية التي تشارك في المؤتمر.

ولا شك أن هذا الأمر يفرض معضلة حساسة على إسرائيل، ففي الوقت الذي قد تؤيد إسرائيل نظريا تعزيز وتجديد فتح باعتبارها شريكا تفاوضيا في المستقبل وجهة تؤلف الحكومة الفلسطينية، فإن الحركة بوجهها الجديد قد تتخذ طابعا مسلحا أكبر. كما يتعين على إسرائيل تحديد المسار الذي ستنتهجه حال انتخاب البرغوثي زعيما للحركة. ويقول ديمتري ديلياني، المتحدث الرسمي باسم فتح عن منطقة القدس: «القيادة الراهنة لا تبقي على النضال المسلح كخيار. بالنسبة لنا على أرض الواقع فإننا نفضل أن يسعى الخطاب السياسي وراء الأهداف الوطنية، لكن حال عدم نجاحه في إطار زمني محدد ينبغي علينا اللجوء إلى الخيارات الأخرى، بما فيها المقاومة المسلحة». والتساؤل الأكبر الذي يفرض نفسه على فتح حاليا: ما القيمة التي تمثلها الحركة؟ وما إذا كانت ستضغط باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس، أو السعي لإنزال الهزيمة بها، وما إذا كان ينبغي أن تقبل بتسوية مع إسرائيل بشأن قضايا مثل حق العودة للفلسطينيين، وحدود الدولة الجديدة، ووضع القدس.

أما في ما يتعلق بإسرائيل والولايات المتحدة، فثمة مشكلة لا تقل صعوبة تتمثل في أن للدولتين مصالح في مساعدة العناصر الوطنية على الإصلاح وعقد المؤتمر الخاص بها، لكنها في الوقت ذاته بحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن حجم المساعدة التي ينبغي تقديمها إلى القادة الجدد، الذين قد ينتهي الحال بكثيرين منهم إلى التحول إلى خصوم حال فشل عملية التفاوض من أجل السلام. * خدمة «نيويورك تايمز»