الأسد: لا بد من رفض الحلول «المفصلة» في الخارج.. لأن ذلك لن يناسب مقاسنا ولا ذوق شعوبنا

قال إن إسرائيل عقبة أمام السلام > موسى: ليس هناك طرح أميركي للتسوية بعد

صورة تجمع الرئيس السوري بشار الأسد ووزراء خارجية الدول الإسلامية في دمشق، أمس. (رويترز)
TT

دعا الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب خلال افتتاح اجتماعات وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي في دمشق إلى رفض الحلول «المفصلة» في الخارج لمشكلات المنطقة، موضحا أنها «لا تناسب شعوبنا». وقال الأسد في خطابه «علينا ألا نسمح بانتهاك سيادتنا واستقلالنا، والاستقلال يبدأ من منطقتنا لا من الخارج، ومن خلال مواجهة التحديات التي تفرض علينا اعتمادا على أنفسنا وإيجاد الحلول التي تناسبنا وتحقق مصالحنا». وأضاف الرئيس السوري «في المقابل، فنحن نرفض بكل تأكيد أن تفصل الحلول في الخارج لكي تطرح علينا جاهزة وما علينا سوى التنفيذ، فهذا النوع من التفصيل لن يناسب مقاسنا ولا ذوق شعوبنا ولذلك فالفشل مصيره».

كما شكك الأسد في إمكانية التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط في ظل ما وصفه بالحكومة الإسرائيلية «المتطرفة» لكنه لم يستبعد استئناف المحادثات مع إسرائيل. وقال الأسد «ولكن فشل هذه العملية حتى اليوم أظهر بشكل صارخ حقيقة أن إسرائيل هي العقبة الأكبر في وجه ذلك السلام المنشود... هل يمكن لدولة قامت على الاحتلال غير الشرعي وقتل السكان الأصليين من الفلسطينيين والمستمر حتى هذه اللحظة وارتكبت المجازر في لبنان والضفة الغربية وغزة عبر عقود أن تعمل من أجل السلام». وتساءل الأسد «هل يمكن لدولة أعاقت حكوماتها علنا وسرا إمكانية التوصل لأي اتفاق خلال العملية السلمية منذ انطلاقها.. وهي اليوم تختار على قمة هرمها أكثر الحكومات تطرفا في تاريخها.. أن تكون شريكا لنا في عملية السلام». وكان الأسد يشير في كلمته في افتتاح اجتماع لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 57 دولة إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تولت السلطة قبل شهرين. وقال الأسد في العاصمة السورية دمشق «ونحن في سورية.. بشكل خاص.. وكدول عربية بشكل عام.. لم نغير موقفنا تجاه السلام.. كهدف استراتيجي يجب الوصول إليه في يوم من الأيام طبعا مع ما يعنيه ذلك من عودة الحقوق كاملة وفي مقدمتها عودة الأراضي المحتلة دون نقصان». وعقدت سورية أربع جولات من المحادثات غير المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية عام 2008 وعلقت رسميا في ديسمبر (كانون الأول) خلال الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة. وأبلغ مسؤولون أميركيون نظراء سوريين الشهر الحالي أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وضع سلام الشرق الأوسط في مرتبة متقدمة في جدول أعماله ملتزم بالسعي إلى التوصل لاتفاق سلام بين سورية وإسرائيل خلافا لموقف أقل حماسا لسلفه جورج بوش. كما دعا الرئيس السوري العالم الإسلامي إلى الانفتاح والتصدي لمحاولات خلق التنافر بين شعوبه وثقافاته، مدينا «الحملة المحمومة على الإسلام» التي تهدف إلى «تشويه صورته كمرجعية حضارية». وقال الأسد إن «الإسلام هو دين الانفتاح والتواصل الحضاري واستمد قوته واستمراره من انفتاحه على الجميع بكل ما لكلمة الانفتاح والتواصل من أوجه ومضامين»، موضحا أنه «عندما نتحدث عن عالم إسلامي فإننا لا نقصد المسلمين فحسب بل جميع مكونات ذلك التنوع الغني الذي يعبر بوجوده عن حقيقة الانفتاح الذي حمله الإسلام».

وأضاف أن «أي دعوة للانغلاق منافية لجوهر الدين ومدمرة لغاياته النبيلة، وكل محاولة لبث الفرقة والانقسام داخل مجتمعاتنا وبين مكوناتها تتنكر لجوهر رسالته الإنسانية». وأكد الأسد ضرورة «التصدي للمحاولات التي ترمي إلى خلق التباين والتنافر بين شعوبنا وثقافاتنا.. وأن نكون واعين لمنطق الحرب الإعلامية والثقافية، حرب المصطلحات والمفاهيم التي تصدر إلينا ثم تتحول إلى واقع ثقافي وسياسي لا يمت إلى واقعنا بأي صلة بحيث يتحول الصديق إلى عدو والأخ إلى خصم ويتحول الخلاف الوهمي غير الموجود داخل ثقافاتنا أو فيما بينها إلى حرب حقيقية وتصبح دماؤنا الوقود الضروري للتدخل الخارجي في شؤوننا ولإضعاف بلداننا». ودعا إلى «تنسيق سياساتنا الثقافية والإعلامية لمواجهة هذا الوضع من خلال توسيع دائرة الحوار... لردم الفجوات المصطنعة».

ورأى الرئيس السوري أن «التطورات السياسية والاقتصادية التي زعزعت استقرار العالم ترافقت مع حملة محمومة على الإسلام بهدف تشويه صورته كمرجعية حضارية.. وعلى المسلمين بهدف عزلهم.. وكأنهم حالة شاذة على الساحة الدولية». وأضاف «إذا كان ديننا يعامل بالإساءة أو بالازدراء فلأننا ببساطة سلمنا قرارنا إلى غيرنا وبالتالي هو من سيحدد العقيدة التي تناسبنا. فإذا تحدثت تعاليم هذه العقيدة عن مقاومة المحتل واستعادة الأراضي فهو إرهاب». ومع أن موضوع السلام والقضية الفلسطينية واحدة من عدة محاور أخرى مطروحة على جدول أعمال مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي، إلا أن عملية السلام كانت محور غالبية النقاشات والدردشات التي دارت في أروقة المؤتمر، وكان لافتا في الجلسة الافتتاحية قول الرئيس السوري إن «سبعة عشر عاما منذ بدء مفاوضات السلام في مدريد لم تؤد إلا إلى الإضرار بالسلام وجعله أبعد ما يكون عن التحقيق». وأنه إذا كانت هناك نقطة إيجابية واحدة تسجل لعملية السلام فهي أنها «عرت إسرائيل وفضحت حقيقتها أمام العالم فهذه الدولة عدوانية المنشأ والنوايا كانت تصور لعقود مضت على أنها الحمل الوديع الراغب في السلام مع الذئاب المحيطة به بمن فيهم أصحاب الأرض الأصليون من الفلسطينيين ولكن فشل هذه العملية حتى اليوم أظهر بشكل صارخ حقيقة أن إسرائيل هي العقبة الأكبر في وجه ذلك السلام المنشود». ومع استمرار إسرائيل في سياستها العدوانية توقع الأسد حصول «المزيد من الاضطراب في الساحة السياسية». وحمل بعض الدول الغربية «مسؤولية في ذلك لأنها ظلت ولسنوات تتنكر للحقائق الموجودة على الأرض حيث كانت تقلب المفاهيم من خلال اتهام المقاومين بالإرهاب وتصويرهم وكأنهم عصابات خارجة عن القانون لا تمت بصلة إلى شعوبها ولا تمثلها في كفاحها ضد الاحتلال». وأشار الأسد إلى أن تلك الدول «استخدمت المعايير المزدوجة في أسوأ أشكالها فكانت تعطي العالم عظات عن حقوق الإنسان وعندما يكون هذا الإنسان عربيا أو مسلما يصبح الموت حقه الوحيد الذي يدافعون عنه أو يعملون لأجله»، لافتا إلى أن هذه الدول بدأت «تدرك متأخرة خطأها» لأنها لم تعد قادرة على التغاضي عن الواقع شديد الوضوح لكنها ما زالت أيضا غير قادرة على التحرك في الطريق الصحيح من خلال التعامل مع هذه الحقائق وفي مقدمتها «الدعم الشعبي الكبير الذي تحظى به قوى المقاومة في منطقتنا» والذي يجعلها «العنصر الأساسي الذي يمر عبره أي حل والضامن الأهم لعودة الحقوق إلى أصحابها». إلى ذلك وعلى هامش المؤتمر قال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» حول ما قيل عن طرح أردني لوجود استعداد لدى دول عربية وإسلامية للاعتراف بإسرائيل إذا حققت السلام، إنه لا يوجد طرح أردني على هذا النحو. وقال موسى: الطرح الأردني يتفق مع المبادرة العربية ويشترط «الاعتراف بتحقيق الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة من كل الأراضي العربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة». وأوضح موسى إذا «انتهى النزاع سيكون العالم الإسلامي كله منضما إلى ما يطالب به أو تتعهد به الدول العربية» مستدركا «إنما نحن تحت الظروف الحالية: وما نراه الآن.. لا نرى تقدما أبدا.. إلا في الموقف الأميركي الذي فيه الكثير من الوضوح الذي يمكن أن يفيد الأطراف جميعا». وعن وجود تصور أميركي للسلام قال موسى «لا يوجد طرح بعد ولكن هناك إرهاصات ايجابية لأي حل نحو السلام» .

من ناحيته، دعا الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو الأمة الإسلامية إلى المسارعة لدعم صمود مدينة القدس وأهلها ومؤسساتها سياسيا وماليا وإلى محاكمة إسرائيل على الجرائم التي اقترفتها في غزة وقال «إن المحنة في قطاع غزة تستوجب جهدا إسلاميا للتعامل معها نتيجة العدوان الإسرائيلي وآثاره وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل واستعمالها أسلحة محرمة دوليا وبات من واجبنا الآن أن تتضافر جهودنا لمحاكمة مقترفي هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية المختصة والإسراع في بدء إعمار القطاع ورفع الضائقة والمعاناة عن أهلنا هناك». وطالب في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة السادسة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية المجموعة الدولية بإلزام الحكومة الإسرائيلية بإنهاء الاحتلال لكل الأراضي العربية المحتلة عام 1967 في القدس والضفة الغربية والجولان السوري وجنوب لبنان. وأشار أوغلو إلى الأوضاع في العراق والصومال وأفغانستان والسودان معتبرا أن الوضع في السودان يستأثر باهتمام بالغ من المنظمة حيث تتواصل جهود دولية لإنجاح مسار مفاوضات دارفور للسلام. وجدد رفض المنظمة لقرار محكمة الجزاء الدولية بشأن السودان وازدواجية المعايير لافتا إلى استمرار المنظمة في تقديم مساعداتها الإنسانية والتنموية للإقليم. وعن جهود المنظمة لمواجهة الحملة ضد الإسلام قال أوغلو إن المنظمة «بذلت وتبذل الكثير من الجهود على مستويات متعددة لإيقاظ الوعي بأهمية مناهضة ظاهرة الإسلاموفوبيا في أنحاء شتى من العالم وفي العالم الغربي على وجه الخصوص» مستعرضا تطورات السياسة الدولية وما طرأ على ميزان القوى بين الدول المؤثرة وقال إن «دور العالم الإسلامي ما زال لا يرقى إلى ما ينبغي أن يكون عليه في عصر التجمعات الكبرى غير المسبوقة». كما تحدث أوغلو بكلمته المسهبة عن نجاح البرنامج العشري للمنظمة في وضع تصور لعالم إسلامي موحد الكلمة متضامن ومتكافل وقادر على مواجهة التحديات وأنه تم البدء في تطبيق البرنامج وقامت الأمانة العامة بتنفيذ جل ما طلب منها من أعمال مؤسساتية كتعديل الميثاق وإجراء إصلاحات جوهرية على عدد من مؤسسات المنظمة وكذلك بتقوية ودعم المؤسسات الاقتصادية العاملة في مجال العمل الإسلامي المشترك وتحفيز التعليم الجيد.