أسياس أفورقي: الكلام عن إمدادنا الإسلاميين الصوماليين بالسلاح فرية من المخابرات الأميركية

الرئيس الإريتري في حوار مع «الشرق الأوسط» : لا نعيب الشخصيات.. لكن الحديث عن الجامعة العربية أصبح مملا

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي («الشرق الأوسط)
TT

البساطة التي بدت في طريقة استقبال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، تنسجم مع البساطة التي يتبعها السكان في أسمرة العاصمة، ومصوع الميناء، وكرن وتسنى وغيرها من المدن في إريتريا، بيد أن احتفال إريتريا بالذكرى 18 للاستقلال يعيد إلى الذاكرة سنوات الحرب، التي خاضها الشعب المكون من أربعة ملايين نسمة، من أجل الاستقلال عن إيطاليا ثم عن إثيوبيا، وتحولت المستعمرة إلى أحدث الدول الحرة المنضمة إلى منظمة الأمم المتحدة. قصر الرئاسة الذي احتضن الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع الرئيس أفورقي أصبح أيقونة الحرية للشعب، وحتى الرئيس لا يسكنه، بل يقطن كغيره من المواطنين في بيت للإيجار وسط أسمرة، يحفه الجيران، فالبساطة والتواضع والمودة تتجسد جميعها هنا في إريتريا.

* كان لكم رؤية في قضية أمن البحر الأحمر، تتمثل في أن أمن البحر الأحمر يجب أن يدار بواسطة شعوب المنطقة حتى لا يكون مدخلا للتدخلات الدولية، هل تحدثنا عن تلك الرؤية؟ ـ هذا أمر لا يحتاج إلى أن يطرحه أحد؛ فهو ضرورة، ضرورة تفرضها جغرافيا واحتياجات دول المنطقة، واحتياجات الممر المائي الدولي. مسؤولية تأمين الأمن في البحر الأحمر، كممر استراتيجي، هو من أولويات هذه الدول. كيف يمكن أن تتعامل هذه الدول مع هذه الأولويات والضروريات، ولا شك أن الإرادة موجودة، تليها عملية التنسيق في ظل توفر النوايا الحسنة في هذا الاتجاه، لكن المسألة تحتاج إلى خلق أرضية، ومن ثم آلية لتنسيق العلاقات.

الإمكانيات يمكن أن تكون أكثر مما يتطلبه الظرف، لكن الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح تحتاج إلى ترتيب بدايات، ومن ثم إيجاد الآلية، وأنا متأكد أن الآلية الإقليمية ستكون فعالة أكثر من التدخلات الخارجية. التدخلات الخارجية تأتي مع مشكلاتها، ونحن في هذه المنطقة في غنى عن التدخلات الخارجية.

* تكرر حديثكم عن موقفكم من جامعة الدول العربية، ولكن في فترة ما تم اختيار إريتريا كمراقب، في سابقة هي الأولى في الجامعة، ليتم بعدها انضمامكم كعضو كامل، ما موقفكم كمراقب في الجامعة الآن؟

ـ هذه كانت خطوة، سميناها «مجاملة». نحن لا نود أن ندخل في جدل حول هذا الموضوع، والحديث عنه أصبح مملا للغاية، وأعتقد أن هناك إجماعا عربيا، إجماعا بأصوات متباينة، بأن هذه المنظمة أصبحت منظمة لا ترقى إلى مستوى المطالب وطموحات شعوب هذه المنطقة، وأصبحت بلا قدرات ولا إمكانيات لأن تؤدي الخدمات المطلوبة. وهذا ليس بعيب، وليس فيه مساس بالمسؤولين الموجودين في الجامعة، ولا بالشخصيات، لكن الواقع في المنطقة أصبح متباينا في كثير من الأمور مع وجود التدخلات الخارجية، ولم تعد الجامعة العربية تمثل بإمكانياتها الحالية طموحات شعوب هذه المنطقة، في ظل فتور وإجماع في الرأي حول ضعف هذه المنظمة. لا جدوى لإريتريا أن تصبح موجودة كعضو في الجامعة العربية. قضية العضوية كمراقب كما أسلفت جاءت مجاملة، ووجودنا في القاهرة لم يكن له داع. فالتجربة القصيرة بالنسبة لنا أثبت مقولة إن هذه المنظمة تحتاج إلى إصلاح كبير جدا حتى تأتي بمنفعة لشعوب المنطقة.

* وجود سفارة لإسرائيل في أسمرة وسفارة إريترية في تل أبيب، افترض البعض أنه يوفر لإريتريا دورا إيجابيا في القضية العربية المركزية «فلسطين»، فكيف يمكن أن تلعبوا هذا الدور؟

ـ هذا الاحتمال قد يكون مستحيلا، إريتريا ليست لديها الرغبة في أن تقحم نفسها في قضية، أصلا، معقدة، وأصبحت من أصعب قضايا المنطقة، وحتى البلدان الكبيرة أو بعض البلدان اللي تعتبر أنظمتها الأقوى في هذه المنطقة ليست لديها الإمكانيات لأن تساهم بشكل إيجابي أو أن يكون لها تأثير في هذه العملية. القضية ليست وجود سفارة هنا أو في تل أبيب. قد تكون سفارتك موجودة في بلدان بعيدة وليست لديك أي علاقة بها، لكن المهم أن القضية الجوهرية يجب أن يجد أهلها الحل، ثم تأتي بعدها جهود الآخرين.

لكن التجاوز لحدود إمكانيات بلد ما، وأن تتدخل في حل هذه المسألة التي أصبحت معقدة دوليا، حتى الدول العظمى لم تعد قادرة على إيجاد حل لها، لا يحقق حلا، ولا يوجد ما يشجع بدفع مبادرات للحل. أنا في اعتقادي، ما يروج في الإعلام وفي المجالات الدبلوماسية والمساحات السياسية هو مجرد مهاترات، مجرد كلام في شيء ليس موجودا أصلا، فمع كل هذه التعقيدات، إريتريا تعرف مكانتها ودورها، نعم، قد تكون هناك مواقف سياسية وآراء في بعض الأمور، لكن أن تعمل إريتريا باتجاه إيجاد حل أو مساهمات لحلحلة هذه المشكلة، هذا قد يكون أمرا مستحيلا في اعتقادي.

* تحدث عدد من المسؤولين عن دور إريتريا في إذكاء الصراع الدائر في الصومال، كما أن علاقاتها مع جيرانها في جيبوتي وإثيوبيا ليست على ما يرام، وأن لبلادكم قواعد عسكرية في بعض دول الجوار لدعم المعارضة، ما الحقيقة يا فخامة الرئيس؟

ـ مصدر المعلومات الذي ينشر هذه المعلومات ويدوخ أجهزة الإعلام والفضائيات والمجالات الدبلوماسية، من الدوائر الأميركية، ونحن طبعا نستغرب هنا من أن لنا دورا في كل ما يجري حولنا، لكن ما يروج هو في إطار حملات المخابرات المركزية الأميركية. لقد سمعت أيضا من أجهزة الإعلام كأي إنسان آخر أن إريتريا تمد الإسلاميين في الصومال بالأسلحة، وبالطبع الخبر جاء أولا من قبل وزارة الخارجية الأميركية ومباشرة وخلال أربعة وعشرين ساعة ترجم إلى قرار لمجلس الأمن، يشير إلى تقارير تشير إلى أن إريتريا تمد الإسلاميين في الصومال بأسلحة، والغريب أن كل الفضائيات وكل الصحف تتناول هذه المسألة من دون أن تتأكد من المصدر، هل هي حقيقة أم شيء مفتعل؟.

كل هذه أكاذيب، كما أسلفت، ومن مهام المخابرات المركزية الأميركية التي لديها أجندتها الخاصة، ودوخت العالم خلال سنتين، خاصة من بعد عام 2006، لقد فوجئنا بخبر مفاده وجود ألفي مقاتل إريتري في مقديشو، وبدأنا نسأل: من أين هذه المعلومات؟.

المعلومات من مصادر أميركية، وللأسف الشديد مجلس الأمن أيضا تبنى هذه المعلومة، وفي حينها قال إنه هناك وجودا لألفي عسكري إريتري في مقديشو، ثم بعدها جاء الاجتياح الإثيوبي ودخلت قواتهم إلى مقديشو، ولم يكن هناك وجود لأي جندي إريتري في مقديشو.

فالسؤال الذي يطرح نفسه والمحير هو: لماذا تتكرر هذه المعلومات؟ وبعض الإعلاميين، خاصة، يتبناها كأنها حقيقة واقعة وتنشر، فمن الأفضل أن تتناول هذه الوسائل المعلومة من مصدرها لتتأكد وتبث الحقيقة.

في الصومال، موقف إريتريا هو موقف أدبي وسياسي قانوني، نقول لا حق لأي طرف أن يعترف بواقع الأمر في الصومال المجزأ، وليس في مصلحة أحد أن يكون الصومال مجزأ والصوماليون ممزقين، وليس لأحد مصلحة في أن تستمر مأساة الصوماليين التي تزداد كل يوم، والتدخلات الخارجية أصبحت سببا لهذه العملية. نحن ندين ونستنكر التدخلات الخارجية، بما فيها التدخلات الأميركية في هذه القضية، والأمر هو حملات مكثفة لتشويش الحقائق وتوجيه أصابع الاتهام إلى إريتريا، فليس في الأمر عجب في رأيي، والمهم أن وسائل الإعلام التي تروج وتضخم هذه المعلومات المغلوطة وتعطي انطباعا غير صحيح للمراقب، يجب أن تصحح معلوماتها من خلال هذه الوسائل الصحيحة ويجب أن تستفسر من المصدر حتى تتأكد من الحقائق.

* إذن أنت تعتقد أن الأمر هو تدخلات أميركية بواسطة المخابرات لزعزعة المنطقة؟

ـ لا.. لا.. هذه ثقافة سياسية للمخابرات المركزية الأميركية، أنا لا أتهم جزافا، السيناريو تكرر في العراق بالإيعاز بوجود أسلحة دمار شامل، وكانت عندهم مواقف ضد نظام صدام حسين، وهذا شيء آخر، لكن قولهم بوجود أسلحة دمار شامل جهارا من قبل مسؤولين كبار في الإدارة السابقة في واشنطن، أصبح أكذوبة. بالأمس، نانسي بيلوسي تحدثت عن أن المخابرات المركزية تزور حقائق وتكذب وتغش أعضاء الكونغرس. فالأكذوبة أصبحت من سمات ثقافة المخابرات المركزية الأميركية في أكثر من قضية. المخابرات أصبحت مصدرا للأكاذيب، ويتبناها الآخرون. تطلق الأكذوبة بنفسها وتصدقها وتجعل العالم يصدقها حتى تكون تمهيدا لشيء ما في جعبة المخابرات الأميركية في سيناريو متكرر. تسرب معلومة لوسائل الإعلام، وتلتقطها وتتناولها وتنشرها، والمخابرات المركزية تبني عليها، كأنها لم تصدر منها أو لم تسربها، ومن ثم تكون الكرة ماشية بهذه الطريقة.

أنا أقول إن هذه اسطوانة أصبحت مملة وأصبحت مكشوفة في العالم كله، ويجب، كما أسلفت، أن يتساءل الناس كلما تسربت معلومة، ويجب أن يتأكدوا من المصدر، ومن الهدف من تسريب معلومات بين حين وآخر عن قضايا محددة، ويجب أن يكون الوعي في اتجاه نشر المعلومة بعد التأكد من حقيقتها.

* العلاقة مع أديس آبابا يشوبها كثير من التوتر، ألا تلوح في الأفق أية مبادرة لتقريب وجهات النظر؟

ـ ليست هناك أية إمكانية لذلك، هناك أراض محتلة بعد التحكيم من قبل إثيوبيا، وإثيوبيا يجب أن تسحب جيوشها من الأراضي المحتلة، وهذا أمر غير قابل للجدل.

* يعني هذا هو مبدأكم، ألا يكون هناك حوار؟

ـ ليس هناك حوار ولن يكون هناك حوار إطلاقا..

* إذن أنتم تقولون إن الحل يبدأ بالانسحاب؟

ـ لن تحل مشكلة، ولن تكون هناك مفاوضات ولا حوار، حتى بعدما تنسحب إثيوبيا من أراضينا، لسنا مجبرين للدخول في حوار، «ندخل أي حوار؟، في أي قضية مثلا؟، ليس هناك قضية».

* هناك حديث يدور عن أن إريتريا جمعت الضدين في أراضيها، إسرائيل وإيران، ما حقيقة ذلك؟

ـ هي نفس المعلومات، اسأل المخابرات المركزية الأميركية، هم الذين نشروا هذه المعلومة، بنفس الأسلوب، هم سربوا المعلومة، وقالوا إن هذه المعلومة جاءت لهم من مصادر موثوقة. ما هذه المصادر الموثوقة!، نحن نعرفها، لكن العالم لا يعرف. هم المصادر الموثوقة، هي من عندهم. هم يرغبون في خلق ضجة في المنطقة، ضجة وحديث عن إيران، دور إيران، ونفوذ إيران في هذه المنطقة، وتغلغل إيران في هذه المنطقة، وحديث كثير في هذا الموضوع. ويستغرب الواحد، من أين جاءت إيران إلى إريتريا، تقريبا من أي بوابة؟، وفي أي قضية؟!. في نفس الوقت، سألني أحدهم بالأمس عن وجود غواصات إيرانية على الشواطئ الإريترية في البحر الأحمر. قلت له إذا كانت هناك غواصات، أين هي؟ أخبرونا حتى نعرف، هذا أمر غريب أن يدعي البعض وجود إيرانيين في ميناء عصب على البحر الأحمر، فكيف جاءوا، هل بالجو أم بطريقة الإخفاء؟. قبلها قيل عن وجود قواعد إسرائيلية، أصلا هذا البلد، من بعد الاستقلال، من المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية له عدم السماح لأي قوى عسكرية في بالوجود على التراب الإريتري، ولا وجود عسكري لأي قوى أيا كانت، ومهما كان جبروتها، ودخولنا في لعبة مثل هذه بالنسبة لنا غير مجدية وغير مقبولة استراتيجيا، حتى هذه من المسلمات للسياسة الخارجية عندنا، لا نسمح لأي بلد إقليمي أو غير إقليمي أن تكون عنده قواعد في أراضينا. الغريب أن المعلومات أشارت إلى وجود إسرائيل وإيران في البحر مع بعضهما، وهذا أمر مضحك.

إن الدوائر المعروفة تريد أن تخلق فتنة من مثل هذه المعلومات، وأنا أنصح الوسائل التي تروج لهذه العملية أن تتأكد أولا ومن ثم تنشر المعلومة.

* إذن أنت تقطع، فخامة الرئيس، بعدم وجود هذه القواعد الأجنبية في بلادكم؟

ـ لا، ولن تكون موجودة في هذه الأرض، «إذا قالوا لك في قاعدة في القمر معليش»، لكن هنا في هذا البلد، فلا يمكن أن يكون هذا الشيء إطلاقا.

* ما كنه التوتر الذي يشوب علاقتكم بجيبوتي؟

ـ ليس هناك أي توتر، التوتر الموجود خلقته الولايات المتحدة الأميركية، وإذا رغبت بالتأكد من ذلك فراجع تصريحات وزارة الخارجية الأميركية والقرارات التي خرجت من مجلس الأمن. هذه مشكلة مفتعلة في إطار سياسات إدارات أو حكومات متعاقبة في واشنطن.

* يعني، إذن، العلاقة بينكم وبين جيبوتي الآن يمكن أن نصفها بالـ«سمن على عسل».

ـ «والله ما في سمن ولا في عسل، ولا في وصفة». لأن جيبوتي أو من يريد أن يوظف جيبوتي لمشكلات، قد يكون نجح في هذه العملية. نحن نرفض هذه التدخلات في جيبوتي، وهي تحتضن قواعد فرنسية وأميركية، وهناك نشاط مكثف موجود. ونحن، لا من بعيد ولا من قريب، نعقب أو نعلق على هذا الوجود.

أي سياسة من هناك تنتقل من واشنطن، وتكون هناك مشكلة مفتعلة، كل ما يهمنا هو أن نتجنب المشاكل أو تأجيج المشاكل مع الجيران. وهذا جزء من المشكلة المفتعلة، ولا أظن أن هناك علاقات حتى نقول عسلا وسمنا.

* نأتي الآن إلى قضية دارفور، ما رأيكم في الحلول الحالية كدولة لها علاقات خاصة بالخرطوم؟

ـ في كل القضايا، لدينا مبدأ ثابت، في قضية الصومال أو في أي قضية. بمعنى أن الصوماليين أولى بحل قضيتهم، لا يمكن أن تأتي حلول من خارج الصومال من دون إشراك الصوماليين أو من دون ترك الأمور للصوماليين. بنفس القدر، المشكلة في السودان تعالج بين السودانيين، ليس هناك بديل لهذه العملية. الخطأ اللي حدث كان تدويل هذه القضية، تدويل غير مبرر، تدويل نتائجه الحالة التي نراها اليوم، كان من قبل أبوجا الناس تتنبأ بعملية التدويل، والبعض ببراءة دخل في دوامة التدويل، والبعض عن قصد دَوّل القضية. إذا كانت قضية دارفور هي قضية تهميش، تهميش فيه وصف، فيه تعريف، وتشخيص وفيه علاج. أهل السودان هم القادرون على حل هذه المشكلة مهما كانت تباينات وخلافات الآراء في منشأ المشكلة وحلها. يكون هناك وفاق سوداني ـ سوداني لحل هذه العملية مهما كانت، حتى بعد مرور زمن ومزيد من التعقيدات، لا يمكن أن يكون هناك حل في السودان إلا بالوفاق. يترك السودانيون لحالهم حتى يحلوا هذه المشكلة. وكل الدول المجاورة للسودان تساهم بشكل إيجابي لتدفئ المناخ لحل هذه المشكلة. الآن الواقع هو أن قضية دارفور أصبحت قضية ليست سودانية. قضية دارفور أصبحت قضية إقليمية، قضية دولية، قضية قانونية، خارجة عن الإطار السوداني، هل هذا سيكون مجدٍ لحل القضية؟ بالتأكيد لا. فلا بد أن ترجع الأمور إلى نصابها ويكون هناك حل سوداني ـ سوداني، التدخلات الخارجية التي رأيناها منذ أبوجا إلى هذا اليوم لن تأتي بحلول لهذه المسألة. المسألة في نظرنا هي من أبسط القضايا مهما كانت خلفيتها، مشاكل بين القبائل، أو مشكلة خلقتها الحكومة، أو مشكلة خلقتها بعض الأطراف، في داخل دارفور يمكن حلها في إطار سوداني ـ سوداني.

* صرحتم قبل أيام لوسائل الإعلام أن مشكلة السودان تكمن في أن أحد شريكي الحكم في السودان غير جاد في وضع الأمور في نصابها حتى تحل قضية دارفور أيضا، هل عنيتم ذلك؟

ـ المشكلة معقدة، والحل السوداني لا بد أن يكون حلا شاملا. حصل اتفاق نيفاشا بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، كان بالإمكان أن تكون هذه هي البداية، لكن ليس الحل الشامل للسودان. هناك قضية في الشرق، وقضية دارفور، وهناك قضايا أخرى موجودة في الشمال وفي وسط السودان، إن لم يكن هناك حل شامل لكل هذه القضايا الجزئية وتناولها، لا يمكن أن يكون هناك حل شامل للقضية كلها.

ما جرى الحديث عنه حول الحوار بين شريكي الحكم؛ حكومة الوحدة الوطنية في السودان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية هو جزء من هذا الاتفاق لن يطبق بنفس الروح، ويواجه تحديات، هذا له تأثيره المباشر وغير المباشر على ما يحدث الآن في دارفو. لأنه حسب الاتفاقية، الحكومة المركزية تتكون من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. المؤتمر الوطني والحركة الشعبية موقفهم في دارفور وموقفهم في أسلوب حل قضية دارفور متباين. كيف يمكن أو كيف يجوز أن تتعامل الحكومة المركزية مع قضية دارفور، في وقت شريكا الحكم مواقفهم متباينة في هذه العملية. هذا يزيد من التعقيد المسألة، أما التدخلات الخارجية حتى لو كانت بحسن نوايا بدون الأخذ في الاعتبار هذا الأسلوب للمعالجة، لا أظن أن تكون هناك حلول لقضية دارفور..

* يلاحظ في إريتريا تعايش سلمي غريب جدا بين مجموعة الطوائف الموجودة في إريتريا، كيف يفسر ذلك؟

ـ هذا من زمن بعيد، أنت تعرف أن المسيحية دخلت هنا في 330 ميلادية، الإسلام دخل مباشرة في نفس القرن الذي كان فيه النبي (ص) وأصحابه في الأراضي المقدسة، كيف يمكن لشعوب أن تتعايش؟، شعوب متجانسة، قد تكون هناك لغات مختلفة، قد تكون هناك قبائل ولغات، لكنها شعوب متجانسة منذ زمن، حتى قبل ظهور البلدان التي نستطيع أن نقول إنها عصرية، منذ أكثر من 1000 سنة المسلمون والمسيحيون تعايشوا في هذا البلد. يعني الحضارة هنا، هي حضارة عريقة جدا والناس ما جاءوا من الغابات ودخلوا في تناحر. ناس تعايشوا وعرفوا بعضهم، وهذا الذي يميز الواقع الذي تشاهده اليوم، كنيسة موجودة هنا، جامع موجود هناك، مسلم موجود هنا، ومسيحي موجود هناك، البعض يتكلم لغة، والآخر يتكلم لغة أخرى، نحن عندنا 9 لغات، لكن المعروف أننا من عرق واحد، من اتجاه واحد، ونحن عشنا في هذه المنطقة لقرون.

هذا الذي يميز، بجانب وعي الناس من خلال تجاربهم في فترة الكفاح والنضال، انتصروا لأنهم كانوا متوحدين، كان هناك وئام موجود، كان هناك هدف واحد رغم التباينات في التركيبة الثقافية والطائفية وغيرها من الأمور، وهذه من النعم على هذا البلد..

* تتحدث بعض الدوائر عن الصحافة الإريترية المقيدة؟ ـ ليست لدينا صحافة مضللة في هذا البلد.. ولا نعتقد أن هناك حرية مطلقة للصحافة في العالم.. الصحف العالمية الآن تعمل في ما يسمى بزمن العولمة، وهو احتكار لفئات محددة معروفة بالأسماء، بإمكانياتها وتمويلها وإدارتها. أصبحت الحرية الصحفية منعدمة، ونحن ضد هذا الواقع الموجود في العالم الذي تسيطر عليه جهات معينة، أصبحت توظف الإعلام لمصلحتها الخاصة. الأصوات الحقيقية للإعلام هي الأصوات اللي تناهض هذا الاحتكار لوسائل الإعلام، الذي أصبح يشوش ويخدم مصالح احتكارية. الإعلام أصبح محتكرا من جهة معينة لها مصالح وأطماع ولها سياسات هيمنة واستحواذ، وتوظف وسائل الإعلام، وهذا جزء من سياساتها. هل نكون جزءا من هذه العملية؟ أم نعمل حتى نسمع صوتنا العالي، ولا نسمح بأن تكمم هذه الجهات أفواهنا، ولا نسمح باتباع هذه الأجهزة العالمية، ولا نسمح لها أن تنشط من أراضينا لتشويش حقائق وخلق فتنة في هذا البلد أو منطقتنا وفي المحيط الذي نعيش فيه. هذا البلد وهذه المنطقة تحتاج إلى إعلام حر، إعلام حر ينقل المعلومة كما هي، حتى يبني الناس على الحقائق وعلى معلومات حقيقية، ثم تكون عبر تحليلات وآراء لمصلحة هذه الشعوب، هذه المنطقة تحتاج لتوحيد وخلق وئام بين شعوبها، وليس توظيف وسائل الإعلام للتفرقة ولخلق فتنة بين الشعوب والدول، هذا ليس إعلاما، بل تشويش وإعلام فتن، ولا نرحب وليست لنا مصلحة، ولا لغيرنا، في اعتماد هذه العملية، لذلك تجد أن الإعلام المزور يقول إن إريتريا ليست فيها حرية صحافة.

نحن مطمئنون ومرتاحون لهذه العملية، لأن الاتهام آت من أصحاب القهر والتزوير والاحتكاريين الذين يعتقدون أن الإعلام لهم وليس لغيرهم. نحن لنا موقف واضح في هذه العملية. الناس متابعون لما يجري في العالم، وفي المنطقة، ويميزون بين الحقائق في هذا البلد. ولدينا إعلام واع ينقل الحقائق من دون تزييف.

* بالعودة إلى الشأن السوداني، زاركم الرئيس السوداني أكثر من مرة عقب صدور مذكرة اعتقاله من محكمة الجنايات الدولية، هل كانت تلك رسالة إريترية إلى العالم، وكيف ترون قرار المحكمة نفسه؟

ـ هذا القرار سياسي، فضمن القضايا المعقدة، قضية دارفور، كان موقفنا من قبل صدور القرار هو الرفض للتدخلات اللي كانت تستهدف السودان أولا، ومن خلال السودان المنطقة، إذا كان السودان تمزق ودخل في مشكلة ودوامة وخلافات داخلية، فالشعب السوداني لن يخسر وحده، وإنما المنطقة كلها ستخسر، وهذا مرفوض تماما. عدم استقرار السودان لن يستفيد منه أحد، وانطلاقا من هذا الموضوع ومتابعة لكل الأحداث التي جرت في ما يتعلق بقضية دارفور، هذه التدخلات هي تدخلات سياسية لتمرير أجندات واضحة، وجاءت قضية ما يسمى بالمحكمة كقرار سياسي، قرار سياسي جاء من مجلس الأمن، فمن أين أتت المعلومة حتى يتخذ هذا القرار من مجلس الأمن؟ وهذا معروف أيضا. المجلس حول العملية من قرار سياسي إلى ما يسمى بمحكمة الجنايات، وفي هذه الحالة تكون كل الأمور سياسية وليست قانونية وليست لها علاقة بتجاوزات حدثت في دارفور، ولا معلومات مبنية على هيئات مختصة جمعت معلومات وبنت عليها لتوجيه الاتهام.

من هذا المنطلق، نحن نتحدث عن الأسلوب والطريقة التي تم بها توجيه الاتهام للرئيس البشير والترتيبات اللي تمت، بالنسبة لنا، الأهداف والأجندات مكشوفة ومعروفة، ورفضناها من أول يوم، واستقبال الرئيس هنا كان يعبر عن جزء من موقف الجميع في هذه المنطقة. وثبت ذلك من خلال زياراته لأكثر من دولة ومشاركته في اجتماع الجامعة العربية الذي جرى في الدوحة. هذا موقف دولي، موقف لا يقبل تدخلات سياسية تحت أي مظلة لخلق مزيد من عدم الاستقرار في السودان.

* بمناسبة اليوم الوطني الثامن عشر للاستقلال، ويبرز هنا سؤال عن كشف حساب التنمية خلال هذه الفترة، إلى أين وصلت التنمية في إريتريا؟

ـ عملنا خلال الثمانية عشر عاما الماضية بشكل جاد على إرساء البنية التحتية، وهي كانت الأولوية على الرغم من المعوقات والمشكلات الخارجية وقضايا الحدود وغيرها من الأمور.

بدأنا في تنمية وطن دمرته الحروب، وكانت المسألة تحتاج إلى اعتماد سياسات التنمية الاقتصادية، آخذين في الاعتبار الظروف اللي ورثناها من بعد الحرب، أولوياتنا كانت في البنية التحتية، حيث لا يمكن أن تكون هناك تنمية أو استثمار اقتصادي في كل القطاعات من دون أن تكون هنالك بنية تحتية؛ بنية تحتية تتمثل في الطرق، المطارات، الموانئ، الكهرباء، المياه، الاتصالات.

بعدها تحولنا إلى الاستثمار، وجذب المستثمرين في أكثر من قطاع، كالزراعة، والسياحة، والصناعة وغيرها من المجالات. والحمد لله، نستطيع القول إننا نجحنا إلى حد كبير في تنفيذ مشروعات البنية تحتية، والمهم في هذا الصدد أن كل المشروعات ـ تقريبا ـ نفذناها بقدرات محلية، عبر شركات البناء، والقدرات البشرية الوطنية، وهذا رصيد كبير بالنسبة لنا خلال الثمانية عشر عاما.

واليوم أصبح لدينا رصيد من الكفاءات، وأي مشروع يشيد بكفاءات محلية وبقدرات عالية جدا، وهذا إنجاز كبير.

بدايات الاستثمار الآن بدأت تلوح في أكثر من قطاع، في الثروة السمكية، بعد اكتمال المشروعات للبنية التحتية التي تخدم الصناعة السمكية، أما في الزراعة، فما زلنا في منتصف الطريق، لكن خلال الثمانية عشر عاما نستطيع القول إننا وضعنا بنية تحتية للانتقال من الزراعة المطرية إلى الزراعة المروية، وهذا ضمان لأمننا الغذائي.

في قطاع التعدين، بدأنا تنفيذ مشروعات، وإنشاء الله العام القادم أو بنهاية هذا العام سيبدأ التنقيب عن الذهب وبعض الموارد الأخرى. هذه هي ثمار ثمانية عشر عاما.

* هذا يقودنا أيضا إلى سؤال حول احتياطيات النفط في إريتريا، كم تبلغ، وإلى أين وصلتم؟

ـ هذا موضوع لا نود أن نتحدث عنه، حتى تكتمل كل الإجراءات ونبدأ بطريقة فعلية، لكنى أشير إلى وجود مخزون كبير، لكن لا يجوز أن نتحدث من دون أن نتأكد من كل الجوانب، تحقيقا للمصداقية.

* لكن يمكن التأكيد من قبلكم بوجود مخزون؟

ـ الحفريات مستمرة، والمخزون موجود، لكن لا تزال الأمور في بداياتها.

* تتجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو الاستثمار الزراعي خارج أراضيها لتأمين مصادر الغذاء في البلدان القريبة منها، وبلادكم بها أراض صالحة للزراعة مع توفر مصادر المياه، إلى أي مدى يمكن قيام شراكات في هذا الاتجاه؟

ـ هذا التوجه مشجع إلى حد كبير، أكبر الاستثمارات الخليجية كانت تتجه نحو استثمارات غير اقتصادية، أو لم تكن تتجه نحو الاقتصاد الحقيقي في الاستثمار، حيث كان التوجه نحو البورصات والمؤسسات المالية والاستثمارات، مما كان له تأثير كبير على المستثمر الخليجي والمستثمر في المنطقة. الآن بعد الأزمة المالية العالمية، الوعي عند المستثمر في الخليج أصبح يتجه إلى الاستثمارات الحقيقية في الاقتصاد الحقيقي، وتأمين الغذاء مسألة أساسية واستراتيجية، لا يمكن أن يوجد لها بديل. كثير من الدول، خاصة السعودية، كانت تحتكم إلى مشروعات زراعية واستثمارات ناجحة في الثروة الحيوانية، وفي إنتاج الفواكه، الخضراوات، والحبوب، لكن هذا لا يكفي.

الآن التوجه نحو المناطق القريبة من الخليج، بما فيها السودان، وإريتريا ودول أخرى في هذه المنطقة، ستستفيد من هذا التوجه، لأن الموارد موجودة، من مياه، وأرض، وحتى العمالة وتكاليف النقل والضمانات الأمنية متوفرة. وإنشاء الله، نحن في بدايات هذه العملية، حتى في إريتريا توجد بعض الاستثمارات، وبدأت في دراسات جدوى لانطلاق مشروعات كبيرة في المرتفعات وفي السهول الغربية أو في سهول السواحل الشرقية.

نحن بصدد تشييد بنية تحتية لهذه المشروعات، لتوفير المياه، وتأمين تكنولوجيا حديثة للري ومن ثم إصلاح الأراضي لأكثر من مشروع، وهناك أيضا استثمارات غير عربية في هذا الجانب، إنشاء الله، عندما تكتمل البنية التحتية، سيكون هناك استثمار كبير بحجم الفرص المتوفرة في إريتريا.

* هذا يقودنا إلى الحديث حول العلاقات مع السعودية ودول الخليج بشكل عام، ما شكل العلاقات، إذا تعدينا مجال الاقتصاد؟

ـ علاقاتنا مع دول الخليج من أطيب العلاقات. فبعد عام 1991م بدأنا العمل في البنية التحتية للبلاد، وبدأنا بتشييد مشروع قومي ضخم للكهرباء، تم تمويله من الصناديق في الخليج والسعودية، وكان تأثيره على المشروعات الأخرى كبيرا جدا، لأنه مشروع استراتيجي حيوي بالنسبة لإريتريا، وهذا كان ضمن الالتزامات والمواقف المؤازرة لإريتريا، وتستمر العلاقة طبيعية وعادية ونستطيع القول إن هناك علاقات استراتيجية مميزة. ونأمل أن تقوي فرص الاستثمار والتجارة هذه العلاقة بين إريتريا ودول الخليج والسعودية.