جدول أعمال السنة الثانية للرئيس سليمان: قانون انتخاب يعتمد النسبية وحكومة ميثاقية جامعة

لجأت إليه القيادات اللبنانية عند الاختلاف و«غابت عن السمع» عند تقاسم الجبنة

النائبان سعد الحريري ووليد جنبلاط في تجمع انتخابي لقوى «14 آذار» في المختارة أمس (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

في 25 مايو (أيار) الجاري يطفئ الرئيس اللبناني ميشال سليمان شمعته الأولى في رئاسة «بلد التناقضات». ربما لم تكن السنة الأولى كافية للحكم على عهد الرئيس سليمان الذي نجح لدى اللبنانيين في الرئاسة قبل أن يتسلمها، إذ عرفه اللبنانيون 9 سنوات قائدا للقوات المسلحة التي كانت نقطة الإجماع الوحيدة في سنوات الأزمة.

ما يعرفه موظفو القصر الجمهوري عن الرئيس سليمان عمله الدؤوب الذي يبدأ مع ساعات الصباح الأولى ويستمر حتى ما بعد منتصف الليل. ومع هذا فهو يردد أنه لا يزال لديه الكثير من الجهد ليبذله قبل إطفاء شمعته السادسة في الحكم.

في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، غادر الرئيس اللبناني السابق إميل لحود القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته دون أن يجد من يسلمه مقاليد الرئاسة ودون مراسم التسليم والتسلم المعتادة. انتهى الأمر منتصف الليل بعزف موسيقى الحرس الجمهوري مراسم وداع الرئيس، ناقصة مراسم الاستقبال للرئيس الجديد الذي لم يأتِ.

حينها اتجهت الأنظار فورا إلى العماد ميشال سليمان فالرئيس لحود أصدر مرسوما رئاسيا يقضي بتسليم الجيش مهمة حفظ الأمن في البلاد وطلب المرسوم من الجيش عرض التدابير التي سيفرضها على الحكومة الجديدة فور تشكيلها وفقا للأصول الدستورية. تصرف الجيش بقيادة سليمان، كما لو أن القرار هو «تحصيل حاصل» لم يرفضه، ولم يعلن التزامه، بل تابع الإجراءات الأمنية التي كان يقوم بها دون تغيير على رغم الإجهاد الذي حل بالجيش الذي كان خارجا من حرب مرهقة مع «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد.

بعد الفراغ الرئاسي، التقط صناع القرار رسالة الشارع اللبناني، وتحديدا المسيحي الذي كان يبحث عن رئيس قوي. وبما أن النائب ميشال عون، صاحب الشعبية المسيحية، كان يواجه «فيتو» كبيرا جدا من كامل فريق «14 آذار» وبعض دول القرار، وعدم حماسة من بعض فريق «8 آذار» اتجهت الأنظار مجددا إلى قائد الجيش الذي كان أبدى استعداده لتولي منصب «مختار»... إذا كان المنصب توافقيا.

توافق الجميع نظريا على ميشال سليمان رئيسا، لكن هذا التوافق لم يترجم في صندوق الاقتراع في مجلس النواب. العقبات كانت كثيرة، منها ما يتعلق بضرورة تعديل الدستور لانتخابه بما أنه موظف فئة أولى يحتم عليه الدستور الاستقالة قبل سنتين من موعد الانتخابات. ومنها ما يرتبط بالواقع السياسي المأزوم...

نضجت ظروف وصول سليمان إلى الرئاسة، بعدما وصل طرفا الأزمة، أي «8 آذار» و«14 آذار»، إلى الحائط المسدود. حصلت مواجهات 7 مايو (أيار) 2008. وبدا أن الوضع اللبناني على شفير الانهيار بعد سيطرة مسلحي المعارضة على بيروت الغربية. ووجد الطرفان نفسيهما أمام خيارات كبرى. ففريق الأكثرية لم يكن قادرا على تحمل انفلات الشارع، وفريق المعارضة لم يكن قادرا على تحمل تبعات ما قد يتحول إلى «انقلاب» فعلي. ذهب الطرفان إلى الدوحة، وبقي سليمان في بيروت رئيسا غير منتخب حتى عاد الجميع إليه «متوافقين»، فكان أن سقطت العقبات، وتسلم سليمان بعد ظهر الخامس والعشرين من مايو (أيار) 2008 ما هو أكبر بكثير من منصب «المختار» ضمن دفتر الشروط نفسه الذي وضعه سليمان... «التوافق»، فعُرف، ولا يزال، بالرئيس التوافقي.

تسلم سليمان الرئاسة وهاجسه الأساسي هو «الأمن». ولما كان مدركا أن «الأمن في الداخل هو انعكاس لمواقف الأطراف في الخارج»، حزم حقائبه وتنقل بين العواصم المؤثرة في «القرار اللبناني». وعاد إلى بيروت مع «شبكة أمان» تمثلت بوعود تلقاها من إيران وسورية والسعودية بدعم الاستقرار الداخلي. ولما كان الرئيس سليمان مؤمنا بأن «العلاقات المرتاحة» إقليميا تعكس نفسها إيجابا على لبنان، سعى جاهدا إلى تأمين المصالحات العربية، وتحديدا بين السعودية وسورية. وهي مصالحة كانت شغله الشاغل حتى حصولها، وله عليها بصمات واضحة.

سمح الاستقرار الأمني لسليمان بأن يتجه إلى الداخل لتثبيت دعائم الأمن بالاستقرار السياسي. ودعا إلى طاولة حوار جمعت القيادات اللبنانية، ولم يثقلها بالتوقعات، مكتفيا بما يريده منها من نتائج تحافظ على استقرار الأرض وضبط الخلاف السياسي في إطاره الطبيعي، ومنع امتداده إلى الشارع، حتى إنه أصر على عقد جلسة حوار قبيل انطلاق الانتخابات في السابع من يونيو (حزيران) المقبل لإعطاء جرعة مسكّنات للوضع الداخلي. والاستراتيجية الدفاعية، التي كانت أساس الحوار، هي بالنسبة إلى الرئيس سليمان «استراتيجية وطنية» تتضمن الدفاع والاقتصاد والدبلوماسية.

ينظر الرئيس سليمان إلى حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت في مستهل عهده على أنها «تمثل الانقسام الحاصل في الواقع السياسي». لكنه لا ينكر عليها محافظتها على الحد الأدنى المطلوب منها. أما حكومة ما بعد الانتخابات، فهو يرى أنه مهما كانت نتائج هذه الانتخابات وأينما كانت الأكثرية البرلمانية بعدها، فالمطلوب «حكومة ميثاقية تعكس روح الدستور». ولا يرى إمكانية لإقامة «اصطفاف حاد وترك شرائح أساسية خارج الحكم». وفي هذا عودة إلى ما كان يقوله لزواره خلال الأزمة عندما كانوا يسألونه عن نظرته إلى النصاب المطلوب لانتخاب الرئيس (فريق الأكثرية كان يرى إمكانية الانتخاب بالأكثرية العادية [النصف زائدا واحد] فيما تصر المعارضة على نصاب الثلثين)، إذ كان يجيبهم بأنه حتى لو تأمّن نصاب الثلثين في غياب طائفة أساسية فهو لا يراه نصابا كافيا.

مع «إشعال» شمعته الثانية في الحكم، يأمل الرئيس سليمان أن يتمكن من الانطلاق في برنامج الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، وأن تسمح الظروف الداخلية ببلورة اتجاه إصلاحي داخل المؤسسات. فبعد تأمين «شبكة الأمان» الخارجي التي ترسخت بوصول الرئيس الأميركي باراك أوباما مع سياسة الاحتواء بدلا من سياسية المواجهة التي اعتمدها سلفه جورج بوش، يرى الرئيس سليمان أن الأجواء الدولية ستساعد المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة، بعد فرز القوى السياسية، على توجيه نظرة الحكم إلى الداخل للعمل على إصلاح الإدارة والمضي في الإصلاحات وتفعيل عمل المؤسسات. ويعد بانطلاق ورشة عمل سيتصدرها قانون الانتخاب الذي سيعمل من أجل أن يبصر النور في السنة الثانية من ولايته، وليس الانتظار حتى اللحظات الأخيرة كما كان يحصل في السابق. وهذا القانون لا بد من أن يعتمد النسبية لإزالة الكثير من المشكلات القائمة في البلاد والتي يسهم النظام الأكثري في بلورتها.

أما الحكومة المقبلة، فيريدها سليمان أن «تضم كل الناس وأن تعكس روح الدستور الميثاقية ويشارك فيها الجميع»، معتبرا أنه لا بد من تمثيل حقيقي فيها، فالخاسر بنسبة 49 في المائة يحق له أن يكون ممثلا كالفائز بـ51 في المائة. ويُنقل عنه أنه «إذا فازت المعارضة ولم يشارك رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري أو النائب وليد جنبلاط، فيجب أن نسعى إلى تمثيلهما ولو بمن ينوب عنهما كي لا يؤثر عدم اشتراكهما شخصيا في الحكومة على تمثيل من يمثلهم الحريري أو جنبلاط فيها». وما يصحّ في حال فوز المعارضة، يصح أيضا إذا فازت الأكثرية، لجهة عدم غياب الأطراف الأساسية في المعارضة عن الحكم. أما «الثلث المعطل» أو «الثلث الضامن» فهو مسألة تقنية تتعلق بتركيبة الحكومة. وهذه قضية تؤثر فيها نتائج الانتخابات.

وينأى الرئيس سليمان بنفسه عن الجدل الدائر حول الانتخابات، فهو يؤكد أنه لا يتبنى أي مرشح ولا يعمل على إيصال أي مرشح إلى البرلمان. لكن بعد الانتخابات إذا ظهر بعض النواب المستقلين الذين يكسرون حدة الاصطفاف السياسي وأرادوا أن يتحولوا إلى كتلة وازنة (الرئيس لم يستعمل عبارة «الكتلة الوسطية المتداولة») تضع نفسها في تصرف الرئيس، فلن يمنع ذاك. وقد وقف الرئيس سليمان في آخر جولات الحوار ليقول للقيادات التي اجتمعت حول الطاولة: «لم أرشح ابني ولا أخي ولا أخي (الآخر) ولا صهري. لكن ألا تتركونني أحب أن يصل أحدهم إلى المجلس؟ فأنا إنسان ولدي عواطفي وميولي»، مشددا على أنه لا يتدخل ولا يسخّر الأجهزة الأمنية التي لا تتبع له عمليا.

لم تكن أيام الرئيس الـ365 في قصر بعبدا سهلة، إذ لا يكاد يمضي يوم إلا ويحتاج فيه إلى التدخل لتقريب وجهات النظر أو سحب فتيل مشكلة ما نشأت بين القوى السياسية. عمل على المصالحات الداخلية، قرّب وجهات النظر بين رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة حول الكثير من القضايا وآخرها قضية الموازنة التي احتاجت إلى «عشاء سري» انتهى إلى اتفاق بشأنها لم ينفذ بعد. ولهذا سيعمد في الجلسة المقبلة للحكومة إلى طرح مشروع الموازنة على التصويت استكمالا لما بدأه من طرح التعيينات الإدارية على التصويت لوضع الفرقاء داخل الحكومة أمام مسؤولياتهم. ويشدد سليمان على ضرورة قيام المجلس الدستوري عبر استكمال تعيين أعضائه في مجلس الوزراء بغض النظر عن الخلاف القائم بين القوى السياسية، باعتبار أن هذا المجلس حيوي لعملية الانتخابات. لكنه يرى أن عدم إجراء هذه التعيينات «ليس نهاية العالم»، جازما بأنه لن يكون هناك تعطيل، وكاشفا عن «مخرج دستوري» يسمح بتجاوز هذه المشكلة.

عمل الرئيس سليمان أيضا على الكثير من المصالحات، وسعى إلى التقريب بين القيادات المتخاصمة. وقد عمل ـ ويعمل ـ على ملف العلاقة بين الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله والنائب وليد جنبلاط، وعلى العلاقة بين نصر الله والنائب سعد الحريري، وفي وقت من الأوقات على العلاقة بين الرئيس بري والنائب جنبلاط. وهو يعتبر أن مساعيه الوفاقية «ثابت من الثوابت الأساسية» على رغم أن هذه القوى لا تلجأ إليه إلا عند حصول المشكلة و«تغيب عن السمع» عند تقاسم الجبنة. ورغم كل ما يثار إعلاميا عن هجمات يتعرض لها الرئيس، إلا أنه يرى في الكلام الحاد «عدة شغل انتخابية» جازما بأن لا سلبية حياله من أي فريق من الفرقاء ومبديا ارتياحه لتعاون الجميع معه.