نابلس.. تستعيد عافيتها كعاصمة اقتصادية بعد رفع جزئي لحصار استمر 9 أعوام

عرب الداخل وفلسطينيو الضفة يزورونها «اشتياقا».. ومن أجل التسوق

مشهد عام لمدينة نابلس («الشرق الأوسط»)
TT

لم تكن مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، تنتظر أكثر من أن يرفع الإسرائيليون جزءا من الحصار المفروض عليها حتى تبدأ باستعادة عافيتها، كعاصمة للاقتصاد الفلسطيني، بعد 9 سنوات من الحصار الشديد، الذي أدى إلى كساد كبير في المدينة، منذ بدأت الانتفاضة الثانية.

وتشهد المدينة مؤخرا حركة تجارية نشطة، بعد أن سمح أخيرا لكل الفلسطينيين من الضفة الغربية وعرب 48 بدخول المدينة. ومنذ عدة اشهر عملت السلطة الفلسطينية بقوة أكبر من أجل بسط سيطرتها الأمنية على المدينة التي كانت توصف بأنها عاصمة «جبل النار»، بسبب «مقاومتها» الشديدة للاحتلال، ونشاط المسلحين المتزايد فيها، وقد نجحت السلطة في استيعاب واعتقال مسلحي المدينة، ومن ثم في تخفيف جزء من الحصار عنها.

وحين زارت «الشرق الأوسط» «جبل النار» السبت الماضي، كان صوت الحياة فيها عاليا على دوار «الشهداء»، وسط المدينة. كانت الشرطة تنتشر في كل شارع لتنظيم حركة المرور، وتكتظ المحلات والأسواق الحديثة والقديمة، بالناس، والبعض الذي يزور المدينة حديثا، ولم يدخلها منذ سنوات، يذهب ليجرب أشهر ما فيها، الكنافة النابلسية. وبسبب هذا الاكتظاظ أصبحت بلدية المدينة تخطط لبناء أنفاق تحت الأرض للمشاة فقط.

وعلى جنبات الطرق، تتوقف حافلات من إسرائيل تقل فلسطينيي الداخل الذي جاءوا بالمئات ليتسوقوا من نابلس، وهو مشهد افتقدته المدينة عدة سنوات.

وقال سامي عمار، من باقة الغربية، لـ«الشرق الأوسط»: «اشتقنا إلى نابلس، وإلى أهل نابلس. نحن لم نأتِ هنا لنتسوق فقط، إحنا بنحنّ للأجواء العربية في نابلس». وبالمقارنة بالأسعار داخل إسرائيل، فيُضطر عمار وأصدقاؤه إلى شراء معظم ما يحتاجونه من نابلس.

وقالت الحاجة أم كمال من دير ياسين: «الأجواء هنا أجمل والناس أطيب والأسعار أرخص، من تسع سنين ما جيت على المدينة كانوا يمنعونا ونتغلب كثير»، وأضافت: «كمان إحنا هان يا ابني من أجل دعم أهلنا في الضفة الغربية، هان قرايبنا وحبايبنا». وشجعت حالة الأمن التي فرضتها السلطة عرب الداخل على زيارة المدينة، كما سحبت الذرائع الإسرائيلية بمنع مواطني إسرائيل من الذهاب إلى نابلس بدعوى أنها غير آمنة. وكانت إسرائيل منعت الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، كذلك، من الدخول إلى «جبل النار»، عقابا لسكان المدينة.

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عقدت السلطة مؤتمرا استثماريا في نابلس، من أجل جلب مشاريع للمدينة بـقيمة 700 مليون دولار، وقالت السلطة آنذاك إن الحصار والإغلاقات الإسرائيلية لا تشكل ذريعة لوقف أو تباطؤ الاستثمار في محافظات الضفة.

وجاء ذلك بالتوازي مع ضغوط مارستها اللجنة الرباعية، وحتى الولايات المتحدة، على إسرائيل لتسهيل حركة المواطنين، والبضائع في الضفة الغربية، في محاولة لتحسين الاقتصاد بموازاة تعهد السلطة بتطبيق الخطة الأمنية. وظلت السلطة تواجه أسئلة صعبة من مستثمرين عرب حول ضمانات حرية الحركة والبضائع والموردين، وجدوى الاستثمار تحت الاحتلال. وكان ممثل الرباعية الدولية توني بلير قال من نابلس إنه يجب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإزالة الحواجز الإسرائيلية، من أجل إقامة سلام حقيقي.

وقال علاء الصوالحي الذي يملك محلات كبيرة للألبسة «هذا الشهر جيد». وأوضح الصوالحي أن «الحركة التجارية بدأت تنشط بشكل كبير، بسبب فرض الأمن ورفع جزء من الحصار عن المدينة».

وأضاف «عرب 48 وأهل القرى عادوا للتسوق من نابلس؛ الحياة تغيرت». وكانت محلات الصوالحي تكتظ بالنساء، وقال: «هذا المشهد لم تكن تستطيع مشاهدته سابقا، لكن بسبب الأمن تتمكن النساء الآن من التجول والتسوق بحرية». وقال أبو نضال، وهو تاجر من نابلس، ويبيع الحلويات في شارع غرناطة: «مع رفع الحواجز يمكن أن يتحسن الاقتصاد كثيرا، يكفينا أن يستطيع أهل القرى الدخول إلى هنا». وأبدت ندوى باكير، وهي تاجرة، ارتياحا كبيرا لتحقيق الأمن، وقالت إن هذا ساعد على حرية الحركة والتجارة، «خصوصا في غياب ظاهرة دفع الخوات».

وبذلت مؤسسات القطاع الخاص مع مؤسسات في الداخل الفلسطيني جهودا من أجل إطلاق حملة لكسر الحصار على نابلس، وقال علي برهم رئيس مجلس ملتقى رجال أعمال نابلس، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الحملة نجحت، ولا شك أن نابلس بدأت تستعيد عافيتها في الشهر الأخير».

وأوضح برهم أن «هناك 3 أيام يمكن فيها لفلسطينيي الداخل أن يدخلوا نابلس بسياراتهم الخاصة، وهذا أحدث فرقا في عملية التسوق». وأدت عودة الحركة التجارية في نابلس، إلى ارتفاع إيجارات المحلات التجارية في المدينة بشكل جنوني، وقال برهم: «هذا يدل على عودة بعض أصحاب رأس المال الذين هاجروا».

لكن برهم يعتبر أن العوائق أمام عودة نابلس عاصمة للاقتصاد الفلسطيني، ما زالت قائمة دون رفع الحواجز نهائيا. وقال: «بقاء الحواجز يشكل عائقا كبيرا». وتخطط السلطة لإطلاق مهرجان تسوق ضخم في نابلس منتصف يوليو (تموز) القادم، من أجل تنشيط السياحة في المدينة وجذب سياح ومستثمرين حتى من خارج فلسطين في محاولة لكسر الحصار نهائيا.