جدل حول التعليقات الصريحة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في السياسة الخارجية

البعض يرى أن صراحتها تثمر وتستخدم أسلوب الشيوخ في إدارة دبلوماسية واشنطن

TT

عندما تحدت كوريا الشمالية الغرب بشأن برنامجها النووي، منذ أربع سنوات خلت، رأى المسؤولون الأميركيون أن المحادثات الدولية أفضل الفرص المتاحة لهم، إن لم تكن أملهم الوحيد للتعامل مع هذا النظام المارق.

ولذا أحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون، صدمة عندما صرحت مؤخرا بأن إدارة أوباما، تقر بفشل المحادثات، وأن مشاركة «كوريا الشمالية في المحادثات باتت غير محتملة إن لم تكن مستحيلة». كان ذلك أحد التصريحات القوية التي تعزز من سمعة كلينتون، بأنها وزيرة الخارجية الأميركية الأكثر صراحة في الآونة الأخيرة، حيث شبهت الصين بإيران، وذكرت في حديث آخر، أن الحكومة الباكستانية المدعومة من واشنطن تتخلى عن سلطاتها لصالح طالبان. ويشير منتقدوها، إلى أنه في السياسة يكون من الأفضل في بعض الأحيان أن تظل الحقائق محل الخلاف في طي الكتمان، لكن مؤيديها يقولون، إن صراحة كلينتون مصدر سعادة. وقال غوردون فلاك، المتابع للشأن الكوري الشمالي، ورئيس مؤسسة ماورين ومايك مانسفيلد فونداشن، ومقرها واشنطن: «إنها تصرح بأشياء ليس بمقدور أحد آخر قولها، لكن 99 في المائة من الأشخاص في واشنطن يتفقون معها».

وقد أثارت صراحة كلينتون بعض التكهنات بأنها تحاول إبراز شخصيتها ونفوذها، في إدارة تغص بشخصيات متمرسة في السياسة الخارجية من الوزن الثقيل، من بينهم وزير الدفاع روبرت غيتس، ومستشار الأمن القومي جيمس جونز، ومبعوث الإدارة للشرق الأوسط جورج ميتشل، ومبعوث الإدارة لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك، وجو بايدن نائب الرئيس.

ويقول المساعدون، إنهم يحثون كلينتون لإعادة النظر في طريقتها في عرض القضايا، لكن تلك المحاولات تجابه بالرفض. ويقال إن سلوكها يثير في بعض الأحيان القلق في مكاتب وزارة الخارجية الإقليمية، وهو ما يعد سابقة في سماع شكاوى الحكومات الأجنبية.

وربما لا تبدو تعليقات كلينتون، بالنسبة لهم مهينة أو غير حكيمة، لكن صدروها عن أكبر مسؤول دبلوماسي في الدولة هو ما أثار دهشتهم.

وخلال زيارتها للصين في شهر فبراير (شباط)، قالت كلينتون، إن قمع نظام بكين لحقوق الإنسان لن يعيق التعاون الأميركي الصيني في المجالات الأخرى. وقالت الشهر الجاري، إنها اكتشفت تدخلا صينيا في أميركا اللاتينية مثل التدخل الإيراني، وهو ما يبدو «أمرا مزعجا إلى حد ما»، على الرغم من نظر العديد من الخبراء إلى النشاطات الصينية على أنها لا تبعث على القلق.

كانت وجهة نظر كلينتون، بشأن كوريا الشمالية في أعقاب تكهناتها صرحت بها، وهو ما يعد أمرا نادر الحدوث بالنسبة لأي مسؤول حكومي رفيع، بشأن الاستقرار في قيادة الدولة وسط الشائعات من تعرض رئيسها كيم يونج إيل، لمتاعب صحية.

وقال فلاك، مشيرا إلى سلفي كلينتون السابقين: «لم تكن تلك التكهنات لتصدر عن كوندوليزا رايس، أو كولين باول، لكنها سياسة متمرسة ومعتدة بنفسها، وهي تشعر بأنها على دراية كافية لكي تتحدث بذلك».

وأشار بريان كاتوليس، المتخصص في السياسة الخارجية في مركز التقدم الأميركي، ذو النهج الليبرالي، إلى أن كلماتها القوية بشأن باكستان ربما تكون قد شكلت نوعا من المصاعب بالنسبة للحكومة الباكستانية، التي يتشكك مواطنوها في نوايا الولايات المتحدة في تعقب المقاتلين. ويقول إنه بذلك تظهر باكستان وكأنها واقعة تحت الضغوط الأميركية.

وقال معلقا على تصريحاتها: «ربما تكون تلك التصريحات قد جاوزت المدى قليلا، وأعاقت العملية الطبيعية لحكومة ترد على تهديد رأوه بأنفسهم، كان قد وصل فعلا إلى الذروة».

وقال مسؤول وزارة الخارجية، بأن استنكار كلينتون لإسلام آباد أدى إلى مزيد من التعاون من جانب باكستان، التي شنت الشهر الماضي عملية عسكرية ضد مقاتلي طالبان المحليين.

وقال المسؤول، الذي رفض الكشف عن نفسه، بسبب الحساسيات الدبلوماسية: «لم يقدموا أي شيء قبل أن تقول ذلك، لكن ما قالته حتى شمروا عن ساعد الجد وشرعوا في العمل بجدية وحققوا نجاحا كبيرا. ولذا أعتقد أنها استرعت انتباههم».

وبرغم ذلك، فقد أثارت تصريحات كلينتون بعض القلق، لدرجة أن أحد مسؤولي الإدارة الآخرين قال للصحافيين بعد ذلك: «إن كلمات كلينتون بحاجة إلى إعادة دراستها في السياق الأشمل لما قالته في اليوم التالي»، عندما خفضت من لهجتها.

وأوضح جون بولتون، المشهور بتصريحاته الحادة كسفير لإدارة بوش في الأمم المتحدة، أن تصريحات كلينتون بشأن الصين وحقوق الإنسان ربما قدمت لبكين الضوء الأخضر على إمكانية تجاهل أي ضغوط أميركية في هذه القضية.

وقال: «هناك تساؤلات حول الحكمة من التصريح بذلك على الملأ، التخلي عن القضية دون الحصول على شيء في المقابل». وأضاف، أنه من الصعب الحكم على تصريحاتها الصريحة، لأنها ربما يكون لديها أهداف دبلوماسية غير معلنة. بيد أنه أضاف أنها قد تكون غير قادرة على التمييز بين عملها كوزيرة للخارجية، ومنصبها السابق كعضو في مجلس الشيوخ، حيث يمكنك أن «تعبر عن رأيك طوال الوقت ولا توجد عواقب سياسية». وتصر كلينتون، على أن هذه الطريقة هي الوحيدة التي تساعد العمل الدبلوماسي، حيث قالت في فبراير (شباط): «ربما يكون المزيد من الصراحة ومحاولة الدخول في مفاوضات مع الدول الأخرى على أساس الحقيقة هو الأمر الصائب، ومن ثم فتلك هي الطريقة التي أرى بها الأمور، وتلك هي الطريقة التي أنوي العمل بها».

وقال المساعدون، إن هيلاري كلينتون وباراك أوباما، الذين يتحدثان أكثر من مرة في الأسبوع، يتشاركان وجهة النظر نفسها، حول العديد من مناطق السياسة الخارجية. وقال مسؤول وزارة الخارجية، إن أوباما، الذي يفضل أن يقوم كبار مساعديه بتجنب مواطن الخلاف لم يخطئ سياستها.

ولم تظهر كلينتون في البرامج الإخبارية يوم الأحد، على عكس المسؤولين الآخرين، مثل ديفيد أكسيلورد، مستشار أوباما، الذي صرح لهم مرات عديدة بالحديث عن السياسة الخارجية. والإجراء المتبع بالنسبة لهذه البرامج، هو أن يقرر البيت الأبيض الشخص الذي سيتوجه إلى القنوات كضيف.

وقال مسؤول وزارة الخارجية، إن كلينتون طلب منها الظهور، لكن جدول زياراتها الخارجية حال دون ذلك، وأشار إلى أنها شاركت في عدد من المقابلات الأخرى.

وبغض النظر عن ذلك، فقد أوضحت كلينتون رسالتها، بصورة جعلت بعض المحللين يعتقدون أن الغرض منها تعزيز نفوذها داخل الإدارة. وقال كاتوليس، من مركز التقدم الأميركي: «إن الكثير من ذلك مرتبط بحقيقة أنها شخصية حازمة، وأنها تريد تحديد منطقة نفوذها. فإذا ما أرادت أن تتمكن وزارتها من تسيير الأمور فإن عليها أن تظهر بعض الحزم». *خدمة «لوس أنجليس تايمز» – خاص بـ«الشرق الأوسط»