د. ثريا عبيد: مشكلة المجتمعات العربية عدم مواجهة مشكلاتها وتعليقها على شماعة العادات والتقاليد

المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في حوار مع «الشرق الأوسط» : خفض نسب الفقر والبطالة ووفيات المرأة قد لا يكون أمرا سهلا نظرا للمستجدات

TT

من خلال عملها لأكثر من ثلاثة عقود في الأمم المتحدة استطاعت الدكتورة ثريا أحمد عبيد، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن تكون أول سعودية وعربية تتبوأ منصبا هاما وبارزا في المنظمة الدولية، وهو المنصب الذي شغلته عبيد بكفاءة وتفان أشار إليه الأمين العام السابق كوفي أنان باعتباره السبب الذي يجعلها أقدر الأشخاص على تولي المنصب، «الشرق الأوسط» التقت عبيد أثناء وجودها مؤخرا بمدينة جدة لتكريمها ضمن اثنينية عبد المقصود خوجة، في حوار طويل وشفاف تناولت فيه وضع التنمية في المنطقة العربية، ودور المنظمة الإنساني، وقضايا مثل الهيمنة الأميركية وانتقادات الشعوب العربية لدور المنظمة في أحداث غزة وغيرها من القضايا الحساسة، وفيما يلي نص الحوار:

* البداية من مؤتمر الألفية الذي التزم فيه رؤساء الدول بإنجازات كبرى لتحقيق الرخاء للإنسانية تتضمن تخفيض نسب الفقر والبطالة والمرض والجهل وغيرها من المشكلات الكبرى بنسب تبلغ 75% بحلول عام 2015، الآن وبعد انقضاء أكثر من نصف هذه المهلة بقليل ما الذي تحقق؟

ـ لقاء عام 2000 لقيادات العالم والرؤساء والملوك كان مهما جدا، وقد اجتمع كل هؤلاء مرة أخرى في 2005 لعمل مراجعة بعد مضي 5 أعوام على صدور الوثيقة الأولى التي عبروا فيها عن موقفهم من قضايا التنمية ونظرتهم للمستقبل، وللموضوعية هم لم يحددوا هذه الأهداف لكن تحدثوا عن الفقر والمرأة وبقية الموضوعات والتزموا بتحسين رفاهية الناس وتخفيض الفقر والجوع إلى نهاية 2015 وقامت سكرتارية الأمم المتحدة باستشفاف ما ورد في البيان النهائي ووضع الأهداف الثمانية عن طريق استخلاصها من الوثيقة التي صدرت عنهم.

وهذه الأهداف هي: القضاء على الفقر المدقع والجوع. تحقيق تعميم التعليم الإبتدائي. تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. تخفيض معدل وفيات الأطفال. تحسين صحة الأم (الصحة الإنجابية). مكافحة فيروس نفص المناعة البشرية المكتسبة (الإيدز) والملاريا والأمراض الأخري. كفالة الاستدامة البيئية. إقامة شراكات عالمية من أجل تنمية الهدف الأول، وهو مشكلة الفقر والمطلوب خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار ‏واحد إلى النصف في الفترة ما بين 1990 و2015، ومن المهم أن نشير إلى أن قضية الفقرلا تعني الفقر المالي فقط ولكنها ترتبط بشكل أساسي بنوعية التعليم وتوافر الوظائف والصحة العامة وغيرها من المعطيات والمعايير الاجتماعية، أي الفقر بكل أشكاله، وفي دول كثيرة من الدول التي تسمى الأقل نموا مثل الدول الأفريقية وفي المنطقة العربية جيبوتي واليمن وغيرها، لن تحقق الهدف في 2015، كما أن الدول متوسطة الدخل مثل مصر والأردن وتونس والمغرب والجزائر وسورية، هذه الدول التي كان المأمول أن تستطيع تحقيق الهدف نعتقد بأن الأزمة المالية التي ضربت العالم مؤخرا ستصعب المهمة عليهم، إضافة إلى تحديات أخرى لبعض الدول مثل إنفلونزا الخنازير على سبيل المثال.

* ما الأهداف التي يقع تحقيقها تحت طائلة اختصاصكم في صندوق السكان؟

ـ نحن مسؤولون بشكل أساسي كصندوق الأمم المتحدة للسكان عن تخفيض معدل الوفيات النفاسية بمقدار ثلاثة أرباع في الفترة ما ‏بين 1990 و2015‏، وتعميم إتاحة خدمات الصحة الإنجابية بحلول عام 2015‏، أي تحسين صحة الأم وتمكين المرأة أن تلبي احتياجاتها الصحية بالنسبة للصحة الإنجابية، وأن تستطيع تنظيم أسرتها بمعنى أن تستطيع أن تقرر عدد الأطفال الذين تود انجابهم وتنظيم التباعد بين الولادات، وتخفيض نسبة الحمل لدى المراهقات وصغيرات السن لأننا كلما أجلنا زواج المرأة كانت صحتها ونضجها الجسدي مؤهلا للحمل والولادة وكذلك تأجيل الحمل يعطيها فرصة لأن تبقى في المدرسة وتصبح أقدر على التحكم وتوجيه حياتها وعيشها بما يضمن لها الصحة وللأسرة الرخاء والسعادة.

* ما هي العوائق التي تعترضكم في تحقيق هذه الأهداف؟

ـ من المشكلات الكبرى أنه في القرن الواحد والعشرين ما زالت المرأة تموت عندما تلد في كثير من دول العالم ولأسباب يمكن تفاديها من خلال تأمين ثلاثة إجراءات رئيسية هي توفير قابلات مرخصات قانونيا ومدربات للتعامل مع الولادة وتملك المعرفة عن مشكلات تعسر الولادة وتحول الأم إلى مركز يقدم الخدمات اللازمة، وأن يكون هناك مركز به خدمات صحية لحالات الطوارئ مثل الولادة القيصرية، أو نقل دم، أو إيقاف النزيف، وثالثا أن تستطيع المرأة تنظيم أسرتها والتباعد بين ولاداتها لأنها إذا حملت كل عام ينهك جسدها ولا يجد أطفالها الرعاية الكافية، نحن لا نتحدث عن ما كان يطلق عليه في الماضي تحديد النسل، المسألة هي تنظيم النسل والتباعد بين الولادات وهذا مقبول في الإسلام.

* قضية تنظيم الأسرة من الموضوعات الأساسية التي يتعامل معها الصندوق، إلا أن المصطلح بحد ذاته جوبه برفض وحرج من بعض المجتمعات المحافظة في فترات سابقة ولا سيما في المنطقة العربية كيف تتعاملون مع هذه المشكلة؟

ـ نتعامل مع 150 دولة بما فيها الدول الإسلامية وعندما يشرح لهم الهدف وأن ما هو مطلوب ليس التحديد ولكن التنظيم حيث ان إرضاع الطفل لعامين، كما ورد في القرآن الكريم، هو وسيلة من وسائل تنظيم الأسرة باعتباره أسلوب تنظيم طبيعي. مصر على سبيل المثال كانت من الدول التي كانت وفيات الأمهات عالية لكنهم نفذوا حملة وبرنامج عمل مركزا لتحسين الصحة الإنجابية للمرأة وعلى مدى سنوات قامت من خلالها بتحسين خدمات وزارة الصحة ومراكزها بحيث تستطيع التعامل مع حالات الولادة المتعسرة وتدريب القابلات وتوسيع خدمات تنظيم الأسرة واستطاعوا خفض العدد بشكل كبير الا ان مصر ما زالت في حاجة لمجهود أكبر اذا ارادت ان تحقق الهدف الخامس حول صحة الأم. وتعتبر مصر والأردن وسورية والمغرب من الدول متوسطة الدخل ويمكنها ان تحقق الهدف بحلول 2015 اذا زادت من مجهودها في هذا المجال. في المنطقة العربية تونس ودول الخليج كلها حققت الهدف، لأن الوعي الطبي والخدمات الطبية متوفرة لكن الدول الأقل نموا والأكثر فقرا مثل الصومال وجيبوتي وموريتانيا ما زال من الصعب أن تحقق هذا الهدف بحلول 2015م رغم أننا نعمل مع الحكومات للتحرك بهذا الاتجاه.

* بالإضافة إلى صحة المرأة الإنجابية وتنظيم الأسرة ما هي البرامج التي ينفذها صندوق الأمم المتحدة للسكان؟

ـ البرامج لا نضعها نحن، ولكنها توضع من قبل الدولة نفسها تحدد احتياجاتها ضمن خطتها الوطنية العامة وخططها القطاعية لقطاعات الصحة والتعليم وغيره، مجلس الإدارة لدينا مكون من 33 دولة يقرر نسبة معينة من الموارد للدول حسب تصنيف هذه الدول المبني على مؤشرات محددة. وضمن هذه الموارد نجتمع بالحكومات وكل دولة لديها ترتيباتها مثلا من خلال وزارات التخطيط أو الوزارة المسؤولة عن التعاون الفني أو وزارة الخارجية والوزارة القطاعية وبحسب أولوياتهم نضع البرامج، كل الدول لديها برامج عن تحسين صحة الأم، وهناك أيضا جميع القضايا المرتبطة بالتعداد السكاني، ودعم الكوادر في المؤسسات المختلفة، لجمع المعلومات وتحليلها، وهناك دول لديها خبرات ونقدم لها دعما فنيا أكثر من المادي وفي دول مثل سورية ومصر والأردن نعتمد على الكوادر الأهلية الموجودة في البلد لأن لديهم كوادر مدربة، أما في بلدان مثل موريتانيا وجيبوتي فلا بد أن نعمل مع كل كادر موجود في مؤسسة الإحصاء مثلا، بدءا بالدورات التدريبية وتأمين المعدات الخاصة مثل الآلة الحاسبة (الكومبيوتر) وحتى وجود فريق خاص من الأمم المتحدة للمساهمة في مراحل التعداد.

* هناك حساسية لدى بعض المجتمعات العربية في تقديم أرقام صحيحة عن مشكلات صحية أو اجتماعية تجابه بالرفض والإنكار اجتماعيا مثل الكشف عن أعداد المصابين بالإيدز على سبيل المثال، كيف يؤثر ذلك على برامجكم في هذا السياق وكيف تتعاملون معه؟

ـ مرة أخرى أكرر بأن حدود دورنا بالضبط أمر مرهون برغبة كل دولة وتخطيطها الخاص لبرامجها، مسؤولية الصندوق بالنسبة لمرض الإيدز هو العمل مع الجهات الحكومية المختصة والمنظمات الأهلية في برامج التوعية بشأن الإيدز على سبيل المثال. وتعتبر منظمة الصحة العالمية هي المرجع العلمي لكل وزارات الصحة وهي التي تحصل على المعلومات ولكن أحيانا لا تستطيع نشر المعلومات حسب ما يتفق عليه بينها وبين الدول المعنية ومنظمة الصحة العالمية بالمناسبة هي أكثر من يستطيع وضع تقديرات دقيقة عن المصابين في كل دول العالم، ونحن نحصل على المعلومات بالتنسيق معهم. وجزء كبير من عملنا هو التعامل مع الشبان وتوجيههم لاتباع السلوك الصحيح. الإيدز خطر كبير لا يمكن غض النظر عنه، والمشكلة التي تواجهنا في المجتمعات العربية هي أننا كعرب لا نواجه مشكلاتنا بصراحة وشفافية، ونسقطها دائما على عاتق العادات والتقاليد والممنوع، مع أن الله يقول في كتابه الكريم «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

في معالجتنا لقضية الإيدز نركز على التوعية بالسلوكيات الصحيحة بمعنى تأخير أي علاقات جنسية قدر الإمكان إلى حين الزواج وسن النضج أو استعمال وسائل واقية حيث تدل المعلومات ان اصابة النساء المتزوجات من خلال ازواجهن متزايدة، ونعطي معلومات كاملة ووافية عن كيفية انتقال الإيدز وطرق الإصابة به، ونحن نرد على المجتمعات أو الفئات التي تقول ان نشر الوعي يحرض الشباب على العلاقات المحرمة والانحراف، بينما قيمنا تقول ان العلم نور وأن الإنسان مخير بين الشر والخير والمعرفة تمكنه من اتخاذ قرارته مبنية على المعلومات العلمية الصحيحة.

* تخليتم عن المركزية وقمتم مؤخرا بالبدء بنقل المكاتب الإقليمية لصندوق السكان من نيويورك إلى المناطق التي تعمل فيها هذه المكاتب، ما الهدف من هذه الخطوة وإلى أين وصلتم فيها؟

ـ ما أشرتي إليه هو مبادرة قدمتها للمجلس الإداري منذ ثلاث سنوات، لدينا ممثلون في 150 دولة لكن المكاتب الإقليمية كانت موجودة جميعها في نيويورك وقدمت مقترحا وتمت الموافقة عليه وقد قمنا بنقل ثلاثة مكاتب حتى الآن هي مكتب آسيا والمحيط الهادي، ومكتب أميركا اللاتينية والكاريبي، ومكتب أفريقيا وبانقضاء هذا العام سنكون قد نقلنا مكتب المنطقة العربية إلى القاهرة، ومكتب أوروبا الشرقية آسيا الوسطي، وهناك أسباب عديدة لهذا القرار منها طلب الدول الأعضاء في الجمعية العامة ان تكون المؤسسات قريبة من الدول التي تخدمها وكذلك قرب المديرين الإقليميين من ممثلي الصندوق في الدول وتخطي فارق الزمن بين نيويورك ومناطق العالم المختلفة، والتخفيف من مصروفات السفر، وتخفيف العبء الصحي على الموظفين أنفسهم، إلى جانب ارتباط المكتب الإقليمي أكثر بالدول التي يتعاون معها وسرعة التجاوب معها وتقوية الثقة المتبادلة التي تسهل عمل هذه المكاتب في مجتمعات الدول التي توجد بها.

* هناك الكثير من الاتهامات بنفوذ كبير للولايات المتحدة في المنظمة، وتأثيرها بشكل مباشر على برامج الصناديق المختلفة للمنظمة، ما الذي لديك لتقوليه بهذا الخصوص؟

ـ الولايات المتحدة لديها حق الفيتو بمجلس الأمن كواحدة من الخمس دول ذات عضوية دائمة فقوتها الحقيقية موجودة في مجلس الأمن، والقرارات تؤخذ في مجلس الأمن في قضايا مثل حرب الخليج الأولي على العراق وغيرها من القرارت السياسية، ونحن، كموظفين دوليين، لسنا طرفا في هذا والأمين العام يطلب منه تنفيذ هذه القرارات. فالأمر اذن يعتمد على قدرة الدول ان تتفاوض والتأثير على نتيجة التصويت على القرارات وهذه عملية سياسية معقدة تدخل فيها مصالح الدول، ليس فقط الدول دائمة العضوية بل ايضا الدول الأعضاء في المجلس الذين يتناوبون سنويا على المقاعد أو الدول التى لها علاقة بالقضية المطروحة. والأمين العام في نهاية الأمر هو موظف لدى الدول جميعا بما فيها مجلس الأمن وبعد اتخاذهم للقرار تقتضي مهمته التنفيذ. وعندما نقول إن الولايات المتحدة تسيطر على الأمم المتحدة وتتحكم في برامجها الإنمائية والإنسانية فهذا غير صحيح تماما، أميركا تهيمن على مجلس الأمن ضمن اللعبة السياسية الموجودة. ونحن كصندوق لسنا مرتبطين بمجلس الأمن وكذلك اليونسيف وصندوق الأمم المتحدة الأنمائي، كلنا صناديق طوعية تقوم بمساندة الدول في برامج اجتماعية واقتصادية دورها انمائي وكذلك المساعدة في الإغاثة خلال الحروب وبعدها. اعطيك مثلا فقد اوقف رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق، جورج بوش، مساهمة أميركا الطوعية في صندوق السكان لمدة سبع سنوات من 2002 إلى 2008، ولكن البرامج استمرت من خلال زيادة الدعم المقدم من الدول الصناعية الأخرى وكذلك من الدول النامية. وعندما استلمت الصندوق في عام 2001 كان عدد الدول المتبرعة 92، والآن عدد المتبرعين قد ازداد إلى 180، ويأخذ الصندوق المقدمة بين المنظمات المعتمدة على الدعم الطوعي. وهذا يدل على ثقة الدول في برامج الصندوق وحسن تعامله مع الدول.

* هل تواجهكم مشكلات على أرض الواقع في إنجاز برامجكم التنموية جراء السمعة المنتشرة بأنكم أداة خاضعة للهيمنة الأميركية؟

ـ تواجهنا مشكلة في بعض الدول فقد تذكر بعض الدول ذلك ضمن خطابها السياسي وهي عادة تقصد القرارات السياسية التى يتخذها مجلس الأمن، لكن في التعامل اليومي وفي وضع وتنفيذ البرامج التنموية أو برامج الإغاثة الإنسانية لا نواجه بذلك أبدا، خاصة من خلال تعاوننا مع وزارات الصحة والتعليم والشباب والتخطيط ومؤسسات الإحصاء. لا نشعر أننا دخلاء بالطريقة حسبما يرد في الخطاب السياسي لبعض القيادات وهما أمران غير مرتبطين، اي ما يحدث على أرض الواقع مع التعاون الكامل مع الدولة يختلف عنما يمكن ان تتحدث به نفس الدولة عن قضية سياسية محددة. القضية الشائكة هي رفض بعض الدول ان نقوم بتوجيه الأنظار إلى قضايا تخص حقوق الإنسان ليس في الأمور السياسية بل ايضا في الأمور التي تخص حق المواطن في خدمات صحية أو تعليمية أو مشاركة في المؤسسات الأهلية أو وضع المرأة مثلا، ويعتبرون ذلك تحريضا من الغرب.

* إذن تؤكدين أن لا مشكلة أو تمييزا في حصول أي دولة من الدول الأقل نموا على التمويل والدعم من خلال صناديق الأمم المتحدة؟

ـ قدرة الدول الكبرى المالية في العطاء للمؤسسات الإنسانية تؤثر كثيرا في هذا السياق وطبعا توجد دول مستفيدة ذات اولوية في التمويل من بنود ميزانيات متخصصة خارج المزانية الاعتيادية للصندوق، مثلا الدول الأكثر فقرا، لكن أيضا لم يحدث أن دولا كبرى استثنت دولة أخرى من أي مشاريع تنموية وإنسانية تمول من الميزانية العامة. الدول المستفيدة تختار ما تريد من المشاريع، ونحن نقدم الدعم ضمن بندي الميزانية العامة للصندوق التي نفضلها لأنها تمنحنا نحن وتمنح الدول المستفيدة المرونة وحرية الحركة، وهناك الميزانية غير الاعتيادية (او ميزانية مخصصة لقضية تنموية محددة مثل الإيدز أو صحة الأم أو المسوحات السكانية) وتكون موجهة لمشاريع معينة. هناك الآن توجه واضح وقوي من الدول المستفيدة وكذلك معظم الدول المانحة نحو صندوق ائتماني متخصص مثل صحة الأم وغيرها، وهذه الصناديق تقدم دعما إضافيا إلى جانب الدعم الاعتيادي. وللدول المانحة طرق أخرى لتقديم الدعم المشروط وواحدة منها من خلال العلاقة الثنائية بين الدولتين ونحن لسنا طرفا في هذه المفاوضات الثنائية.

* وكيف تضمنون أن البرامج التي تحتاج إليها الدول الأقل نموا والأكثر فقرا تجد الدعم والتمويل ضمن هذه السياسة؟

ـ ندافع عن هذه البرامج وأحيانا يحضرون إلى نيويورك لعرض برامجهم والدفاع عنها ويحصلون على الدعم بالتالي، وعندما تكون هناك احتياجات خاصة نساعد الدول في البحث عن موارد اضافية خارج الميزانية الاعتيادية لسد احتياجاتها وتنفيذ البرامج التي تفتقر إليها، وهناك دول ليست لديها القدرة على أن تستقطب الدعم، فنساعدهم في صياغة المشروع المقترح لتتمكن الدول من عرضه على الصناديق المختلفة، وفعلا قدمنا الدعم الفني لبعض الدول لتقدم مشاريعها إلى مؤسسات مختلفة منها البنوك الإنمائية مثل الصندوق السعودي للتنمية، أو برنامج الخليج لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية وبنك التنمية الإسلامي، مثلا ساعدنا بنغلاديش في الربط بينها وبين البنك الإسلامي لمشروع كبير حول صحة الأم. ولكن في نهاية الأمر يعتمد على العلاقة بين الدولة المانحة والدولة المستفيدة ومصداقية الأخيرة حول التنفيذ. إجمالا الدول الأقل نموا تحصل على 65 في المائة من ميزانية صندوق السكان، في حين أن الدول ذات الدخل العالي مثل المملكة ودول الخليج في منطقتنا تقوم بدفع التكاليف وينحصر الدعم في الدعم المعلوماتي والتقني والخبرات التي نقدمها.

* ماهو موقع الدول العربية من تقسيمات صناديق الأمم المتحدة؟

ـ لدينا تصنيفات هي الفئة (أ) وهي فئة الدول الأكثر فقرا، والفئة (ب) وهي في المتوسط لكنها تحصل على موارد مالية أقل وخبرات تقنية وفنية أكثر. من الفئة (أ) في الدول العربية اليمن وجيبوتي وموريتانيا، وبقية الدول العربية تقع في الفئة (ب) باستثناء دول الخليج التي تعتبر من الدول عالية الدخل، وهي التي لديها موارد كبرى والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وتنحصر احتياجاتهم على تقديم المشورة والخبرات الفنية من قبلنا، قطر مثلا نعمل معهم حاليا على إعداد سياسة سكانية، قدمنا لهم خبراء في الديموغرافيا.

* ما هي مشاريعكم التي تنفذونها مع الحكومة العراقية، وفي أي الفئات يصنف العراق بعد الحرب؟

ـ في المنطقة العربية العراق تقع ضمن الفئة (ب) لكن الوضع فيها خاص حاليا. ننفذ معهم مشروعا حاليا لإجراء مسح سكاني وتعداد للسكان. بعد انتهاء الحرب الأخيرة على العراق، قمنا بالتعاون من دول ممولة على اعادة بناء اقسام صحة في مستشفيات المحافظات وتدريب الكوادرعلى الجديد في ميدان عملهم، ومؤخرا تلقينا من الحكومة طلبا لوضع برامج خاصة بالحد من العنف ضد المرأة تحديدا ونحن نضع معهم حاليا برامج بمحتويات مختلفة تتعلق بمراجعة القوانين الرادعة التي لا تسمح بممارسة العنف ضد المرأة، وبرامج تأهيل المعنف وتوجيهه واعادة التوازن النفسى للمرأة ضحية العنف ولأسرتها، وبرامج توعية وتدريب العاملين في القطاعات الصحية والاجتماعية ليتمكنوا من مساعدة المرأة المعنفة والتعامل معها باحترام، كما نعمل مع القضاة، والقطاعات الأمنية وغيرها. ونقوم الآن بالتعاون مع وزارة التخطيط في اعادة تأهيل العاملين في جهاز الإحصاء وتقديم المعدات الجديدة الخاصة بتسجيل البيانات والتعامل معها آليا لتتمكن الوزارة من تنفيذ التعداد السكاني في السنة القادمة.

* شاركتي في مهمة خاصة في أفغانستان قبيل الحرب بتكليف مباشر من الأمين العام السابق، ما هي انطباعاتك عن هذه المهمة؟

ـ كنت في أفغانستان في فترة حكومة طالبان مرتين، الأولي تقييم الوضع الإنساني القائم في ذلك الوقت ووضع استراتيجيات لتقديم الدعم للشعب الأفغاني ضمن ظروفه الحياتيه في تلك الفترة. أما المهمة الثانية في نفس السنة فمحاولة للإطلاع على وضع المرأة ومن ثم الحوار مع حركة طالبان عن ما يمكن ان تقدمه الأمم المتحدة لتخفيف وطأة الحياة الصعبة والنهوض بوضع المرأة. وكانت الزيارة في 97م وعدت إلى أفغانستان منذ نحو العام والنصف واستطعت من خلال زيارتي الأخيرة ان أرى بعض التحسن في الأوضاع الصحية للمرأة الأفغانية في العاصمة وإن كان ليس فقط وضع المرأة بل حالة البلد كلها لا تزال حرجة وتحتاج إلى الكثير من العمل الدؤوب في ظروف أكثر أمنا.

* في العالم العربي والإسلامي هناك دائما ملاحظات على أداء منظمة الأمم المتحدة وانتقاد كبير لدورها وبشكل خاص دورها أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، كيف تردين على هذه الانتقادات؟

ـ الكثير من الدول العربية والإسلامية ودول صديقة في العالم الثالث استنكرت ما حدث في غزة لكن بعض الدول الأوروبية لم تستنكر ما حصل، ورأينا موقف الدول الاعضاء في مجلس الأمن، وهذا يعيدنا إلى ما سبق أن أشرت إليه وهو أن بعض الدول الكبرى التي تدعم إسرائيل تهيمن على القرار السياسي في مجلس الأمن تخرب بقراراتها الحكومية مجتمعات وتتسبب في قتل الأبرياء، ونحن كأمم متحدة معنيون بتقديم المعونة الإنسانية ندخل للملمة المآسي مع الشعوب المنكوبة. وأشير إلى أننا في مثل هذه الأحداث نكون موجودين مع المدنيين تحت القصف والنيران والظروف الصعبة. نحن في آخر الأمر مؤسسات اجتماعية إنسانية ولسنا مؤسسة حربية لديها نفوذ سياسي، ونحن كموظفين في الأمم المتحدة وحتى الأمين العام لا يستطيع أن يغير من مجرى الأمور لأن الدول هي التي تتخذ القرارات من خلال مجلس الأمن كما أسلفت. وبالتالي فإنه لا بد للدول العربية أن يكون لها موقع وقوة حتى يكون لنا كلمة مسموعة كالآخرين.

* باعتبارك أول سعودية في منظمة الأمم المتحدة، وواحدة من ضمن العرب الذين تقلدوا مناصب رفيعة في المنظمة، كيف تقيمين وجود السعوديات والعربيات داخل المنظمة؟ ـ في المنظمة ما يسمى بالسكرتارية العامة وهناك مقاعد مخصصة لكل دولة والمملكة لها 14 كرسيا وأنا لست ضمن هذه التوزيعات حاليا، فأنا لا أعمل ضمن الكادر الأساسي للأمانة العامة بل في صندوق متخصص. أتذكر انه من فترة السعودية ممثلة من خلال حصتها بـ12 سيدة ورجلا واحدا فقط ولكن لا أدري ما هو الوضع الآن. عموما وجود السعوديات في السكرتارية أكثر من الرجال، أما في الصناديق المتخصصة ليس هناك وجود كبير، اتذكر في اليونسكو سيدة سعودية، وواحدة أو اثنتين في حقوق الإنسان، وكذلك في منظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية. وتعتبر الأمم المتحدة منفذا للمرأة السعودية التى تبحث عن عمل دولي، أما بالنسبة للرجل السعودي أو الخليجي فالدخل والمخصصات أقل مما يمكن أن يحصل عليه لو عمل في قطاع الأعمال، أيضا نحن النساء يمكن أن نكون موجهات أكثر للعمل الاجتماعي والإنساني، فالوجود الخليجي وإن كان قليلا لكنه بالنظر إلى عدد السكان والتركيبة الأسرية الخليجية يعتبر جيدا بعض الشيء، وهناك مجال كبير لتحسين هذا الوضع.

* من وحي تجربتك الإنمائية كيف تقيمين برامج السعودية في التطوير الاجتماعي وما الذي تفتقر إليه؟

ـ السعودية لديها كوادر نسائية ورجالية مؤهلة جدا وكثير من القائمين على المبادرات والبرامج الاجتماعية من أفضل الخبراء والكفاءات. اما بالنسبة للتعاون مع الصندوق، لم يطلب منا المشاركة في أي من البرامج. لكن أستطيع القول بأن كل قطاعات الخدمة الاجتماعية موجودة في المملكة، ولكنها تحتاج إلى دعم أكثر وشعور بأهمية هذا القطاع من قبل الناس ومشاركتهم بشكل أكبر وأوسع، وأتحدث هنا عن جميع شرائح المجتمع وليس فقط الفئة الغنية. محتوى التعليم أيضا يحتاج إلى مراجعة ليصبح الشباب والشابات أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل وأكثر كفاءة في إحداث التطور الاجتماعي والإنساني المطلوب، ولكنني متأكدة من أن المملكة قادرة على القيام بهذا التطوير، وإن كان سيتطلب وقتا. وهناك تنسيق بين بعض الوزارات السعودية المعنية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على صعد مختلفة ولكن بالنسبة لنا في صندوق الأمم المتحدة للسكان التعاون لا يزال محدودا ونتمنى أن يتطور مع الوقت.

* الكلمة الأخيرة التي تودين توجيهها إلى الدول العربية شعوبا وقيادات بشأن وجودهم وتمثيلهم وتعاونهم مع منظمة الأمم المتحدة؟

ـ كلمتي الأخيرة هي أن الأمم المتحدة من الناحية السياسية هي نتاج المفاوضات والعلاقات السياسية بين الدول سواء كانت كبرى أم صغرى، وهذا يتطلب ما أسميه بـ«الشطارة» الخاصة من الدول العربية ليكون لها موقع يمكنها من أن تؤثر على مجريات الأمور وهو ليس بالضرورة الواقع الحالي. أما من النواحي الاجتماعية والتربوية فيمكنني القول بكل صراحة وثقة بأننا في الأمم المتحدة نخدم إنسانيا في مواقع كثيرة ونخدم الفئات الأقل حظا في المجتمعات، والدول الأقل حظا في العالم. وأشير إلى نقطة هامة وهي أن وجود دولنا من خلال مساهمتها المالية في الصناديق وخاصة دول الخليج ضعيف جدا. ونحن عندما نقول بأن بعض الدول الغنية الأخرى تؤثر كثيرا فذلك يعود إلى أن دعمها المالي كبير، بعكسنا وقد تكون العلاقات الثنائية قوية جدا وعلى أساسها تدعم الدول الخليجية دولا أخرى بمبالغ هائلة لكن وجودها ضمن الصناديق ضعيف جدا. فلماذا لا يتم ذلك ضمن صناديق الأمم المتحدة لأن هذا يقوي مواقعها ضمن المنظمة العالمية، وما زلت أتمنى أن يكون دعم دول الخليج أكبر ضمن صناديق الأمم المتحدة.