الجيش الأميركي يستعد للانسحاب من المدن العراقية والجماعات المسلحة تبدأ العد التنازلي للقتال

مسلحون سنة يحذرون من استئناف أنشطتهم إذا لم ينضموا للعملية السياسية

TT

قال القائد، وهو رجل بدين يرتدي خواتم ذهبية ورداء أصفر اللون، واشترط عدم ذكر اسمه: «إذا أخبرنا الأميركيون أنهم عاجزون عن دعمنا... ففي غضون ست ساعات سنجمع صفوف مجموعاتنا للقتال ضد الحكومة الفاسدة. ستندلع حرب في بغداد». وينتمي القائد، وزعيم متمرد آخر، أجرينا معهما مقابلة من أجل كتابة هذا المقال، إلى العالم الخفي الخاص برجال العشائر من السنة والضباط العسكريين السابقين الذين تخلوا عن أسلحتهم وساعدوا على تحقيق سلام نسبي في العراق على مدار العامين الماضيين، بناءً على قرارهم بمحاولة محاربة الأحزاب الدينية الشيعية المسيطرة على الحكومة عبر القنوات السياسية ـ ومع ذلك، فإنهم لم يتخلوا بصورة قاطعة قط عن حركة التمرد.

والآن، تقترب الجماعات المتمردة التي تمر بحالة من السبات، ولا يزال مقاتلوها وأسلحتها وشبكاتها لم يمسسهم أذى، من اللحظة التي سيتعين عندها إظهار خيارها الحقيقي. حال إخفاق جهودها للانضمام إلى التيار الرئيس من الحياة السياسية، يبدو حينئذ أن معاودة حملهم السلاح سيصبح أمراً محتوماً، إما بعد إجراء انتخابات وطنية مطلع العام المقبل أو قبل ذلك. ومع استعداد القوات الأميركية للانسحاب من المدن العراقية الشهر المقبل، لا ترى الجماعات المتمردة أي مؤشر على حدوث تقدم على صعيد تلبية مطالبها التي تقدمت بها إلى الأميركيين بضمان انضمامهم إلى النظام السياسي وحمايتهم من الأحزاب التي تتقلد زمام السلطة. وفي الوقت الذي انتظر المتمردون واكتفوا بمراقبة التطورات، شاهدوا استمرار الحكومة في سجن مقاتليهم، رغم قرارهم بوقف إطلاق النار. وبالمثل، عاينوا عجز القوات الأميركية عن، أو عدم رغبتها ، بوقف الحملة الصارمة ضد قادة حركة «الصحوة»، وهم إخوانهم السنة الذين تخلوا عن حركة التمرد مقابل الدخول في شراكات رسمية مع الأميركيين. في نهاية الأمر، ربما يتضح أن مشاعر انعدام الثقة بين الشيعة والسنة هائلة بدرجة يتعذر التغلب عليها. من جهتها، تنظر الحكومة العراقية إلى الجماعات المسلحة باعتبارها حصان طروادة الذي يستغله حزب «البعث» الخاص بصدام حسين للعودة إلى السلطة، وتبدي عزمها الشديد على التصدي لمحاولة تنفيذ عملية انقلاب من داخل صفوف حكومة بغداد. على الجانب الآخر، يعتبر المتمردون الحكومة جهة تعمل بالوكالة عن إيران المجاورة التي يتزعمها الشيعة. من ناحيته، قال مسؤول عسكري أميركي، اشترط عدم الإفصاح عن هويته، إن أفراد المؤسسة العسكرية الأميركية والعاملين بالسفارة الأميركية ينتابهم شعور بخيبة الأمل إزاء عجزهم عن تحقيق مصالحة بين الحكومة والجماعات المسلحة. ويساورهم القلق حيال أن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت قبل أن يجدد المتمردون ثورتهم.

جدير بالذكر أن الاتصالات بين الجماعات المسلحة والأميركيين دارت حول مطالب قادة المتمردين للحصول على ضمانات تكفل لهم الحماية من التعرض لإلقاء القبض عليهم ومضايقات على يد الحكومة العراقية، وإعادة الضباط العسكريين إلى مناصبهم القديمة ومساعدتهم على الاندماج في الحياة السياسية. أما الأميركيون، فلم يقدموا أي إجابات حاسمة بعد. على الجانب الآخر، تحدث القائد السني، الذي يعمل تحت إمرته ما يصل إلى 12.000 مقاتل، بصراحة فجة عما سيحدث حال عجز الأميركيين عن الوفاء بوعودهم. وقال القائد، وهو جنرال سابق بالاستخبارات العسكرية قاد مجموعة من المقاتلين داخل محافظة صلاح الدين في أعقاب الغزو الذي قادته واشنطن للعراق عام 2003: «خيارنا الأخير العودة إلى المقاومة والقتال. لقد قدمنا وعودا إلى قوات التحالف، لكن هذا خيارنا الأخير». وأكد القائد أن كافة الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة مع انسحاب القوات الأميركية، موضحاً أن مشاركة المؤسسة العسكرية الأميركية هي ما يدفع جماعته للأمل في التوصل إلى تسوية سلمية، إلا أن هذا الوضع قد يتبدل سريعاً. وقال:«إذا ما غادر الأميركيون بغداد في غضون 24 ساعة، فإن الشارع ينتمي إلى المقاومة والشعب. إن الناس تغلي غضباً. إنهم يدركون الآن أن الحكومة تمثل إيران». وقال القائد المتمرد، الذي يتولى زعامة مجموعة تدعى «جيش التحرير العراقي»، بشأن قرار وقف الحرب ضد الأميركيين في نهاية عام 2007، يذكر أن هذا القائد أدار أسلحته بالفعل باتجاه جماعة «القاعدة» في العراق هذا العام، وبعد إصابته أثناء إحدى المعارك، التقطه جنود أميركيون وعالجوه داخل إحدى قواعدهم العسكرية، ولم يدركوا حينها أنه أحد المسجلين بقائمة المطلوبين لديهم، وفي أعقاب إطلاق سراحه بفترة قصيرة، بدأت محادثات بين جماعته والأميركيين وتم التوصل إلى اتفاق هدنة. قال القائد: «نص اتفاقنا على أن نصبح أصدقاء، وليس أعداء. أعتقد إذا ما تعاونا مع هؤلاء الأفراد، سيكون الحال أفضل من التعاون مع الأحزاب الدينية. إنهم بشر حقيقيون. ونحن نثق بهم. وقد أصدرنا أوامرنا بوقف أعمال العنف ضد القوات الأميركية. وبدأنا التفاوض معهم». ومع ذلك، يشكو القائد من أنه في الوقت الذي بزغ تحالفه مع الأميركيين، بدأت الأحزاب الدينية الشيعية داخل الحكومة في محاولة إلقاء القبض عليه. وأشار القائد إلى رجل يجلس إلى جواره باعتباره همزة الوصل بينه وبين المؤسسة العسكرية الأميركية. يدعى الرجل أبو فاطمة، وينتمي إلى جماعة مسلحة تعمل في الشمال، وتضم ما بين 2.000 و5.000 مقاتل. وقال أبو فاطمة إنه ساعد في إقناع الجماعات المسلحة بتنحية أسلحتها جانباً في أواخر عام 2007 ومطلع عام 2008، وشكل اتحاداً سياسياً يحظى بتأييد «جيش التحرير العراقي» وعدد من الجماعات الأخرى. إلا أنه استطرد موضحاً أن اتفاق الهدنة وتكوين الجماعة حزبا خاصا بها لم يخلف سوى قدر ضئيل من الفوائد الملموسة. وخلال حديثه، أشار أبو فاطمة إلى «خيانة الصحوة» والمحادثات التي كشفت حذر بعض قادة المقاومة حيال الانضمام إلى الهدنة وتأييد الانتخابات. وفي هذا الصدد، قال: «في الواقع، بعض الجماعات التقت بنا وتناولنا فكرة دخولها تحت لوائنا ووقف القتال. وسألونا: ما الذي فعله الأميركيون من أجلكم؟ وبات هذا السؤال أكثر التساؤلات إثارة للشعور بالحرج بالنسبة لي». وأضاف: «باستطاعتي الالتفاف حول الأسئلة المتعلقة بالسياسة والدين فيما عدا هذا السؤال، حيث يتملكني الارتباك وأشعر بالحرج. ولا أملك إجابة». واعترف قائلاً: أقول لهم «لا تتخلوا عن أسلحتكم»، لأنني إذا قلت خلاف ذلك لن أكون أميناً معهم. لقد أخبرت الأميركيين أنه: «إذا ما مضيتم قدماً في إثارة سخط الناس، سيقاتلكم العراقيون كافة، حتى الحكومة». * خدمة لوس أنجليس تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»