معتقل سابق بغوانتانامو يتحدث عن محاولاته من أجل الحصول على البراءة

لخضر بومدين احتفل مع زوجته وابنته بتناول البيتزا لدى وصوله إلى باريس

لخضر بومدين (واشنطن بوست)
TT

بعد سبعة أعوام كمعتقل في غوانتانامو، بينهما عامان من الإطعام القسري، عبر إدخال أنبوب تغذية من فتحة أنفه اليمنى، وكفاح طويل لإثبات براءته أمام القضاء الأميركي، و10 أيام من الرعاية الطبية، انتهى كابوس ظل يطارد لخضر بومدين، الذي خرج ليحتفل بتناول البيتزا على طعام الغداء في مطعم صغير في باريس.

وقال بومدين الاسبوع الماضي، بعد وقت قصير من تناوله الوجبة، التي كانت شاهدة على تعافيه من الرعاية الصحية وعودته إلى المجتمع المعتاد: «عندما كنت في المطعم، قلت لزوجتي إنني أشعر للمرة الأولى أنني إنسان مرة أخرى، أتذوق الأشياء وألتقطها بين أصابعي وأتناول الغداء مع زوجتي وابنتي». ولدى وصوله إلى باريس في 15 مايو (أيار) على متن طائرة حكومية أميركية ـ مكبلا ـ من معتقل غوانتانامو، خضع بومدين، الذي يبلغ من العمر 43 عاما، للملاحظة الطبية البدنية والنفسية في مستشفى عسكري فرنسي.

وفيما وصفه بالخطأ الفظيع من قبل السلطات الأميركية قضى بومدين، وهو مواطن جزائري، سبعة أعوام في معتقل غوانتانامو كمشتبه به بالإرهاب يحمل الرقم 10005. ليتحول بعدها إلى مدع في قضية شهيرة أمام المحكمة العليا الأميركية ضد الرئيس بوش، منحت في يونيو (حزيران) 2008 معتقلي غوانتانامو الحق في طلب إجراء مراجعة قضائية لظروف اعتقالهم.

وفي مقابلة مطولة مع بومدين في إحدى ضواحي باريس، قال إنه انضم إلى القضية ليمثل عشرات المعتقلين في غوانتانامو المتهمين بأنهم «أعداء مقاتلون» ولا تتوافر لديهم القدرة على الطعن في ذلك الاتهام داخل المحكمة. وعندما أمر قاض أميركي بإطلاق سراح بومدين، اتجه بومدين إلى تمثيل شيء جديد: عشرات المعتقلين الذين قررت الحكومة الأميركية الإفراج عنهم، لكنها لم تتمكن من ذلك، لأنه لا توجد دولة أخرى تقبل باستضافتهم، كما أن غالبية الأميركيين لا يرغبون في وجودهم على الأراضي الأميركية. وكانت فرنسا قد أبدت موافقتها على قبول بومدين، وبناء على طلب إدارة أوباما، ولكنها أبدت ترددا في قبول أي معتقلين آخرين. كما قبلت بريطانيا أحد المعتقلين المفرج عنهم في فبراير (شباط) الماضي ووعدت بقبول آخر. ويقول ناشطو حقوق الإنسان، إن الولايات المتحدة تبحث عن أماكن لاستقبال ما يقرب من 60 معتقلا اعتقلوا من دون محاكمة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاغون، وحكم بإطلاق سراحهم. وقد يكون من غير الممكن التثبت من رواية بومدين للأحداث بصورة مستقلة، لكنه يصف نفسه بأنه خسائر جانبية في تلك الاعتقالات، لكن بومدين الذي عمل كموظف إغاثة في البوسنة، قال إنه استجوب كثيرا حول أمر لم يكن لديه أدنى فكرة عنه.

عمل بومدين كموظف إغاثة في الهلال الأحمر، عندما اعتقل في البوسنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 مع خمسة جزائريين آخرين، اتهموا بالتآمر لتفجير السفارتين الأميركية والبريطانية في سراييفو، بيد أن تلك التهم تم التراجع عنها فيما بعد. وفي يناير (كانون الثاني) من عام 2002، تم تسليم المشتبه بهم الستة إلى المسؤولين الأميركيين، حيث نقلوا إلى غوانتانامو، على الرغم من صدور أحكام من عدد من المحاكم البوسنية بأنه لا يوجد داعي لترحيلهم. وكانت الرغبة الأميركية كبيرة؛ لأن أحد المتهمين الستة، بلقاسم بن سايح يتهمه المحققون الأميركيون بأنه عضو في القاعدة داخل البوسنة، وعلاوة على ذلك فقد اكتشفت الشرطة البوسنية ورقة في منزل بن سايح تحتوي على رقم واسم مكتوبين بخط اليد تعود إلى أحد قادة القاعدة في أفغانستان.

وقال بومدين خلال المقابلة، إنه لم يكن يعرف بن سايح معرفة جيدة، لكن بن سايح جاء كمواطن جزائري إلى مكتب الهلال الأحمر الذي يعمل به بومدين، يطلب مساعدة أسرته. إضافة إلى ذلك فإن زوجة بن سايح سعت للحصول على مساعدة بعد القبض على زوجها، وأعطاها بومدين المال من أجل محام لزوجها. وقال بومدين، إن «المسؤولين الأميركيين خلصوا إلى أن تلك الصلات ربطته بناشطي القاعدة في البوسنة». وأضاف بومدين، أن مهمة صغيرة قام بها في باكستان في بداية التسعينات أثارت شكوك المحققين الأميركيين، وربما تكون السبب في وضع اسمه على لائحة المراقبة، التي تتقاسمها الوكالات الأمنية الجزائرية ونظيراتها الأميركية. وقال بومدين، إن الفترة التي قضاها في باكستان لم تكن له علاقة بالمدارس الدينية، التي يتعلم فيها المقاتلون المستقبليون نموذجا متشددا من الإسلام، بل كانت مهمته تتلخص في رعاية مدرسة الأيتام الأفغان التي تمولها الكويت.

وقام بومدين خلال إقامته في باكستان بتجديد جوازه في السفارة الجزائرية في إسلام آباد، ونظرا لتجمع عدد كبير من المقاتلين العرب الباكستانيين من بينهم جزائريون، وأشار الجواز الجديد إليه كمتطرف مشتبه به لدى القوات الأمنية الجزائرية. ونتيجة لذلك، عندما سافر بومدين إلى الجزائر في ديسمبر (كانون الأول) 1999؛ لزيارة عائلته استوقف في المطار، واخبر بأنه على قائمة الأشخاص المطلوبين للاستجواب. وقد أنكر بومدين أي علاقة بالمتطرفين الإسلاميين الجزائريين، لكن المحققين كانوا مهتمين بالفترة التي قضاها في باكستان وصادروا جواز سفره.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»