العراق: حملة لمكافحة الفساد.. ومطالبات بشمول كبار وصغار الموظفين بالعقوبات

نزاهة البرلمان لـ«الشرق الأوسط»: حادثة رشوة كل دقيقة تبدأ من أعلى الهرم

TT

عوّد العراقيون أنفسهم على نسيان كلمة «رشوة»، بل وحتى شطبها من قاموس مفرداتهم اليومية، لا لكونها ظاهرة غير موجودة داخل المجتمع بل لأنها باتت من الظواهر الطبيعية المتعارف عليها في كل مفاصل حياتهم. واستبدلوا هذا المصطلح بكلمات دارجة أخرى مثل «المقسوم» أو «زيت السير» أو «الريوك (الإفطار)»، وغيرها الكثير، لأن من يطالب بإعطائه الرشوة لا يطلب بشكل مباشر كاحتراز وقائي، بل يقول مصطلحا حتى يحمي نفسه في حال تقديم شكوى ضده. وتختلف أشكال وصور وطبيعة ومبالغ الرشوة داخل المجتمع بحسب طبيعة العمل المقدم أمامها، فهناك قضايا ومشاريع ومعاملات ضخمة جدا يتقاضى أمامها المرتشي مبالغ كبيرة قد تصل لعدة ملايين من الدولارات أو الدنانير، وهذا يعتمد أيضا على منصب المرتشي، وحدثنا احد المسؤولين في إحدى المحافظات أن مشروع إنشاء مركز حدودي أعطي لشركة غير عراقية بمبلغ 80 مليون دولار وبيع لأكثر من مرة حتى وصل للمنفذ بمبلغ 3 ملايين، الذي بدوره نفذ المشروع بمبلغ مليون دولار، رابحا بذلك مليونين، وهي قضية مزدوجة بين الفساد الإداري والمالي والرشوة لأن كل حلقة تقابلها إعطاء مبالغ لحلقات أخرى.

وحادثة أخرى اغرب من الأولى رواها شاهد عيان عن وجود شخص غير عراقي حصل على جنسية عراقية، وسجل في إحدى دوائر النفوس على انه عراقي وأيضا زوجته وأبناؤه مقابل مبالغ مالية، ناهيك عن حوادث رشوة تحدث كل دقيقة في هذا البلد وفي جميع المفاصل، وقد تتعلق بأعلى الهرم كما بين رئيس لجنة النزاهة في البرلمان العراقي النائب صباح الساعدي.

وقال الساعدي لـ«الشرق الأوسط» إن «القانون العراقي عالج جريمة الرشوة وتجريم الشخص الذي يتقاضى الرشاوى بكافة أشكالها، وهذه القوانين ما زالت سارية وهي من القوانين المتشددة جدا». مضيفا ان «هناك مقترحات لزيادة العقوبات التي تتعلق بقضايا الفساد وإصدار قوانين نجدها مناسبة لمكافحة هذه الظواهر». وكان العراق قد احتل المرتبة الثالثة عالميا في مستوى الفساد بعد الصومال وبورما. وقال الساعدي «إن مكافحة الفساد والرشوة يجب ان تبدأ من أعلى السلطة نزولا لصغار الموظفين، وإذا لم توجه ضربات قوية وموجعة للكبار فمن الصعب وضع علاجات لهذه المشاكل، وهذا يحتاج الى توسيع الدور الرقابي وإعطاء صلاحيات لمحاسبة أصحاب المناصب الرفيعة، فلا يمكن استثناؤهم ومحاسبة الموظف البسيط، فهذا يعني ان الحلول ستبقى معالجات وقتية من دون فائدة». الحكومة العراقية تبنت مؤخرا مشروع الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة حيث أكد علي العلاق، الأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس المجلس المشترك لمكافحة الفساد، على ضرورة إشراك جميع الجهات الرقابية والتفتيشية والقضائية إضافة الى وسائل الإعلام في الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة كجزء من استراتيجية مكافحة الفساد الإداري والمالي.

وقال العلاق ان «الحملة ستستهدف المفسدين على مختلف مستوياتهم ودرجاتهم الوظيفية خاصة بعد الاستقرار الأمني الذي يشهده البلد والتطور الحاصل في المؤسسات الرقابية التي قطعت شوطا كبيرا على مستوى بناء القدرات والإمكانيات». من جانبه، أشار القاضي رحيم العكيلي، رئيس هيئة النزاهة، إلى أن هيئة النزاهة تقوم حاليا بوضع اللمسات الأخيرة على قانون حق الاطلاع على المعلومة الذي من شأنه أن يقدم تسهيلات كبيرة لوسائل الإعلام في الوصول الى المعلومات في الوقت المناسب.

كما عقد مكتب المفتش العام في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ندوة موسعة لمنتسبي الوزارة بمناسبة بدء الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة.

وقال حميد الزيدي، مفتش عام الوزارة، ان «هيئة النزاهة وتحضيراً لهذه الحملة أعدت فقرات قانونية انضباطية صارمة تنفذ بحق كل موظف يضبط متورطا بقضية رشوة أو أي قضية فساد إداري، إضافة الى القيام بتشكيل لجان متعددة متخصصة في تحديد نسب الفساد الإداري في الدوائر وتقديم تقارير توضع على إثرها الآليات المناسبة لمكافحة هذه الخروقات».