مغامرات برلسكوني تثير الدهشة في إيطاليا

TT

عندما ظهرت زوجة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني على صفحات الجرائد الشهر الماضي لتعلن أنها ترغب في الطلاق من زوجها، وتتهمه بمغازلة شابات صغيرات، بدا ذلك وكأنه عاصفة أخرى، وأن أقوى رجل في إيطاليا سيتمكن من التغلب عليها. وعلى مدار سنوات كانت إيطاليا تغض الطرف عن أعمال برلسكوني، فيما كانت تركز عليها دول أخرى. لكن الأمور بدأت هذه المرة وكأنها تأخذ منحنى مختلفا. في بداية القضية طُرح سيل جارف من التكهنات ـ في المدونات وعلى شاشات التلفزيون والراديو وعلى موائد العشاء في إيطاليا ـ حول طبيعة وأصول علاقة برلسكوني بناعومي ليتيسيا، العارضة الشقراء الواعدة التي حضر عيد ميلادها الثامن عشر في نابولي الشهر الماضي، والتي قالت إنها تناديه بلقب أبي. كانت تلك هي الحفلة التي دفعت بزوجة برلسكوني إلى الإعلان بأن علاقتهما الزوجية، والتي تستمر منذ 19 عاما، قد انتهت.

وأشارت المزاعم الأخيرة، التي ربما تكون أكثر خطورة، إلى قيام برلسكوني، الذي يبلغ من العمر 72 عاما، بدعوة ليتيسيا و40 فتاة أخرى بعضهن أصغر من 18 عاما لقضاء حفلة رأس العام في إحدى فيلاته في سيردينيا. ومن المعروف أن نجاح برلسكوني يرجع إلى قدرته الهائلة على فهم الطبيعة الإيطالية، ولذا يتساءل الكثيرون الآن عما إذا كان قد أخطأ في تقييم تلك الطبيعة، وأنه تمادى في تقدير التسامح الإيطالي إلى حد بعيد، وما إذا كانت سمعته تشبه التدهور الإمبراطوري الروماني في فيلم «ساتيريكون» لفليني.

وكان رئيس الوزراء دائم الإنكار لقيامه بأمر مشين في علاقته بليتيسيا.

وتتخذ القصة أبعادا سياسية قبل أقل من أسبوعين من انتخابات البرلمان الأوروبي، وقبل شهر من استضافة إيطاليا لاجتماع مجموعة الثماني لقادة العالم وفي وقت يحاول فيه برلسكوني دعم موقفه أمام إدارة أوباما.

وقد سأل داريو فرانسستشيني، زعيم يسار الوسط المعارض الناخبين هذا السؤال بشأن برلسكوني، فقال: «هل تودون أن يتربى أولادكم في ظل وجود هذا الرجل؟». ويشير منتقدو برلسكوني إلى أن القضية لا تتعلق بالجنس وفقط، لكنها تعكس الغفلة بقضايا إيطاليا الداخلية مثل الاقتصاد أو إعادة إعمار ما بعد الزلزال الذي خلف 70.000 مشرد في وسط إيطاليا. وفي ما يراه الكثيرون على أنه إشارة إلى فهم برلسكوني لعوامل السلطة في إيطاليا والفاتيكان، منحه مؤتمر القساوسة هذا الأسبوع القبول أو على الأقل دون تعليق مطالبين «بالسلوك الراشد» وقالوا إن سلوك الإنسان أمر يرجع إلى ضمير الفرد». وقال جيانالوكا نيكوليتا، المعلق في محطة «Il Sole 24 Ore» الإذاعية: «لقد انقلبت الأمور رأسا على عقب، فأولئك الذين مثلوا العائلة والأزواج المخلصين سعداء بتبرير شعوذتهم ودجلهم»، وأضاف أن «البعض في اليسار ممن عبروا على الدوام عن إيمانهم بالحرية الجنسية الكاملة باتوا كأعضاء محاكم التفتيش». ويمثل ما بات يعرف الآن بـ«قضية ناعومي» عناصر جديدة في علاقة إيطاليا الطويلة بسلوك برلسكوني المثير للجدل. ففي سابقة من نوعها خلال الآونة الأخيرة تقوم الصحافة الإيطالية بإلقاء المزيد من الضوء على الجوانب المظلمة من الحياة الشخصية لأحد السياسيين. وقادت تلك الحملة صحيفة «لا ريبابليكا» اليومية اليسارية، خصم برلسكوني اللدود. فقد نشرت على مدار الأسبوعين الماضيين 10 أسئلة لرئيس الوزراء، كان من بينها كيف التقى والد ليتيسيا. وكان برلسكوني قال إنه التقى ليتيسيا مؤخرا عن طريق والدها بينيدتو الذي يعمل كمسؤول في مدينة نابولي.

وخلال الأسابيع الماضية ساند والدا ليتيسيا روايات برلسكوني حول كيفية لقائه ابنتهما، فيما ناقض حبيبها السابق وعمتها روايتهما مما أحدث ارتباكا زاد من تلك الدراما. وفي المقابلة التي نشرتها صحيفة «لا ريبابليكا» يوم الأحد، قال صديق ليتيسيا السابق، الذي اتضح فيما بعد أن له سجلا جنائيا، إن رئيس الوزراء استدعى ليتيسيا الخريف الماضي عندما رأى صورتها في كاتالوغ لصور عارضات. ويعتقد الكثيرون من مناصري برلسكوني أنه تعرض لهجوم غير منصف في الموسم الانتخابي، ومن ثم يجب أن يتوقف ذلك الهجوم. وحث جيوليانو فيريرا، الذي يعمل في بعض الأحيان كمستشار لبرلسكوني، على وقف القضية وقال «الأمر الوحيد على المحك في هذا الأمر هو غرور برلسكوني».

وإذا كان طلاق برلسكوني وزوجته، فيرونيكا لاريو، معركة ميراث تلوح بين ولديه من زواجه الأول وثلاثة من زوجته الثانية لاريو، وجميعهم دافعوا عن والدهم. وقد زادت «قضية ناعومي» من عمق وحيرة الإيطاليين حول النقاط السوداء في حكومة برلسكوني. فخلال الأسبوع الماضي أصدرت محكمة ميلانو حكمها بإدانة المحامي البريطاني ديفيد ميلر بقبول رشوة بقيمة 600 ألف دولار من مساعدين لبرلسكوني. لكن برلسكوني لم يحاكم لأنه مرر قانونا يقضي بمنح كبار السياسيين الإيطاليين حصانة من الملاحقة القضائية خلال تواجده في السلطة. ودأب على انتقاد المدعين العامين بأنهم ذوي آيديولوجيات يسارية تسعى للنيل منه.وكانت ليتيسيا قد ظهرت مؤخرا مع رجل قالت عنه لمجلة «تشي»، التي تنشرها موندادوري، التي يملكها برلسكوني، إنه صديقها الجديد. وقالت عن حياتها الشخصية: «إنني لم أتخذ تلك الخطوة الكبيرة بعد، فالعذرية قيمة كبيرة، فأنا كاثوليكية مخلصة».

* خدمة «نيويورك تايمز»