مسؤول بحريني لـ«الشرق الأوسط»: الحوار الوطني خارج البرلمان مرفوض رفضا قاطعا

قال إن دعوة الجمعيات السياسية لمثل هذا الحوار «غير دستورية وغير قانونية»

بحرينيون يأخذون قسطا من الراحة في قرية المالكية الشيعية وقد كتب على الحائط خلفهم شعارات معارضة للحكومة وقد طليت باللون الأبيض من قبل السلطات عدة مرات (أ.ب)
TT

في رد مباشر على دعوات لجمعيات سياسية لحوار وطني مباشر مع السلطة، قال مسؤول بحريني رفيع لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات في بلاده ترفض «رفضا قاطعا لما يسمى بالحوار الوطني ما دام أريد به أن يتم خارج إطار البرلمان المنتخب من قِبل أفراد الشعب»، مؤكدا في الوقت ذاته أن أي حوار لا يتم تحت قبة البرلمان «غير قانوني وغير دستوري».

واستهجن المسؤول البحريني في حديثه ما يتم الترويج له من الدعوة إلى حوار وطني من قبل جميع الفعاليات والجمعيات السياسية وأطياف الشعب البحريني والدولة مباشرة، مؤكدا أن «هناك برلمانا منتخبا انتخابا مباشرا من قِبل الشعب، وهناك ميثاق وطني وافق عليه المواطنون بنسبة 98 في المائة، أي حوار وطني يجب أن يتم من خلال إطار السلطة التشريعية، أما الجمعيات السياسية التي ليس لديها نواب منتخبون في البرلمان فعليهم أن يتجهوا للعمل من داخل البرلمان لا من خارجه». ويأتي رد المسؤول البحريني في أعقاب دعوات خرجت بقوة الأيام الماضية من قِبل جمعيات سياسية بحرينية تدعو إلى حوار وطني بين المعارضة والسلطة خارج إطار السلطة التشريعية، يتم فيه مناقشة قضايا وطنية، من بينها تعديلات دستورية تطالب بها هذه القوى.

ودعت أربع جمعيات سياسية، هي جمعية «الوفاق الوطني الإسلامي»، وجمعية «المنبر التقدمي»، وجمعية «التجمع القومي»، وجمعية «العمل الوطني» (وعد)، دعت القيادة السياسية في بلادها لبدء حوار وطني مباشر مع جميع الأطياف في البلد، مطالبة بأن تكون الدولة حاضرة في هذا الحوار بشكل رسمي، وأن لا يتم تحت إطار البرلمان.

وجمعية الوفاق الوطني الإسلامي (كبرى الجمعيات التي تمثل الشيعة في البحرين) هي الجمعية الوحيدة من الجمعيات الأربع التي لديها ممثلون في البرلمان (17 نائبا)، فيما لا تمثل الجمعيات الثلاث بأي نواب في السلطة التشريعية. ونظرا إلى وجود بعض الفعاليات والجمعيات السياسية خارج البرلمان، مثل حركة «حق» غير المرخصة، فإن عددا من الجمعيات السياسية في البحرين، يرغب في حوار وطني يتم خارج البرلمان.

ولعل أبرز القضايا التي ترغب هذه الفعاليات وضعها في أجندة الحوار، موضوع التعديلات الدستورية، التي تقول هذه الجمعيات إن الدستور الحالي بحاجة إلى التعديل باتجاه مزيد من المشاركة السياسية الشعبية على حساب صلاحيات الحكومة، فيما ترى السلطات أن أي تعديلات مقترحة مرحَّب بها ولكن شرط مناقشتها داخل البرلمان لا خارجه. وكان الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين أصدر الشهر الماضي عفوا ملكيا عن العشرات من المتهمين في قضايا أمنية، كان من أبرزهم حسن مشيمع الأمين العام لحركة «حق» المحظورة. واعتبرت الجمعيات السياسية البحرينية هذا العفو بأنه خفف من الاحتقان الذي كان يلف الشارع البحريني حينها.

ويقول المسؤول الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، وطلب عدم ذكر هويته، إن أي دعوة إلى الحوار الوطني دون أن تكون تحت مظلة البرلمان «غير دستورية وغير قانونية؛ لدينا برلمان منتخب هو الأداة الدستورية التي يمكن لمن أراد أن يطرح أي حوار من خلالها، هذه الدعوات لا ترتكز على سند قانوني، وهو أمر غير مقبول. من يُرِد أن يطرح أي قضايا أمنية أو سياسية أو غيرها فليتجه إلى البوابة الصحيحة، وهي البرلمان فقط».

وعندما تولي ملك البحرين مقاليد الحكم في مارس(آذار) من عام 1999 انطلقت مسيرة الحوار الوطني، عندما كان العمل بالدستور معلقا، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2000 تم تشكيل لجنة وطنية لإصدار مشروع ميثاق العمل الوطني، وهي لجنة حاورت من خلالها السلطة جميع أطياف الفعاليات والجمعيات السياسية، وتمخض عنها في عام 2002 إصدار الدستور البحريني في نسخته الجديدة، وبتكوين مؤسسات الدولة الدستورية، التي أفرزت برلمانا منتخبا كان الأول في عام 2002، والآخَر في عام 2006.

وفي السياق نفسه، قال خبراء وحقوقيون بحرينيون إن البرلمان «هو البوابة الدستورية الوحيدة لمناقشة أي ملفات أو قضايا أو مقترحات تتعلق بقضايا سياسية أو حقوقية أو أمنية أو اقتصادية أو معيشية في ظل ما تشهده البلاد من انفتاح سياسي وديمقراطي مشهود في ظل المشروع الإصلاحي الشامل لجلالة الملك».

ودعت ندوة قانونية، أقيمت أول من أمس، بعنوان «البرلمان وتكريس سلطة القانون والمؤسسات الدستورية» بمشاركة عدد من خبراء وأساتذة القانون، إلى الالتزام بالآليات الدستورية والقانونية في إطار الفصل بين السلطات، ونبذ أي دعوة للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية، وإدانة المظاهر غير الدستورية الممثلة في «العرائض» أو المسيرات غير المرخصة أو إثارة بعض القضايا خارج البرلمان بهدف تهديد الوحدة الوطنية وتخريب التجربة الإصلاحية.

وأكد المحامي يوسف الهاشمي رئيس مجلس إدارة جمعية الحقوقيين البحرينية ومدير الندوة إن نشر الوعي القانوني والحقوقي «يكتسب أهمية كبيرة في هذه المرحلة المهمة من المشروع الإصلاحي الشامل للملك حمد بن عيسى آل خليفة، من أجل تكريس النهج الديمقراطي عبر احترام المؤسسات القانونية والدستورية القائمة استنادًا إلى دستور مملكة البحرين لعام 2002، وتأكيد التزام الجميع، حكومةً ومؤسساتٍ وشعبًا، بحدود حقوقهم وواجباتهم الأساسية، بالشكل الذي يسهم في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات في إطار نظام حكم ملكي دستوري وراثي يقوم على أساس الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.

في حين اعتبر الأستاذ الدكتور محمد طه المشهداني عميد كلية الحقوق بجامعة البحرين في ورقة قدمها بعنوان «البرلمان ومناقشة القضايا الوطنية»، أن البرلمان بشقيه الشورى والنواب هو الممثل الدستوري عن الشعب البحريني، «يعبّر عن إرادته، ويتكلم باسمه، وليس لأي فرد أو جماعة أن يتحدث عن أي تمثيل للشعب، وإنما يمثل نفسه أو جماعته فحسب».

ودعا المشهداني إلى التفريق بين فكرة الحوار المجتمعي المستمر في إطار المشروع الإصلاحي، وفكرة الحوار الوطني «التي انتهت ولم يعد هناك مسوغ دستوري لها بعد إجراء حوار وطني شامل أسهم في بلورة ميثاق العمل الوطني وإصداره في فبراير (شباط) 2001 بمشاركة فعاليات سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية، وكان من نتائجه إجراء التعديلات الدستورية سنة 2002، مشددا على أنه «لا حاجة إلى حوارات جديدة في ظل وجود البرلمان، وعلى الجمعيات الأهلية والسياسية المشاركة في الحوار المجتمعي من خلال ممثليها في البرلمان، أو عن طريق الحوار مع النواب في دوائرهم الانتخابية».

من جهتها، أكدت المحامية جميلة علي سلمان رئيسة جمعية المحامين البحرينية أن البرلمان يمثل أحد أبرز معالم المشروع الإصلاحي البحريني، «لا سيما بعد إجراء التعديلات الدستورية كافة التي أقرها الميثاق الوطني، ومن أهمها التحول إلى الملكية الدستورية، والأخذ بنظام المجلسين في العمل التشريعي». وأشارت سلمان إلى أهمية دور عضو البرلمان في الوساطة بين جميع المواطنين والهيئات الإدارية والتنفيذية، «بينما تمثل مؤسسات المجتمع المدني فئة محددة تجمعها عوامل مشتركة: دينية أو عقَدية أو طائفية أو مهنية». وخلصت المحامية جميلة سلمان إلى إن السلطة التشريعية هي الممثل الحقيقي لإرادة الناخبين، وهي السلطة الرسمية التي لها الصلاحيات المباشرة والمُلزِمة للرقابة على أعمال الحكومة، وهي المعنية بمتابعة أي مقترحات وترجمتها إلى تشريعات أو اقتراحات بقوانين.