كركوك: توتر مع قرب منح امتيازات للتنقيب عن النفط في حقول يسكنها عائدون أكراد رحلهم صدام

وزارة النفط تعتبر المساكن غير قانونية.. وأحد ساكنيها يؤكد: لن أسكت على هدم منزلي مرة أخرى

كردية وصبي يقفان بالقرب من منزل شيد على أرض غير بعيدة عن الحقول النفطية في كركوك («نيويورك تايمز»)
TT

نظر الشيخ حبيب شوقي حمه خان من نظارته، بعد الظهيرة، إلى مشهد اعتبره جمالا نقيا، على الرغم من أعمدة الدخان المتصاعدة التي تحجب الشمس. كانت حقول النفط، الأكثر إنتاجية بين حقول النفط العراقية، تقع على امتداد البصر. واستدار مشيرا إلى منزله ذي الطابقين وحديقته الغناء التي تزدان بالورود القرنقلية والصفراء. إنه أيضا يعوم على حقل من النفط.

الشيخ حمه خان واحد من آلاف انتقلوا إلى كركوك، تلك المدينة النفطية المضطربة الواقعة شمال العراق، في أعقاب غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، ووضعوا أيديهم على قطع من الأرض لا يملكونها لبناء منازل عليها. وتقع بعض المنازل، التي أقيمت بصورة غير شرعية لدعم المزاعم الكردية في كركوك، على مسافة نصف كيلومتر من ألسنة اللهب الممتدة الناتجة عن الغاز الطبيعي وسط حقول النفط. وتعد تلك المنازل، من نقاط الضغط العديدة التي تتجمع في وقت حرج في كركوك، حيث من المخطط منح الحق في تلك الحقول لشركة النفط التي تقدم أعلى عطاء الشهر المقبل كجزء من جهود موسعة لدعم اقتصاد العراق المتراجع عبر زيادة إنتاج النفط بمقدار ثلاثة أضعاف خلال الأعوام الستة القادمة.

ودخلت الحكومة المركزية والأكراد في خلاف يزعم فيه كلا الطرفين بأحقيته في المدينة، ولذا يخشى الكثيرون من مواطني المدينة والمراقبين الغربيين من أن تؤدي التعاقدات النفطية إضافة إلى الكم الكبير من فرص العمل والأموال التي ستتبع تلك التعاقدات من إثارة العداوة بين الأكراد والعرب والتركمان. ويبدي الكثيرون خشيتهم من أن يؤدي ذلك إلى تمزيق وحدة العراق وحدوث كثير من أعمال العنف في المنطقة المتنازع عليها. ويمكن أن تؤدي أعمال العنف، على أسوأ تقدير، إلى إثارة حرب عرقية كان الكثيرون قد تنبأوا بها منذ أن تسلمت قوات كردية الملف الأمني للمحافظة في أعقاب غزو 2003. ويمس أي خلاف في كركوك مخاوف تركية وسورية وإيرانية، حيث توجد أقلية كردية في الدول الثلاث، ويمكن أن تشتعل التوترات الكردية ـ العربية في شمال العراق.

بيد أنه، على الرغم من أن وضع كركوك لم يتم حله وما زال هناك غموض بشأن المخزون النفطي بها، فإن كثيرا من الشركات النفطية العالمية تسعى جاهدة للحصول على عقودها النفطية. وتعد المدينة واحدة من أضخم ثمانية حقول نفطية في العراق، لكنها لا تعمل بطاقة كاملة، ويتوقع أن تقوم الحكومة المركزية بمنح حقوق الإنتاج بنهاية يونيو (حزيران).

وقال غوست هيلترمان، الخبير في شؤون العراق في مجموعة الأزمات الدولية: «بفتح العطاءات الخاصة بحقول النفط في كركوك، يؤكد رئيس الوزراء ـ بقوة للأكراد ـ السيادة العراقية على النفط في المناطق المتنازع على وضعيتها من ناحية الدستور». وقد تزايدت أعمال العنف في المحافظة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وحتى في أعقاب اجتماع عقد في برلين وضم ممثلي الأعراق المختلفة في المدينة من عرب وأكراد وآشوريين وتركمان. وتقول القوات الأمنية في كركوك، وغالبيتها من الأكراد، إنهم بحاجة إلى مساعدات للحد من العنف، لكن ليس من القوات العربية الكبيرة المتمركزة على أطراف المدينة. وقد عقدت القوات الأميركية سلسلة من الاجتماعات مع الزعماء السياسيين العرب والأكراد والقوات الأمنية هذا الشهر دون التوصل إلى اتفاق يسمح لوحدة بالجيش العراقي بالعمل داخل المدينة. وقال اللواء تورهان عبد الرحمن يوسف، نائب القائد العام لشرطة المحافظة: «نأمل ألا تعود الحالة الأمنية إلى سابق عهدها وألا تتجدد أعمال العنف الخطيرة، لكن كل المؤشرات تدل على وقوع ذلك». وقد قدم تقرير للأمم المتحدة صدر الشهر الماضي عددا من التوصيات لخفض التوتر، منها جعل كركوك تخضع لإدارة مشتركة بين العراق وكردستان. ومن المحتمل في نهاية المطاف أن يعقد السكان استفتاء للبت في مستقبلهم.

ويعيش كل طوائف سكان كركوك من أكراد وعرب وتركمان ومسيحيين وآشوريين بمعزل بعضهم عن بعض وسط شكوك متبادلة، حيث تتهم المجموعات الأخرى الأكراد بالسعي لضم كركوك وثروتها النفطية إلى إقليم كردستان الذي يحظى بحكم شبه ذاتي وهو الأمر الذي يمكن أن يمنح كردستان الأسس الاقتصادية لأن تصبح دولة مستقلة.

ولم تجر تقريبا أية عمليات تنقيب عن النفط في العراق منذ عقود. وأشار واين كيلي، المدير الإداري لشركة «آر إس كيه» وهي شركة بترول مستقلة، إلى أن شركة النفط التي ستفوز بحقل كركوك ستواجه عددا من القضايا من بينها إمكانية تجدد العنف واحتمال تلوث جزء من الحقل بمخلفات النفط. وقال «لا يوجد مكان بالعالم به حقل يماثل هذا الحقل في ضخامته وتساء إدارته بهذا الشكل». وهناك عائق آخر يتمثل في زيادة السكان الأكراد الذين بنى الكثير منهم منازلهم على أراض تقول وزارة النفط إنها ليست ملكا لهم. لكن تلك العائلات تقول إنها أجبرت على النزوح من كركوك إبان عهد حكومة صدام حسين التي دمرت قراهم، ويسمون المدينة المتنافس عليها «قدسهم» وقال البعض إنهم سوف يحملون السلاح للبقاء في المدينة.

وأوضح الشيخ حمه خان، الذي يبلغ من العمر 60 عاما، أنه بعد هذه الأعوام من النفي في إيران ومناطق أخرى فقد قنع أخيرا بعودته إلى منزله، وتعهد بأنه لن يسكت على هدم الحكومة منزل عائلته مرة أخرى. وقال: «لن أغادر، ويمكنهم أن يهدموا القرية على رأسي».

* خدمة: «نيويورك تايمز»