أبو الغيط: الإدارة الأميركية السابقة تركت للإدارة الراهنة تقريرا من 12 صفحة يتناول التقدم في مفاوضات السلام

شددنا مع واشنطن على عدم الخلط بين المسائل والملفات المتعلقة بالمنطقة * لا تطبيع مع تل أبيب إذا لم تتجاوب مع المبادرة الأميركية وإيقاف الاستيطان

وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط («الشرق الأوسط»)
TT

كشف وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط أن الإدارة الأميركية السابقة تركت للإدارة الراهنة تقريرا من 12 صفحة يتناول التقدم الذي تم تحقيقه في المفاوضات التي تمت بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ إطلاق عملية أنابوليس في خريف عام 2007.

ورفض الوزير المصري أن تتجاوب الدول العربية مع مطالب التطبيع التدريجي مع إسرائيل طمأنة لها وحثا إياها للتجاوب مع مبادرة السلام الأميركية، مشترطا أن يتم ذلك بعد أن يتبين أن المبادرة الأميركية «القوية والفعالة لها تأثيراتها على إسرائيل»، وأن هذه الأخيرة لم تناور، وعمدت إلى تجميد فعلي للاستيطان وعادت بالضفة الغربية لما كان عليه الوضع قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ورفض أبو الغيط أن تستمر عملية التفاوض إلى ما لا نهاية مطالبا بـ«إطار زمني» معقول، وبأن يحدد سلفا تصور الحل النهائي الذي يفترض أن يشهد قيام دولة فلسطينية في حدود عام1967 .

وجاءت تصريحات الوزير المصري في لقاء خص به «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في العاصمة الفرنسية لإجراء محادثات مع نظيره برنار كوشنير تركزت على عملية السلام من جهة وعلى ما آل إليه «الاتحاد من أجل المتوسط» المعطل عمليا منذ الحرب الإسرائيلية على غزة أواخر العام الماضي. وفي ما يلي نص الحديث:

* ما المطلوب من العرب لمواكبة مبادرة السلام الأميركية؟

ـ الجانب الأميركي يتجه لمطالبة إسرائيل باتخاذ مواقف محددة والتجاوب مع جهد حقيقي للسلام يقودنا إلى تحرك فعال وإلى تسوية فلسطينية ـ إسرائيلية تقوم على بناء دولة فلسطينية وعلى تسوية إسرائيلية ـ عربية. وهنا أذكر بالمبادرة العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام واستعداد العرب لتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل إذا ما كانت التسوية عادلة وشاملة واستعاد الفلسطينيون والعرب حقوقهم. هذا الجانب يهم الإدارة الأميركية التي تسال: ماذا سيكون عليه رد الفعل العربي إذا ما تحركنا على الجبهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية ومارسنا ضغوطا على إسرائيل باتجاه التوصل إلى السلام؟ نحن في مصر نقول ـ لسنا مخولين التحدث باسم العرب ـ إن التجربة علمتنا أنه في الفترة التي تلت اتفاقيات أوسلو عام1993 وفي أجواء كانت مواتية للسلام حيث أظهرت إسرائيل استعدادا للتجاوب مع الفلسطينيين وأهدافهم، أظهر العرب مواقف إيجابية من إسرائيل. وعلى سبيل المثال، فقد زار رئيس وزراء إسرائيل عاصمة خليجية وفرش السجاد الأحمر تحت رجليه، وفتحت مكاتب وممثليات إسرائيلية في بلدان عربية. ولم نرفض هذه المبادرات وقلنا: لنشجع الجانب الإسرائيلي على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم. واليوم نقول: دعونا نستحوذ على حقوقنا ولنشجع الإسرائيليين على إعطاء حقوقهم على أن تكون هذه التنازلات في إطار من الجدية والصدقية الإسرائيلية. أما إذا كانت إسرائيل تناور وتراوغ وتحاول الحصول على مكاسب ومواقع لدى الدول العربية وتستمر في ممارسة العنف ضد الفلسطينيين وإنكار حقوقهم السياسية وتدمير اقتصادهم والتنكر لأساس المبادرة العربية، أي الأرض مقابل السلام، فنحن لن نوافق.

لقد قلنا للإدارة الأميركية: نحن نتفهم ما تتحدثون عنه، إذا تبين أن عملكم فعال وقوي وحقق أهدافه، وإذا استجابت إسرائيل للمطالب الدولية وتحركت باتجاه يبين أنها غيرت مواقفها، وأن حكومتها توقفت عن المناورة، يمكن للدول العربية أن تستجيب، ولكن بسرعة متفاوتة، وكل بحسب مقدراته. أما الحديث عن بداية فتح الأجواء والمطارات من غير مقابل، فما الذي سيتبقى للفلسطينيين حتى يحصلوا عليه؟ هذه مسائل تحسب بميزان من ذهب وفي إطار التزامات مؤكدة ومتقابلة.

* عمليا، ما الذي تطلبونه؟

ـ نطالب بتجميد كامل للنشاطات الاستيطانية وليس إشارات بالتجميد (ولكن هذا وحده غير كاف)، ونطالب بالعودة في الضفة الغربية لما كان عليه الوضع قبل الانتفاضة الثانية، حيث كان الفلسطينيون يسيطرون على كافة المدن، ونطالب بخروج القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، والتزام إسرائيلي واضح بقيام الدولة الفلسطينية، وتصور واضح للحل النهائي ووجود زخم سلمي حقيقي في المنطقة. فضلا عن ذلك، لا نستطيع التفاوض في إطار زمني مفتوح. صحيح أن الجانب الأميركي لا يريد الالتزام بيوم محدد، ولكن نحن نقول: لتكن المحلة التي لن تشهد فيها الولايات المتحدة انتخابات نصفية Mid_ Terms، أي خلال العامين القادمين، هي الأفق الزمني للوصول إلى الحل والانتهاء من هذه المسألة. ولا نريد من الأميركيين أن يقولوا لنا انتظروا رئاسة أوباما الثانية حتى يكون طليق اليدين.

* قيل لنا إن رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض، أبلغ مسؤولين فرنسيين أن أوباما يريد قيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية ولايته الأولى، هل وصلتكم معلومات كهذه؟

ـ سمعنا مثل هذا الكلام، وهو يتضمن عدة مؤشرات، أولها أن إيمانويل يرغب بشدة في التحرك، وهو يرصد أن المجتمع الأميركي واللوبي اليهودي يريدان التسوية، وهو يرى، كما الرئيس أوباما، أن هناك حاجة للتحرك بشكل سريع، وإلا فإن الإيقاع سيخفت، وإذا ما خفت ستضيع الفرصة المتاحة اليوم. إذا هناك رئيس وإدارة ومسؤولون في البيت الأبيض يريدون دفع الأمور إلى الأمام، وهناك قراءة جيدة للوضع الأميركي، وإحساس بالحاجة لتحرك أميركي ذو مصداقية وسريع من أجل استعادة ثقة العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي.

* ما الرسائل الأخرى التي نقلتموها لواشنطن؟

ـ شددنا على أهمية الامتناع عن الخلط بين المسائل والملفات المتعلقة بالمنطقة. وقلنا لهم: إذا كانت لديكم مشاكل مع إيران، فعالجوها بمعزل عن الملف الفلسطيني والملفات العربية، ولا تتحركوا باتجاه العرب لأجل إرضائهم ولحين تسوية الملف الإيراني ـ الغربي ثم تعودون بعدها لمقاربتكم السابقة، ودعوناهم للتركيز على الملف الفلسطيني لأن له الأولوية.

* قرأت لكم تصريحا من واشنطن تقولون فيه: «لسنا ملزمين بالموافقة على كل ما تطرحه الإدارة الأميركية»، ما المقصود بذلك؟

ـ لقد سئلت عن رؤية الدولة اليهودية وقيل إن الإدارة الأميركية تؤيد مثل هذه الرؤيا. ولذا أجبت بأننا لسنا ملزمين بكل ما تقوله واشنطن، بل نحن ملزمون بما نراه لمصلحة الشعب الفلسطيني. الحديث عن إسرائيل دولة يهودية موضوع خطير للغاية، ويعني التنكر لحقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، ويتعين علينا العمل للمحافظة على حقوقهم، خصوصا أن هناك وزير خارجية إسرائيلي يدعو إلى ترحيلهم إلى فلسطين أو إلى خارج إسرائيل. نحن ليست لدينا مشكلة في صدور قرار عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن يتحدث عن إسرائيل «ذات غالبية يهودية». أما أن توصف بـ«دولة يهودية» فهذا يتضمن مخاطر كبرى، إذ لا يمكن أن نستبعد أن قائدا إسرائيليا سيأتي يوما ما ليقول: ازداد عدد العرب في دولة إسرائيل ويتعين التخفيف من وزن الكتلة السكانية العربية للمحافظة على يهودية الدولة.. هذا غير مقبول.

* ولكن نتنياهو يجعل من الاعتراف بيهودية الدولة شرطا للتقدم في مسار السلام؟

ـ هذا أمر مرفوض بالكامل.. وإذا بدأنا بالحديث عن شروط فلن يتحقق شيء، ولعل نتنياهو يطرح هذا الشرط حتى لا تتحرك الأمور.

* في السابع من يونيو (حزيران) ستجرى الانتخابات النيابية في لبنان. هل أنتم مطمئنون في مصر إلى أن الأطراف اللبنانية ستقبل نتائج الانتخابات مهما تكن؟ هل ثمة ضمانات ما؟

ـ لا أستطيع أن أقول إنه لدينا ضمانات. ولكن بالمقابل أقول إننا نقدر حكمة الشعب اللبناني وقدرته على رفض التدخلات الخارجية ورفض الهيمنة والسيطرة، وهذا كفيل بأن يكون يوم 8 يونيو (حزيران) يوما يعكس التوافق المستمر بين اللبنانيين.

* ولكن هناك من يطرح من خارج لبنان نظرية أن النتائج ستكون انتصارا لخط سياسي على خط سياسي آخر؟

ـ هذه مسائل تطرح للتأثير على الرأي العام اللبناني وعلى نتيجة الانتخابات. ونحن في مصر، ما زلنا نقول.. ارفعوا جميعا أيديكم عن لبنان، وعلى الجميع التوقف عن التدخل في الشؤون اللبنانية. من هنا أنت لا ترى ولا تسمع تصريحا مصريا يفضل هذا الفريق أو ذاك.

* هل تم تجاوز موضوع حزب الله؟

ـ لا يمكن أن يتم تجاوزه.. هذا حزب وميليشيا عسكرية على الأراضي اللبنانية قرر أن ينتهك سيادة الدولة العربية الأكبر وبالتالي، فإن هناك مشكلة مع هذا الحزب وقيادته. وبالمقابل، لا مشكلة لدينا مع كل المؤسسات اللبنانية من رئاسة وحكومة وبرلمان أو مع الطائفة الشيعية. غير أننا لا نقبل أن تعتبر جهة أن رؤيتها لكيفية مساعدة الفلسطينيين تعطيها حقوقا في التصرف على حساب حقوق وسيادة دولة أخرى.. هذا مرفوض تماما ويتعين أن يحسب له ألف حساب.. وعندما يتصور آخر أنه بصفته زعيما يستطيع أن يخاطب المصريين والجيش المصري فإننا نرد عليه بالقول: أنت تحتاج للكثير لتعرف نفسية الشعب المصري.. ولقد كان بالنسبة إلينا يوما حزينا أن نرى في مصر السيد حسن نصر الله يتحدث في اليوم التالي للإعلان عن كشف الخلية التابعة لحزب الله و يقول: لم لا؟ أقول له: لقد تجاوزت، ليس فقط الخطوط الحمراء، بل أي احترام لدولة مصر وسوف تدفع هذه الخلية الثمن. وعندما سيقدم الأمر للقضاء، سوف نكشف حجم المخطط للإضرار بمصر من قوة هي قوة أكبر من حزب الله.