مبعوث الأمم المتحدة للصومال لـ «الشرق الأوسط»: السياسيون هم سبب بلاء الصوماليين

أحمد ولد عبد الله قال إن الصوماليين لديهم 340 موقعا على الإنترنت تبين مدى اختلافهم

TT

قال أحمد ولد عبد الله مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال، إن الزيارة الخاطفة التي قام بها أول من أمس للعاصمة الصومالية مقديشو واستمرت لبضع ساعات فقط استهدفت تأكيد تضامن المجتمع الدولي مع الشعب الصومالي في مواجهة ما وصفه بمأساته السياسية الراهنة. واعتبر ولد عبد الله في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن الصوماليين، خاصة النخب السياسية، مسؤولون عن تدهور الوضع في البلاد منذ انهيار نظام حكم الرئيس المخلوع محمد سياد برى عام 1991.

وأوضح ولد عبد الله، في حديثه مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقره في العاصمة الكينية نيروبي، أن ما شاهده من دمار للبنية التحتية والأساسية في العاصمة مقديشو خلال زيارته لها، أمر مؤسف ويدعو إلى الحزن. وجاءت زيارة ولد عبد الله لمقديشو بعد ساعات من إطلاق الرئيس الصومالي نداء استغاثة إلى الشعب الصومالي والمجتمع الدولي لدعم حكومته في مواجهة المتمردين الإسلاميين الذين يسعون للإطاحة به ودفع السلطة الانتقالية التي يقودها للانهيار. لكن ولد عبد الله أكد في المقابل لـ«الشرق الأوسط» أن شرعية الشيخ شريف ليست محل شك، مؤكدا أنه ما زال يسيطر على زمام الأمور في العاصمة على الرغم من تردى الوضع الأمني بها حاليا.

وكشف النقاب عن أنه بذل مساعي مكثفة لإقناع الزعيم الصومالي المتشدد الشيخ حسن طاهر أويس بالتجاوب مع المساعي التي يبذلها لتحقيق السلام والمصالحة الوطنية مقابل حذف اسمه المدرج على اللائحة السوداء لمجلس الأمن الدولي لعدد من الشخصيات الصومالية المتهمة بالضلوع في أنشطة إرهابية، وقال إن أويس اشترط أولا أن يعد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة لحذف اسمه قبل أن يوافق لاحقا على الانضمام لعملية السلام الجارية، معتبرا أن هذا غير معقول أو مقبول.

* أنت عدت للتو من زيارة لمقديشو، ما هدفها؟

ـ أولا أنا منذ توليت منصبي، أكدت أنه من الضروري أن نزور مقديشو. وقبل الزيارة كان لا بد من الحصول على إذن من المركز الرئيسي في نيويورك، وحصلت بالفعل عليه قبل ساعات من قيامي بالزيارة. وقد كان الهدف من الزيارة تفقد الأمور ولو لفترة قصيرة، وتقديم الدعم للشعب الصومالي، وتذكير الساسة الصوماليين بأن شعبهم وبلادهم أصبحت رهينة لطموحهم. فالزيارة مساندة للشعب الصومالي، خاصة اللاجئين.

وكنا نريد أن نسمع من القادة الصوماليين آراءهم وأطروحاتهم المختلفة من أجل حل المشكلة الصومالية. هذا الشعب بات رهينة لأفراد من النخب السياسية. فهم المسؤولون عما أصاب الصوماليين من مآسي منذ مطلع التسعينات. لاحظت أن كل عامين أو ثلاثة تبدأ دورة حرب جديدة، من خلال مجموعة تسعى للسلطة بأهداف مختلفة.

* لكن الزيارة جرت في أجواء من السرية؟

ـ نعم، هذا صحيح، لأن مقديشو مدينة خطيرة والأمن شبه معدوم فيها.

* كيف كانت محادثاتك مع الرئيس الصومالي؟

ـ الرئيس أكد لي أن المتمردين، يفضلون الحرب. والواقع، فإن الصوماليين مختلفون في كل شيء.. هل تعلم أن لديهم 340 موقعا إلكترونيا على شبكة الإنترنت، هذا رقم كبير.. يظهر حقيقة الاختلافات. كلهم يقول ما يريد.

* هل تتحدث عن المعارضة فقط؟

ـ لا. أتكلم عن الصوماليين عامة، لكل واحد رأي، وكل واحد شيخ أو جنرال، ويمكن أن يكون الرقم الذي ذكرته أكثر، لكن هذه هي معلوماتي المتاحة الآن.

* كيف رأيت العاصمة مقديشو؟

ـ حسن. أنا زرت العاصمة في الثمانينات وكان الوضع بكل تأكيد مختلفا، الآن الأوضاع شيء يدعو للحزن والأسف.

* ومع ذلك أنت تدعم الشيخ شريف؟

ـ نحن بالأساس ندعم الشعب الصومالي وشرعيته، فالأمم المتحدة ومنظمة «إيقاد» (الأفريقية) والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، كل هؤلاء يعترفون به ويساندوه.. وضروري أن تفهم المعارضة هذا. الحكومة حصلت على دعم إقليمي كبير، وأتصور أن دعم منظمة دول «إيقاد» كان غير عادي، فوزراؤها قدموا دعما للحكومة من دون شروط، والحكومة صارت أقوى، والأطراف الأخرى تعرف ذلك. ومع ذلك نقول إن حوار جيبوتي الذي بدأناه مؤخرا لم ينته وما زال مفتوحا. الصوماليون كانوا يقولون إن التوصل إلى سلام لا بد أن يسبقه خروج القوات الإثيوبية، وأنا ساعدت في خروج هذه القوات منذ يناير (كانون الثاني).. ولكن الحرب مستمرة.

* هل كانت زيارتك الرد على تكهنات بأن الشيخ شريف سيفقد السيطرة؟

ـ هذه المحاولة الأخيرة ضد الشيخ شريف التي جرت في السابع من الشهر الحالي، ساهمت في تقوية موقف شريف.. وأصبح أقوى من أي وقت مضى. أنت تعلم أن كل شخص في الصومال لديه حزب أو تكتل.. لكن هذه المحاولة عززت النشاط والتنسيق بين الحكومة وكثير من تلك الجهات. أصبح الموقف موحدا أكثر من ذي قبل، وباتوا يفكرون في تحسين نظامهم الأمني، وفهموا أن من الأفضل اللجوء لذوى الخبرة في هذا المجال بدلا من الآيديولوجيين.

* هل تعتقد أن الشيخ شريف ما زال قادرا على السيطرة على المدينة؟

ـ نعم نعتقد أن الأزمة الأخيرة عززت من قدرات الحكومة الانتقالية، وصار هناك تنسيق وتعاون بين أعضائها أفضل من السابق، لا تنسَ أنها حكومة جديدة تكونت فقط منذ خمسة أشهر ومعظم أعضائها بلا خبرة تقريبا، ولا شك عندي في أن المحاولة ضدهم عززت مواقفهم ورؤية الشارع الصومالي لهم. من الضروري أن يحل الصوماليون مشكلاتهم بأنفسهم، وندعو لعودة الصوماليين، من سياسيين ورجال أعمال، المشردين في دول أخرى مثل مصر أو كينيا أو أميركا أو بلاد الغرب. هذا وضع يجب أن ينتهي.

* أنت تحدثت مؤخرا عن وجود تنظيم القاعدة في الصومال؟

ـ أنا لم أقل «القاعدة»، أنا لا أتكلم عن «القاعدة» أو غيرها، أنا قلت أجانب، يمكن أن يكون لديهم أهداف سياسية أو مالية أو اقتصادية أو دينية، وتكلمت فقط عن الأجانب. ومن المعلومات الموجودة لدينا أن نحو 300 أجنبي يقاتلون في الصومال. يمكن أن يكونوا قد جاءوا من كينيا أو هم الصوماليون المتجنسون في أوروبا وأميركا. طبعا هناك أفراد من آسيا والشرق الأوسط، لكن ليس لدي خبرة بـ«القاعدة» ولا كلمت واحدا منهم. لكن الموجودين في الصومال نحو هذا العدد، أو يمكن أن يكون أكثر أو أقل.

* هل لديك تفسير للوضع الصومالي؟

ـ أعتقد أن القيادة والأطر السياسية تتطور كل فترة من عامين إلى خمسة. الهدف باقي.. لكن الأسلوب يتغير، بعد (الرئيس السابق) سياد بري أصبح النظام قبليا، ولاحقا دينيا، وأحيانا ماديا واقتصاديا، وأخيرا ظهرت القرصنة.. والقراصنة يعتقدون أنهم يحافظون على سيادة الصومال على المياه الإقليمية. نحتسب الصومال دولة إسلامية، ونحترم أفكارهم، لكن كل فترة يتجدد البرنامج.

*الشيخ أويس عين أمس رئيسا للحزب الإسلامي بدلا من الدكتور إيمان أبو بكر، كيف ترى هذا؟

ـ بعض هؤلاء لديهم مشكلة قديمة مع مجلس الأمن، ووجودهم في مناصب رسمية قيادية يضعهم في أزمة وورطة ويضع بلادهم وشعبهم كذلك، أنا قلت أكثر من مرة إنني مستعد أن أكون المحامى الخاص بهم وأحاول إقناع مجلس الأمن الدولي بحذف أسمائهم من تلك اللائحة السوداء، طلبت منهم أن يعطونا فرصة للعمل وأن يساعدونا كي نتمكن من مساعدتهم. وبدلا من القتال والحرب نلجأ إلى السلام والمفاوضات. تحدثت إليهم، وأذكر أننى تحدثت إلى شخص قريب من الشيخ أويس، قلت له: صاحبك يقول إنه رجل محترم. عليه أن يثبت ذلك ويبرهنه عمليا بأن يعلن أنه مع المصالحة والسلام.. بعدها أبدأ أنا التحرك، لشطب اسمه من قائمة الإرهاب.. لكن الرد جاء صادما؛ قال إن أويس يشترط على مجلس الأمن أن يعقد جلسة خاصة لشطب اسمه أولا قبل أن يعلن أنه مع السلام.. هل هذا معقول أو مقبول؟ بالطبع لا.

* ماذا عن الوضع الإنساني؟

ـ تقريبا 70 ألف لاجئ صومالي عادوا إلى منازلهم في العاصمة بعد خروج القوات الإثيوبية.. أما الآن، وبعد تجدد الاشتباكات، فإن 50 ألف صومالي بدأوا موجة نزوح جديدة خوفا من تدهور الوضع الأمني.

*كيف ترى الحل؟

ـ الأفضل أن يتفاهم الصوماليون فيما بينهم بدلا من استمرار القتال إلى ما لا نهاية أو تجديد دائرة العنف أو تلك الدائرة المغلقة المميتة التي يدور الجميع في فلكها بدون هدف محدد. أنا متحمس للصومال، لا تنسَ أنني موريتاني من بلد يعانى تقريبا نفس مشكلات الصومال، أسعى لمساعدة الصوماليين، لكن عليهم أولا أن يساعدوا أنفسهم.

* هي إذن حرب لا غالب ولا مغلوب؟

ـ نعم لن ينتصر أحد ضد أحد، والأفضل أن تنتهي موجة العنف ويجلس الفرقاء المتناحرون على مائدة مفاوضات لتقرير مصير بلدهم، أما غير ذلك فعبث. الصومال كان دولة منسية.. الآن الوضع تغير. ثمة اهتمام دولي وإقليمي بمحاولة وضع حد لهذه المأساة، لكن البعض لا يريد لهذه المأساة أن تنتهي.. لذلك علينا أن نشجع فقط الراغبين في السلام والمصالحة الوطنية.