باكستان: المناهج التعليمية في المدارس الدينية تحت المراقبة

شكوك حول قيام مدارس تعليم الفقه والشريعة بتغذية التطرف.. وإسلام آباد تعهدت بإصلاح المناهج الدراسية بها

طلاب مدرسة دينية في بيشاور (رويترز)
TT

يتكون حرم جامعة دار العلوم الحقانية، التي يطلق عليها البعض (مدرسة الجهاد)، من عدد من المباني الشاحبة بلون الموتى، حيث يقضي عدد من الشباب، ممن أطلقوا لحاهم وارتدوا الطاقيات البيضاء، نهارهم وليلهم على الأراضي الأسمنتية يتعلمون آيات القرآن الكريم. ويقول سيد يوسف شاه مدير الجامعة التي تضم 3.000 طالب: «إن تحول بعض خريجي الحقانية إلى مقاتلين في صفوف طالبان أو إلى انتحاريين ليس من شأن الجامعة، فربما يعمل أحد الخريجين صحافيا وآخر سائقا أو في وظائف عليا. نحن لا نسيطر على ما يقوم به الطلاب بعد التخرج».

وأضاف شاه: «نعم، منحت الجامعة زعيم طالبان أفغانستان، الملا محمد عمر الدكتوراه الفخرية. وما الذي يمنع في ذلك؟ لقد منحناه إياها لأنه ذكي ومستقيم ولديه كثير من الصفات الرائعة». كان الرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري قد تعهد نتيجة للضغوط الأميركية بإصلاح نظام الجامعة في إطار الحملة ضد التمرد، التي تأتي من بينها العملية التي يقوم بها الجيش الباكستاني في وادي سوات. وخلال الأعوام القليلة الماضية لم يبد كثير من الباكستانيين قلقا بالغا تجاه تزايد نفوذ طالبان و«القاعدة» في المناطق القبلية، بيد أنه مع اقتراب المقاتلين من العاصمة، بعد الاتفاق المثير للجدل الذي يسمح بتطبيق الشريعة في وادي سوات، بدأ الباكستانيون في الشعور بالقلق من التطرف. وهو ما يمكن أن يعزز الضغوط الداخلية لإصلاح المدارس الدينية، على حد قول بعض المحللين.

ولا تبدو على شاه أي مظاهر للقلق، فقد قال إنه سمع ذلك من قبل من عدد من القادة الباكستانيين مثل الجنرال برويز مشرف، ورئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، التي لقيت مصرعها في انفجار قنبلة، ورئيس الوزراء الأسبق نواز شريف. وقال وهو يعبث بساعته الذهبية وهاتفيه الجوالين: «لقد قالوا جميعا إنهم سيغيرونه، لكننا أقوياء جدا، ولن يحدث ذلك، لأن تلك مجرد وعود لإرضاء الأميركيين». يميل الخبراء إلى المصادقة على كلام شاه، فقد قاوم منهج الجامعة وأسلوب الدراسة فيها دراسة القرآن الكريم والعلوم الدينية الأخرى، باستثناء بعض العلوم الأخرى مع تركيز كبير على تعليم الطلاب الطاعة العمياء، وقاوموا التغيير لقرون عديدة.

وتتبنى الغالبية العظمى من المدارس الدينية في باكستان، والتي يقدر عددها بنحو 20.000 مدرسة منهجا معتدلا، عدا بضع مئات من المدارس، التي تعلم صورا من الإسلام المتطرف، يقول الخبراء إنهم يقدمون تدريبا على القتال والجهاد أو الحرب المقدسة، وجامعة الحقانية التي تقع في إقليم الحدود الشمالي الغربي، على بعد 30 كيلومترا شرقي بيشاور، موجودة ضمن قائمة تلك المدارس.

وقد اتضح دور الجامعة في تغذية التطرف عندما أدت مكالمة هاتفية من الملا محمد عمر تطلب العون إلى سفر المئات من طلاب الجامعة عبر ممر خيبر إلى أفغانستان لمساعدة الملا عمر زعيم طالبان في السيطرة على مدينة مزار الشريف الواقعة شمال أفغانستان.

وقال شاه إن التقارير التي وردت بشأن إغلاق المدرسة دعما للنضال غير صحيحة، «فقد أغلقت المدارس التي تضم 20 إلى 40 طالبا، لكن جامعة بها 3.000 طالب لا يمكنها أن تغلق أبوابها تماما».

وأشارت روبينا سايغول، المتخصصة في مجال التعليم والناشطة الحقوقية التي قدمت أطروحتها للدكتوراه عن المناهج الباكستانية، إلى أن التطرف في نظام المدارس الدينية أمر يبعث على القلق، لكن المشكلة الأكبر، كما قالت، هي أن هذه المدارس تقدم دعما تكتيكيا للجيش الباكستاني الذي يرى في الشباب المتطرف عملاء محتملين في حرب الوكالة ضد الهند حول كشمير. وأردفت أنه حتى يقرر الجيش أن المدارس الدينية لم تعد تحمل فائدة بالنسبة له فإن إصلاحا يحمل دلالة غير متوقع الآن. وقالت: «قد نظروا إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم جيش مواز».

ويقول الخبراء إنه على الرغم من دور المدارس في تخريج متطرفين، إلا أنه من المهم عدم تحميلها قدرا كبيرا من السخط والتمرد والشعور المعادي للولايات المتحدة السائد في باكستان.

والحقيقة هي أن جذور الغضب أعمق من ذلك بكثير، وترتبط بصورة دائمة بالحكومة الباكستانية التي تئن من وطأة الفساد وتفشل في توفير الأمن أو الخدمات الأساسية في الإقليم الحدودي، وهو الأمر الذي أحدث فراغا تمكنت طالبان من ملئه.

علاوة على ذلك، فأقل من 2% من الطلاب الباكستانيين مقيدون ضمن هذه المدارس التي تعد معاقل للتطرف. وتقول كريستين فير، المحللة في مؤسسة «راند»، وهي مؤسسة بحثية تتخذ من مدينة سانتا مونيكا مقرا لها: «إن المدارس عرَض وليست سببا».

ويمكن أن تشكل الظروف المعيشية عامل حسم في قرارات العائلة بقدر التطرف في تعليم أولادهم، فغالبية المدارس الدينية تقدم أماكن مجانية ومدارس، وهو ما يجذب عددا كبيرا من أبناء العائلات المعدمة.

ويشير سعيد أحمد، الذي يبلغ من العمر 29 عاما، إلى أنه أدرك مدى ضآلة تعليمه بعد أن ترك المدرسة. فقال: «كان والدي يعمل في مدرسة دينية وكان يعتقد أن كل ما يحتاجه المرء هو معرفة القرآن الكريم. لم نكن نملك كثيرا من المال حينها، لكنه عندما رآني بعد ذلك أناضل لكي أفتح شركتي الخاصة من دون حصولي على قسط من الرياضيات أو علوم التجارة أو الحاسب الآلي، اعترف بأنه اقترف خطأ».

ويحاول أحمد الآن الإنفاق على تعليم إخوته الصغار الأربعة، الذين يكافئون صنيعه بمساعدته في إدارة مشروع الغاز المسال الذي يملكه.

ويستنكر شاه فشل الجامعة في إعداد خريجيها للحياة العملية، وللتدليل على صدق حديثه، أشار إلى غرفة الحاسب الآلي التي تحتوي على عدد من المناضد التي قال إنها متاحة أمام طلاب الجامعة، لكنها كانت مغلقة.

وأشار قيصر محمود بات، وهو واعظ ومؤسس مدرسة «جمعية سبيل الرحمات» في بيشاور التي تعد من بين المدارس التي تقدم منهجا مختلطا في باكستان، إلى أن الإصلاح الذي سيتم بأمر الدولة لن يتحقق. وقال: «إن الأسلوب الأمثل يتمثل في إنشاء مدارس تقوم على تدريس منهجين مزدوجين، وما أن تبدأ الأسر في الإحساس بالفوائد التي تعود عليها من تعلم اللغة الإنجليزية والمهارات الأخرى التي يتمتع بها أبناء الصفوة حتى يضغطوا على المدارس الأخرى لاتباع هذه النظم التعليمية. ويقول بات: «إن هذه المدارس لا تعلم الطلاب لكي يكونوا مقاتلين أو يهاجموا الأميركيين، ولكن لأن خريجيها مطيعون ويتوافر لهم الملجأ ويخضعون إلى عناية دقيقة، فلذا يكون من السهل التلاعب بهم». ويضيف بات: «بإمكاني الذهاب إلى منطقة ريفية الآن، وأن أخبر أحد الشباب هناك أن هذه الورقة الصغيرة تذكرة إلى الجنة وأن أحمله على الذهاب إلى مكان ما بقنبلة انتحارية، لكنني إذا ما حاولت ذلك وسط أبناء المدينة الذين تلقوا تعليما جيدا فسأكون بحاجة إلى عدد كبير من الشهادات كي يصدقونني، ومع ذلك فلن أفلح».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»