إدارة أوباما تدرس إجراءات رمزية ضد إسرائيل قبل زيارته للمنطقة

تشمل وقف التأييد الدائم واستخدام الفيتو بمجلس الأمن إذا مضى نتنياهو بتوسيع الاستيطان

تاجر تحف يحمل قطعة نحاسية مكتوبا عليها «اوباما توت عنخ امون العالمي الجديد» في محله بمنطقة خان الخليلي في القاهرة وذلك بمناسبة زيارة الرئيس الاميركي لمصر بعد غد الخميس (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما للتوجه إلى منطقة الشرق الأوسط حيث سيزور الرياض الأربعاء قبل أن يتوجه إلى القاهرة الخميس لإلقاء خطابه الموجه إلى العالم الإسلامي، يجري مسؤولو البيت الأبيض نقاشات حول كيفية تشديد موقف الولايات المتحدة ضد أي عمليات توسع في المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية.

وتتضمن الإجراءات التي تجري النقاشات حولها، وجميعها لها رمزية بدرجة كبيرة، سحب الدعم الأميركي شبه الدائم لإسرائيل داخل الأمم المتحدة إذا لم يوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تجميد عمليات بناء المستوطنات، حسب ما يقوله مسؤولون في الإدارة. ونقلت «نيويورك تايمز» عن هؤلاء المسؤولين أن الإجراءات الأخرى تتضمن التراجع عن أي فيتو داخل مجلس الأمن ضد قرارات الأمم المتحدة التي تعارضها إسرائيل والاستفادة من موقع أوباما لانتقاد المستوطنات. ويضيف مسؤولون أن المناقشات لا تشمل وضع شروط على ضمانات القروض المقدمة إلى إسرائيل، كما فعل الرئيس جورج بوش الأب قبل قرابة 20 عاما. وسيمثل الحديث عن إجراءات، حتى لو كانت رمزية، لإظهار غضب الولايات المتحدة من إسرائيل، حليفها القديم، اختلافا كبيرا عن المنحى الذي اتبعته الإدارة السابقة، التي حصرت نفورها من التوسعات في المستوطنات الإسرائيلية على كلمة تمت صياغتها دبلوماسيا بحرص وهي ‌كلمة «غير مفيدة». ومن المقرر أن يلقي الرئيس أوباما خطابا كثرت التوقعات بشأنه إلى العالم الإسلامي من مصر يوم الخميس. وقال مسؤول في الإدارة: «هناك أشياء سوف تلفت انتباه الشعب الإسرائيلي»، وذلك في إشارة إلى قناعة داخل الإدارة بأن أي رئيس وزراء إسرائيلي يخاطر سياسيا إذا رأى الناخب الإسرائيلي أنه يعرض علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة للخطر. ولكن، يضيف المسؤول: «تعد إسرائيل حليفا مهمّا للولايات المتحدة، ولا يتوقع أحد داخل الإدارة ألا يستمر ذلك». وتحدث المسؤول شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مسموح له مناقشة القضية علنا. وعندما سئل يوم الخميس عما سوف يقوم به إذا استمر نتنياهو في إعاقة تجميد المستوطنات، قال أوباما إنه ليس جاهزا بعد ليقول «ماذا لو لم يحدث ذلك». وأضاف: «في حديثي مع رئيس الوزراء نتنياهو، كنت واضحا بخصوص الحاجة إلى وقف المستوطنات، وضمان أننا نوقف بناء مستوطنات بعيدة، وبخصوص العمل مع السلطة الفلسطينية لتقليل بعض من الضغوط التي يعاني منها الشعب الفلسطيني بخصوص السفر والتجارة».

وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن أوباما لن يجعل كلمته التي سيوجهها من القاهرة مخصصة بالكامل عن النزاع العربي الإسرائيلي، ولكنه سوف يسعى للتواصل مع المسلمين في عدد من القضايا التي تواجه الإسلام والغرب، بما في ذلك أفغانستان وباكستان وإيران. ولكن، يقول مسؤولون بالإدارة إن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني سوف يكون في جوهر الكلام. وقال الرئيس أوباما في تصريحات للصحافيين الأسبوع الماضي: «أريد استثمار المناسبة لتوجيه رسالة أوسع عن الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تغير بها علاقتها مع العالم الإسلامي للأفضل، ولكن بالتأكيد، سنحتاج إلى الحديث عن قضية السلام في الشرق الأوسط، حيث إنه يمثل عاملا مهما في عقول كثير من العرب في دول المنطقة، وخارجها».

وتأتي رحلة أوباما للشرق الأوسط قبل زيارة يقوم بها أوباما لفرنسا، حيث يخطط لأن يمشي على شواطئ نورماندي مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأن يزور معسكرا ساعد أحد أقاربه القدامى على تحريره في بوخنفالد بألمانيا. وستعطي رحلة الشرق الأوسط لأوباما فرصة كي يحدد كيف يخطط لإدارة علاقة أميركا بالعالم الإسلامي. وحسب المسؤولين الأميركيين، فإن أوباما سيقترح خطوات عربية يمكن أن تجعل إسرائيل تقوم، في المقابل، باتخاذ إجراءات بصورة أسرع بخصوص عملية السلام، وزيادة المساعدات للفلسطينيين. ويقول مسؤولون في البيت الأبيض إنهم يريدون موافقة أكبر من جانب العرب على خطط أوباما للسلام. يشار إلى أن الرؤساء الأميركيين السابقين، لا سيما جورج دبليو بوش، سعوا وراء الغاية نفسها، ولكن من دون أن يكون لهم حظ كبير. ويقول غيث العمري، وهو مفاوض سابق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس: «بعد أن رفع أوباما من وتيرة الضغوط على الإسرائيليين فيما يتعلق بتجميد المستوطنات، يأتي الوقت لبدء زيادة الضغوط على الدول العربية لشيء في المقابل. السعودية هي المفتاح لباقي العالم العربي».

وربما تكون السعودية جزءا من المفتاح لمعالجة الوضع المرتبك داخل باكستان، ويأمل مسؤولون في إدارة أوباما أن تستخدم السعودية نفوذها مع القيادي الباكستاني المعارض نواز شريف لصياغة طريقة لاستعادة بعض الاستقرار إلى الساحة السياسية الباكستانية المضطربة في الوقت الذي أصبح فيه الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أقل شعبية. ويقول مساعدون إنه علاوة على ذلك، فمن المحتمل أن يتطرق أوباما إلى إيران، وخطط الانسحاب من العراق. كما ينتظر أن يتحدث عن قراره بإغلاق معتقل غوانتانامو، بكوبا، وأن يشير في كلمته إلى مساهمات المسلمين في المجتمع الإسلامي والعالم بأسره. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن السعودية تسعى إلى الحصول على تأكيدات من واشنطن حول استعدادها للضغط على إسرائيل بقوة من أجل تحقيق اختراقات في عملية السلام، وقال مصدر رسمي سعودي للوكالة إن أوباما وفريقه «يأتون إلى السعودية وبجعبتهم الكثير من المصداقية». وأضاف: «نحن على نفس الموجة معهم».

وذكرت مصادر دبلوماسية أن الرياض رحبت بتعيين جورج ميتشل مبعوثا للولايات المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، وسبق لميتشل أن قام بزيارات إلى المملكة خصصت «للاستماع» إلى وجهة نظر القيادة السعودية.

ويتوقع السعوديون أن يشدد خطاب أوباما في القاهرة على دعم مبدأ الحل القائم على دولتين، الأمر الذي تلحظه مبادرة السلام العربية التي أعيد إحياؤها في الرياض عام 2007 بعد خمس سنوات من إطلاقها في بيروت.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الخارجية السعودية أسامة النقلي أنه لا يمكن اعتبار كل خطة من خطط السلام، حصرية بالضرورة. وقال النقلي «إنها مرجعيات وقد أكد عليها المجتمع الدولي. إذا علينا أن نتحرك على أساسها».

إلا أن النقلي اعتبر أنه من المبكر التحدث عن اتفاق سلام ممكن، نظرا إلى مقدار التحدي الذي أبداه نتنياهو إزاء أوباما خلال لقائه به منتصف الشهر الماضي. وقال النقلي «إن ما شهدناه هو تصريحات سلبية أتت من جانب إسرائيل، وهذا مصدر قلق بالنسبة للسلام في المنطقة بأسرها». وفي القاهرة وضعت أجهزة الأمن خطة أمنية واسعة النطاق لتأمين كل الطرق التي سيمر بها أوباما، ونقلت تقارير إعلامية عن مسؤول أمني كبير قوله «إنها خطة كبيرة لم نشهد مثلها من قبل»، حيث تشمل الخطة انتشارا للشرطة في كل مكان (الشوارع وأسطح المنازل)، ويشارك في تنفيذها كل أجهزة وزارة الداخلية، بالإضافة إلى فريق أمني كبير.

من جانبها اعتبرت الحكومة المصرية الزيارة «علامة فارقة»، معربة في بيان رسمي ألقاه الدكتور مفيد شهاب وزير المجالس النيابية والشؤون القانونية أمام مجلس الشورى، عن أملها في أن تتفهم الولايات المتحدة مشاعر العالم العربي وحقه في استرداد مقدساته التي حرم منها، وأشار شهاب إلى العمق الحضاري لمصر، الذي يؤهلها كمكان مناسب لتوجيه ذلك الخطاب، فيما طالب نواب «الشورى»، الرئيس أوباما باتخاذ خطوات محددة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وإنهاء سياسة التحيز لإسرائيل على حساب الحقوق العربية، وسرعة الانسحاب من العراق.

كما رحب الحزب الوطني الحاكم في مصر بالزيارة، وقال الحزب على لسان أمينه العام صفوت الشريف «إن المصريين يتطلعون لأن تكون زيارة أوباما لمصر بمثابة إنهاء لعصر الدعوة إلى الفوضى الخلاقة وصراع الحضارات واستخدام القوة المفرطة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول».

في غضون ذلك أشارت مارغريت سكوبي، سفيرة أميركا في القاهرة، إلى أن الرئيس أوباما سيجري قبيل زيارته لمصر مباحثات مهمة حول قضايا المنطقة مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يعد صديقا للولايات المتحدة ويحظى بالاحترام.

وأضافت خلال مائدة مستديرة عقدتها مساء أول من أمس «إن أوباما سيؤكد في خطابه أنه لا يوجد تناقض بين القيم الأميركية والعالم الإسلامي، وأن الإسلام دين ثري متعدد الأوجه ويمتاز بالتنوع ومنتشر في جميع دول العالم».

وفيما يتعلق بحضور ناشطين لحقوق الإنسان لخطاب أوباما، أكدت سفيرة الولايات المتحدة رغبة الجانب الأميركي في مشاركة جميع فئات المجتمع المصري من طلاب وممثلي منظمات المجتمع المدني الحكومية وغير الحكومية التي تعنى بالتنمية الديمقراطية وتحصل على دعم مالي من الولايات المتحدة في مصر وجميع دول العالم.. وقالت إن «دعم هذه المنظمات لا يعني الرغبة في تغيير الحكومات».

وتحدثت سكوبي عن قلق بلادها من «التهديد النووي الإيراني»، قائلة «إن أميركا تعمل مع الحلفاء والأصدقاء لاتخاذ خطوات لإقناع إيران بأنه ليس من مصلحتها الاستمرار في تبني سياستها الحالية».