«القاعدة» تتهاوى في باكستان

هجمات الطائرات بدون طيار «بريداتور» قضت آمال تنظيم بن لادن في الشريط القبلي

TT

أكد مسؤولون عسكريون، ومسؤولون من الاستخبارات الأميركية، أن الهجمات الصاروخية التي تشنها الولايات المتحدة بالطائرات بدون طيار، والهجوم العسكري المستمر للقوات الباكستانية على وادي سوات وحوله، قد أثرت على «القاعدة» تأثيرا شديدا، وقوضت المخابئ التي كانوا يحتمون بها في الجبال الباكستانية الحصينة. ويوفر ذلك الهجوم المزدوج فرصا جديدة لحصار واستهداف المتطرفين، ويرسل إشارات بإمكانية القضاء على «القاعدة» وسط النظرة التشاؤمية السائدة حول الصراع في أفغانستان وباكستان. وعلى الرغم من أن «القاعدة» «لا زالت تمثل تهديدا خطيرا وقويا» ـ على حد قول أحد المسؤولين بقوات مكافحة الإرهاب الأميركية ـ فإنهم قد تكبدوا خسائر كبيرة، ويبدو أن شعورهم بالقلق يتزايد. وذلك أمر حسن.

ويقول مسؤول عسكري بارز، إن الهجوم في سوات ضد حركة طالبان يمثل إشكالية بالنسبة لتنظيم القاعدة أيضا، «فهم يسألون أنفسهم، هل سوف نقاتل؟» وتنبئ خسائر طالبان ـ على حد قول المسؤول ـ بأن «القاعدة» سوف «تضطر للتحرك» ومن ثم، تلجأ للتواصل عبر الهواتف الجوالة والحواسيب، حتى وإن كان بغرض جمع المعلومات المتعلقة بالوضع في المنطقة فقط، «وبالتالي سيصبحون أكثر ظهورا». ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الاستخبارات الأميركية والقوات البرية الباكستانية قادرة على الإفادة من تلك الفرص قبل أن تنتهي، ففرص اعتراض الاتصالات الأساسية للقاعدة أو استغلال حركة الأفراد يمكن أن تتلاشى سريعا، وفقا لما قاله عدة مسؤولين بكلتا الحكومتين، اشترطوا عدم الإفصاح عن هويتهم خلال حديثهم حول عمليات مواجهة المسلحين، والعلاقات الثنائية بين البلدين. ويقول مسؤولون أميركيون وباكستانيون، إن هجمات الطائرات بدون طيار استطاعت منذ الخريف الماضي تدمير ما يقرب من نصف الأهداف الـ20 لتنظيم القاعدة والمتطرفين الآخرين ـ التي حددتها الولايات المتحدة ـ على الحدود الباكستانية الأفغانية. ولكن تلك الهجمات قد تسببت كذلك في مقتل المدنيين، مما أسهم في زيادة المواقف المعادية لأميركا في باكستان، وهو ما يقلل من فرص التعاون بين إسلام آباد وواشنطن. يقول الجنرال العسكري ديفيد بيتراوس، رئيس القيادة المركزية العليا الأميركية، في تقرير سري قدمه في 27 مايو (أيار): «إن الحاجة إلى تأسيس شراكة أميركية ـ باكستانية قائمة على تبادل المنفعة والثقة، أصبحت ملحة إلا أن إمكانية تحقيق ذلك تمثل تحديا كبيرا نظرا للأحداث الجارية». وقد تم الإفراج عن ذلك التقرير أواخر الأسبوع الماضي، ليتم استخدامه أثناء طلب إدارة أوباما من المحكمة الفيدرالية منع نشر صور إساءة معاملة المحتجزين، حيث تحتج الإدارة الأميركية بأن الصور سوف تؤجج الهجمات ضد الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.

ويقول بيتراوس، في تقريره: «إن الشعور المناهض للولايات المتحدة يتزايد بالفعل في باكستان، خاصة، بسبب الهجمات الجوية التي تشنها عبر الحدود، التي يرى الباكستانيون أنها تسبب خسائر غير مقبولة بين المدنيين»، مضيفا أن حوالي ثلثي الباكستانيين يعارضون التعاون مع الولايات المتحدة، في إطار مواجهة الإرهاب، بينما يقول حوالي 35 في المائة إنهم لا يساندون الضربات الأميركية في باكستان، حتى وإن كانت بالتنسيق المسبق مع الحكومة الباكستانية والجيش الباكستاني.

ووفقا لتقارير من المنطقة في أواخر أبريل (نيسان)، فإن إدارة أوباما سمحت بشن أربع أو خمس هجمات بالطائرات بدون طيار خلال الشهر، وهو المعدل الذي كانت إدارة الرئيس السابق بوش قد حددته في أغسطس (آب).

وتقوم وكالة الاستخبارات الأميركية ـ التي لا تعترف علانية بتلك الهجمات ـ بالتحكم في الطائرات وتحديد الأهداف ـ بالتعاون مع الاستخبارات الباكستانية على الأرض ـ ولديها تفويض من البيت الأبيض بإطلاق الصواريخ بدون أي استشارة مسبقة خارج وكالة الاستخبارات.

يقول مسؤول باكستاني بارز، إن المعدل لم يختلف خلال الأسابيع الأخيرة، بالرغم من «أنك لا تسمع الكثير حول ذلك» وذلك لأن المناطق المستهدفة هي أماكن معزولة.

ويضيف المسؤول، «أهدافنا أصبحت أكثر دقة، والاستخبارات على الأرض أصبحت أفضل، وبالتالي قلت المخاطرة». ويؤكد ذلك مسؤول بالجيش الأميركي قائلا: «نحن لا نسقط مدنيين وبالتالي لا نثير غضبا أكثر من المعتاد».

وتعتبر الاستخبارات الأميركية طائرات البريديتور، أكثر الأدوات فعالية في صراع لا تستطيع فيه الولايات المتحدة شن عمليات هجومية برية أو جوية، ويؤكد ذلك مسؤول عسكري أميركي آخر قائلا: «نحن في مرحلة نشعر فيها بأنه لا يوجد شيء آخر يمكن أن يحل محلها». وكانت إدارة بوش قد سمحت خلال الصيف الماضي بشن غارات برية سرية داخل باكستان، ولكن الغضب الباكستاني الحاد عقب هجوم واحد في سبتمبر (أيلول) أدى إلى تعليق تلك العمليات. وعلى الرغم من أن فرق العمليات الخاصة الأميركية كانت دائما على أهبة الاستعداد على الجانب الأفغاني من الحدود، فإن إدارة أوباما لم تصرح بشن أي عمليات برية في باكستان، وبالتالي فإن الجيش منقسم حول صحة تلك العمليات. ويقول مسؤول عسكري متحمس لتلك الغارات: «نحن نطلبها طوال الوقت، ولكنهم يقولون إن الوقت ليس ملائما». ولكن فرق العمليات الخاصة البرية لديها ما وصفه ذلك المسؤول بأنه «أوامر دائمة» بشن هجمات ضد «الثلاثة الكبار» المتطرفين، الذين يعتقد وجودهم في باكستان وهم ـ زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، وزعيم طالبان الملا محمد عمر، وذلك إذا ما توافرت معلومات استخباراتية مؤكدة.

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بالـ«الشرق الأوسط»