واشنطن تكشف عن قائمة مواقعها النووية خطأ.. ثم تسحبها

يحتوي التقرير على تفاصيل البرامج والمنشآت النووية في 3 معامل للأسلحة النووية

TT

كشفت الحكومة الفيدرالية الأميركية خطأ، عن تقرير مكون من 266 صفحة، كتب على صفحاته «سري للغاية»، يتناول معلومات تفصيلية عن مئات من المواقع النووية المدنية في الدولة، ومن بينها خرائط توضح بدقة مواقع المخزون الاحتياطي من وقود الأسلحة النووية.

وتم الكشف عن نشر الوثيقة يوم الاثنين في نشرة بريدية على الإنترنت مخصصة لقضايا ذات طابع فيدرالي سري. وقد اشتعل الخلاف بين الخبراء النوويين حول المخاطر التي يشكلها ذلك الكشف، إن وجدت. وأثيرت أيضا موجة من التحقيقات في واشنطن حول سبب الإعلان عن الوثيقة.

ومساء الثلاثاء، بعد تساؤلات من صحيفة «نيويورك تايمز»، تم سحب الوثيقة من الموقع الإلكتروني لمكتب الطباعة الحكومي. وقال العديد من الخبراء النوويين إن أي مخاطر ناتجة عن الكشف لا تذكر، نظرا لأن الخطوط العريضة العامة لأكثر المعلومات حساسية معروفة بالفعل.

ويقول جون دويتش، المدير السابق للاستخبارات المركزية ونائب وزير العدل السابق الذي يعمل حاليا أستاذا في معهد ماسوشستس للتكنولوجيا: «تحدث مثل تلك الأخطاء. وذلك يتجاوز ما لم أكن لأتجاوزه، ولكنه لا يبدو انتهاكا خطيرا». ولكن يقول ديفيد ألبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، وهي جمعية خاصة في واشنطن تتعقب الانتشار النووي، إن المعلومات التي تظهر أماكن تخزين الوقود «يمكن أن تقدم للصوص أو الإرهابيين معلومات من الداخل يمكنها أن تساعدهم على الاستيلاء على المواد، وذلك النوع من المعلومات الذي لا يُفصح عنه».

وقد جمعت المعلومات، التي تعتبر سرية ولكنها غير محظورة، من أجل نقلها في وقت لاحق في العام الحالي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كجزء من العملية التي تفتح فيها الولايات المتحدة أبوابها أمام عمليات تفتيش صارمة أملا في أن تحذو حذوها دول أجنبية، مثل إيران وغيرها من المعتقد أنها تطور أسلحة نووية سرا.

وقد أرسل الرئيس باراك أوباما الوثيقة إلى الكونغرس في 5 مايو (أيار) لدراستها وإمكانية مراجعتها، وبالتالي أرسل مكتب الطباعة الحكومي مسودة الإعلان على موقعه الإلكتروني.

ومنذ مساء الثلاثاء، ظلت أسباب القيام بذلك التصرف غامضة. وعلى غلافها، تنسب الوثيقة نشرها إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. ولكن صرحت المتحدثة باسم اللجنة لين ويل، بأن اللجنة «لم تنشر الوثيقة أو تملك السلطة لنشرها».

وقال غاري سوميرست، المتحدث باسم مكتب الطباعة، إن المكتب «أخرج» الوثيقة «بموجب إجراءات عمل عادية»، ولكنه رفعها حاليا من على موقعه الإلكتروني انتظارا لمراجعة الأمر.

ولا تحتوي الوثيقة على معلومات عسكرية عن مخزون الأسلحة النووية في البلاد، أو المرافق والبرامج التي تحرس تلك الأسلحة. ولكنها تعرض ما يبدو أنه قائمة شاملة للمواقع التي يتكون منها المجمع النووي المدني في البلاد، والذي يمتد من الساحل إلى الساحل، ويشمل المفاعلات النووية ومواقع شديدة السرية في معامل الأسلحة.

وكشف ستيفن أفترغود، الخبير الأمني في اتحاد العلماء الأميركيين في واشنطن، عن وجود الوثيقة يوم الاثنين في نشرة بريدية إلكترونية ينشرها على الإنترنت تحت اسم سيكريسي نيوز.

وأعرب أفترغود عن حيرته بسبب الكشف عنها، قائلا إنها «مركز واحد لتقديم المعلومات عن البرامج النووية الأميركية.» وفي رسالة إحالة التقرير إلى الكونغرس، وصف أوباما المعلومات بأنها «حساسة ولكنها غير محظورة» وقال إن جميع المعلومات التي جمعتها الولايات المتحدة من أجل الالتزام بالبروتوكول المتقدم «يجب أن تعفى من الكشف عنها» بموجب قانون حرية المعلومات.

ويسرد التقرير تفاصيل مئات من المواقع والأنشطة النووية. وتحمل كل صفحة علامة في أعلاها بأحرف كبيرة: «ضمانات حساسة سرية للغاية»، فيما عدا بعض الصفحات التي تسرد تفاصيل إضافية مثل خرائط المواقع. وفي خطاب الإحالة، قال أوباما إن اللغة التحذيرية تقع في الفئة المحظورة لدى مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وتتبع الوكالة، ومقرها فيينا، الأمم المتحدة وهي مسؤولة عن تطبيق المعاهدة الدولية التي تحاول الحفاظ على البرامج النووية المدنية بعيدا عن الأعمال العسكرية السرية. وفي الأعوام السابقة، سعت الوكالة إلى تحقيق التزام واسع بمجموعة من القواعد التفتيشية الصارمة، المعروفة سابقا بالبروتوكول الإضافي. وتمنح القواعد للوكالة حقوقا جديدة قوية للتدخل فيما وراء المواقع النووية إلى المصانع ومناطق التخزين والمعامل وأي مكان آخر ربما تستعد فيه أية دولة لتدريب عضلاتها النووية. وقد وقعت الولايات المتحدة على الاتفاقية عام 1998 ولكنها تقدمت في الفترة الأخيرة فقط من أجل تنفيذها.

ويحتوي التقرير على العديد من تفاصيل البرامج والمنشآت النووية في ثلاثة معامل للأسلحة النووية: لوس ألاموس وليفرمور وسانديا، بالإضافة إلى عشرات من المواقع النووية الأخرى الفيدرالية والخاصة. ويبدو أن من أخطر المعلومات المعلن عنها هو مركز في معمل أوك ناشونال ريدج في تينيسي والذي يضم مجمع الأمن القومي Y-12، وهو موقع ممتد محاط بسياج من الأسلاك والحراس المسلحين. ويطلق على ذلك المكان فورت نوكس اليورانيوم عالي التخصيب، وهو الوقود الأساسي لصناعة الأسلحة النووية.

وأورد التقرير أن «تيوب فولت 16، إيست ستوراج أراي»، موقع محتمل للتفتيش النووي. وذكر أن الموقع، الواقع في مبنى 9720-5 يحتوي على يوارنيوم عالي التخصيب من أجل «التخزين لفترات طويلة».

وتوضح خريطة ملحقة موقع «تيوب فولت 16» (مدفن الأنابيب 16) تحديدا بطول أحد الأروقة وجهته بالنسبة للشمال الجغرافي، ولكن ليس موقعه في مجمع Y-12. ومدافن الأنابيب عبارة عن أسطوانات مدفونة في الأسمنت تمنع التكون المفاجئ لكتل خطيرة من اليورانيوم عالي التخصيب والذي يمكنه أن يسبب انشطارا نوويا، وهو ما يعرف بحالة الحرج. ووفقا لتقارير فيدرالية، يحتوي مدفن الأنابيب النموذجي على 44 طنا من اليورانيوم عالي التخصيب في 200 أنبوبة. وتراقب أجهزة رصد الحركة والكاميرات التلفزيونية كل مدفن.

ويصف توماس كوشران، العالم الكبير في البرنامج النووي في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهي جمعية خاصة في واشنطن تتبع الترسانات الذرية، أن الوثيقة لا ضرر منها. وقال كوشران: «إنها أفضل قائمة رأيتها» للمجمع النووي المدني في البلاد. ويضيف: «ولكنها لا تخترق الأمن القومي. بل تؤكد ما هو موجود بالفعل وتضيف القليل من المعلومات الأخرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»