تشيني قاد جلسات استماع للدفاع عن أساليب التحقيق المثيرة للجدل

من أشد المدافعين عن أسلوب الإيحاء بالغرق والتنصت على المحادثات الهاتفية

TT

أشرف نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني شخصيا على أربع جلسات استماع على الأقل مع أعضاء بارزين بالكونغرس. وقد تناولت تلك الجلسات برنامج التحقيق المثير للجدل، وذلك كجزء من الدفاع القوي والسري الذي تزعمه خلال عام 2005، في جهد منه للمحافظة على دعم أساليب الاستجواب القاسية المطبقة على المعتقلين. وحسبما أفاد مشرعون، ومسؤولون بالكونغرس، ومسؤولون استخباراتيون سابقون وحاليون، جاءت جلسات الاستماع التي تزعمها تشيني في أشد اللحظات حرجا بالنسبة للبرنامج، إذ كانت لجنتا المراقبة التابعتان للكونغرس تهددان بالتحقيق، أو حتى إنهاء هذه الأساليب. هذا، وقد تم جيدا توثيق الدور الذي اضطلع به تشيني في المساعدة في معالجة هذه القضايا الاستخباراتية خلال فترة إدارة بوش، لا سيما دفاعه المستميت عن استخدام أساليب الاستجواب القاسية، والتنصت على المحادثات الهاتفية، دون استصدار تفويض بذلك ضد الإرهابيين المزعومين، إلا أنه لم يتم الإعلان سابقا على الملأ عن وجود بصماته في الدفاع عن برنامج التحقيق أمام المشرعين. من جانبها، لم تذكر الاستخبارات المركزية الأميركية من قبل شيئا عن الدور الذي قام به تشيني في الوثائق التي سلمتها إلى الكونغرس الشهر الماضي، والتي أدرجت فيها اسم كل مشرع استمع إلى «أساليب الاستجواب القاسية» منذ عام 2002. وبالنسبة للاجتماعات التي أشرف عليها تشيني بنفسه، أوضحت وكالة الاستخبارات للجان الاستخبارات في الكونغرس أن المعلومات المتعلقة بمن أشرف على جلسات الاستماع هذه «غير متاحة». ولم تلق هذه المعلومات، التي تم الكشف عنها، بالضوء على ما إذا كان كبار الأعضاء الديمقراطيين على دراية بأن أسلوب الإيحاء بالغرق يتم استخدامه مع المشتبه بهم في الإرهاب مع بداية خريف 2002 أم لا، كما يزعم الجمهوريون. تجدر الإشارة إلى أن هذا النقاش هيمن على الكونغرس منذ الشهر الماضي، وذلك عندما اتهمت نانسي بيلوسي- رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، والتي لم تحضر أيا من الاجتماعات التي ضمت تشيني- الوكالة بتضليلها عمدا في جلسة الاستماع التي تم إجراؤها عام 2002 بشأن استخدام أساليب الإيحاء بالغرق. وأفاد مسؤول شهد إحدى جلسات الاطلاع التي تزعمها تشيني مع المشرعين أن وجود نائب الرئيس كان محسوبا لإضفاء المزيد من الثقل على قضية الاستخبارات المركزية الأميركية المتعلقة بالإبقاء والمحافظة على البرنامج. وترك تشيني الأمر إلى المختصين المتمرسين لصياغة ممارسات التحقيق، في الوقت الذي تزعم فيه دفاعا مستميتا عن هذا البرنامج. ويتذكر المسؤول قول تشيني «إن هذه قضية مهمة حقا لأمن الولايات المتحدة». وأحجمت الاستخبارات المركزية الأميركية عن التعليق على عدم التنويه بحضور تشيني لبعض هذه الاجتماعات في السجلات. وقال مسؤول استخباراتي، لم يرغب في الكشف عن هويته، إن الهويات الشخصية لمن حضروا الاجتماع أُخفيت عن عمد في كل الحالات، إذ لم تظهر أسماؤهم في أي من وثائق وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي تصف اجتماعات الاطلاع الخاصة بالكونغرس. وتابع أنه في بعض الحالات على الأقل لم يتم أبدا تدوين هوية مقدم المذكرة في السجلات الداخلية للوكالة. ومع ذلك، أوضحت الوثائق أن الوكالات تزعمت جلسات الاستماع، وأنها دعمتها في جميع الاجتماعات الأربعين المسجلة، عدا 7 منها فقط. وفي 5 منها على الأقل، ذكرت تلك الوثائق أن مايكل هايدن - مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية - هو من تزعم هذه الاجتماعات السرية. ومنذ مغادرته منصبه في يناير (كانون الثاني)، تزعم تشيني دفاعا علنيا متقدا بشأن ممارسات التحقيق والاستجواب. ولدى حديثه يوم الاثنين في ناشونال برس (نادي الصحافة القومي)، قال إن مسؤولي الاستخبارات المركزية تقدموا إلى البيت الأبيض عام 2002 بطلب السماح لهم باستخدام أساليب أكثر صرامة، مثل أسلوب الإيحاء بالغرق. وأوضح تشيني، الذي يحاول حاليا رفع حاجز السرية عن المعلومات التي تم الحصول عليها من المعتقلين ممن تعرضوا إلى أشد أساليب الاستجواب وحشية، قائلا «وافقنا عليها جميعا، وأنا من أشد المؤمنين بها. وأعتقد أنها كانت الشيء الصائب للقيام به». وأحجم العديد من أعضاء الكونغرس ممن شاركوا في الاجتماعات مع تشيني عن التعليق عليها، منوهين بالمخاوف التي تتعلق بالسرية، إلا أن هناك قليلا من الشك بأنه يتزعم مسؤولية هذه القضية. ويتذكر السيناتور الجمهوري ليندساي غراهام، الذي اختلف مع تشيني بشأن نظام الاستجوابات «لقد كان مكتبه هو المستهدف. لقد كان مكتبه الذي تعاملتم معه حتى نهاية اليوم». وطبقًا لمصادر استخباراتية، وأخرى من داخل الكونغرس، فقد جاءت إحدى أكثر جلسات تشيني انتقادا مع نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2005، وذلك عندما حاول نائب الرئيس، وبورتر غوس - مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك - إضافة السيناتور جون ماكين إلى برنامج أساليب الاستجواب. ووصف مسؤول مطلع الاجتماع بأنه كان مثيرا للنزاع. وحاول وقتها تشيني، وغوس - بالإضافة إلى مسؤول يعمل حاليا بالاستخبارات المركزية - إقناع أسير حرب فيتنام السابق بالعدول عن دعم تعديلٍ مناهض للتعذيب، الذي فاز فعليا بدعم 90 عضوا بمجلس الشيوخ. وكان من شأن تعديل ماكين إنهاء ممارسات مثل عملية الإيحاء بالغرق، وذلك عبر حظر المعاملة «الوحشية المزرية غير الإنسانية» للمعتقلين. ولم تستخدم الاستخبارات المركزية الأميركية عملية الإيحاء بالغرق منذ عام 2003، إلا أن البيت الأبيض سعى للاحتفاظ بالقدرة على استخدام هذا الأسلوب. وحسبما أفاد اثنان من المشاركين في الاجتماعات التي عُقدت مع المشرعين، كان تشيني متصلب الرأي حيال وجود حاجة إلى أساليب التعذيب القاسية للحفاظ على الأمن القومي. كما دافع عن إطلاع الكثير من المشرعين بخصوص هذا البرنامج، وذلك على نقيض رغبة مسؤولي مجلس الأمن القومي، إذ سعوا إلى إطلاع كبار أعضاء لجنتي الاستخبارات في الكونغرس فقط. في تلك الأثناء، عارض المشرعون تشيني ومسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية فيما يتعلق بشرعية البرنامج، ومارسوا ضغوطا للوصول إلى نتائج محددة حول ما إذا كانت هذه الأساليب تجدي نفعا، أم لا. واستجابة إلى ذلك، أفاد مقدمو المذكرات من الاستخبارات المركزية بأن نصف المعلومات التي حصلت عليها الوكالة فيما يتعلق بخطط وبنية «القاعدة» تم الحصول عليها من مثل هذه الاستجوابات. وقبل إطلاع ماكين، التقى تشيني مع اثنين من الأصدقاء القدامى، السيناتور ثاد كوكهران، وتيد ستيفنز، اللذين أشرفا على مشروع الإنفاق السنوي للبنتاغون الذي تم إلحاق تعديل ماكين به. وقال كوكهران بالأمس إنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها تزويده بوصف كامل لما يترتب عليه أسلوب محاكاة الغرق.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»