الأطراف الموريتانية توقع اتفاق مصالحة تاريخيا.. ينهي الأزمة السياسية بعد 10 أشهر على الانقلاب

تأجيل الانتخابات إلى 18 يوليو.. ورئاسة الحكومة ستكون من نصيب ولد عبد العزيز.. وإطلاق المعتقلين

مهاجر غير شرعي لدى وصوله إلى أحد الموانئ الإسبانية قادما من موريتانيا على قارب مع مجموعة من أقرانه (إ.ب.أ)
TT

وقعت الأطراف الموريتانية الثلاثة المعنية بالأزمة السياسية في نواكشوط، اتفاق مصالحة وطنية ينهي الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد منذ انقلاب السادس من أغسطس (آب) الماضي، بحضور الرئيس السنغالي عبد الله واد الذي قاد الوساطة. وحضر التوقيع على الاتفاق في وقت متأخر مساء أول من أمس، خصوم الأمس ممثلين بالجنرال محمد ولد عبد العزيز مرشح الرئاسة وأعضاء الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المساندة للرئيس المخلوع، وأحمد ولد داداه زعيم حزب تكتل القوى الديمقراطية أكبر أحزاب المعارضة، إلى جانب الرئيس السنغالي.

وينص الاتفاق الذي وقع الثلاثاء بالأحرف الأولى في العاصمة السنغالية داكار على تأجيل الانتخابات الرئاسية من السادس من يونيو (حزيران) إلى 18 يوليو (تموز) حتى يتسنى للمعارضة المشاركة فيها وتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل الانتخابات، وفتح المجال لتقديم الترشحات للرئاسة. كما ينص على استقالة الرئيس الذي أطاحه العسكريون في السادس من أغسطس (آب) 2008 سيدي ولد شيخ عبد الله.

وسيكون رئيس الوزراء ونصف أعضاء الحكومة من نصيب محمد ولد عبد العزيز الذي يحظى بدعم أغلبية كبيرة من نواب الجمعية الوطنية. ووقع الاتفاق رؤساء الوفود الثلاثة التي شاركت في حوار دكار، حيث وقعه عن الأغلبية المؤيدة للجنرال محمد ولد عبد العزيز، مدير حملته سيدي أحمد ولد الرايس، ووقعه عن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود، ووقعه عن حزب تكتل القوى الديمقراطية نائب رئيس الحزب محمد عبد الرحمن ولد أمين، كما وقعه الوسطاء الدوليون والضامنون.

وتعهد المتحدثون باسم الأقطاب الثلاثة بالعمل على احترام الاتفاق واحترام نتائج الانتخابات الرئاسية. ووقع الاتفاق أيضا ممثلون عن لجنة الاتصال الدولية والاتحاد الأوروبي والزعيم الليبي رئيس الاتحاد الأفريقي وممثل عن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي.

وأنهى حفل التوقيع مفاوضات صعبة تمت بمبادرة من السنغال بإشراف المجتمع الدولي. ولم يشارك الرئيس المخلوع في هذا الحفل لكن الرئيس السنغالي عبد الله واد الذي جاء خصيصا إلى موريتانيا لهذا الغرض، أشاد به وبـ«وطنتيه». وفي كلمة إلى الشعب الموريتاني قال واد «لقد شهدتهم استيلاء مجموعة من العسكريين على السلطة وهو ما يسمى بالانقلاب العسكري. وبواسطة الحوار نجحنا في إعادة النظام الجمهوري بفضل تفاني الرئيس سيدي ولد شيخ عبد الله».

وأضاف «أدرك ببساطة ما عجز عن إدراكه عدد كبير من رؤساء الدول وهو أن هناك فارقا بين السلطة والشعب. وقبل بأن يتم استشارة الشعب وهذه بادرة عظيمة». واكتفى واد بذكر اسم محمد ولد عبد العزيز في «كلمة الشكر» إلى الزعماء السياسيين الذين قدموا تنازلات للتوصل إلى الاتفاق. وكان القائد السابق للسلطة العسكرية في موريتانيا الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي كان يريد تنظيم اقتراع اليوم لينتخب رئيسا، علق حملته الانتخابية الأربعاء.

وخلال حفل التوقيع الذي أقيم في قصر المؤتمرات، هتفت عشرات النساء في الحضور باسم عزيز وسط الخطابات. ورفع أنصار الجنرال يافطات انتخابية. واحتج مفاوض من الجبهة المعارضة للانقلابيين تم مقاطعة كلمته، بالقول «المهم ليس عدد الأشخاص الموجودين في القاعة». أما الجنرال ولد عبد العزيز فلم يلق كلمة لكن ممثله سيد أحمد ولد ريس قال «سنحاول عبور هذه المرحلة الانتقالية معا وبهدوء بمشاركة كافة القوى السياسية. وسنجري انتخابات شفافة سنحترم نتائجها».

وأعلن الليبي محمد المدني الأزهري باسم رئيس الاتحاد الأفريقي معمر القذافي، أن «الفوز في 18 يوليو (تموز) سيكون فوز شعب موريتانيا الحر، وأؤكد لكم أننا سنكون دائما إلى جانب هذا الشعب والرئيس المقبل».

أما سعيد جينيت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لغرب أفريقيا فهنأ الشعب الموريتاني. ولم تكن موريتانيا، التي يقدر عدد سكانها بثلاثة ملايين وتصدر السمك والحديد، تتلقى بعض الأموال منذ إدانة الأسرة الدولية للانقلاب العسكري. وكتبت صحيفة «لو كوتيديان دو نواكشوط» أمس على صفحتها الأولى «موريتانيا تتصالح مع نفسها ومع الأسرة الدولية».

ومن جهة ثانية أعلن العقيد اعل ولد محمد فال الرئيس الموريتاني الانتقالي السابق (2005-2007)، ترشيحه إلى الانتخابات الرئاسية في 18 يوليو، كما صرح أحد المقربين منه. وقال أحد أفراد العائلة رافضا الكشف عن هويته لوكالة «فرانس برس»: «إنه مرشح إلى الانتخابات الرئاسية ويقوم بتحضير مقر حملته ومكاتبه التي ستفتح مساء الجمعة (أمس)»، مؤكدا أن العقيد «يمضي لياليه في إجراء الاتصالات مع شخصيات سياسية ستشرف على حملته».

وقال «لن أدخر جهدا في سبيل تعزيز الديمقراطية الحقيقية في بلادنا عبر وضع خبرتي المتواضعة في خدمة الشعب الموريتاني في هذه المرحلة الحاسمة في تطوره السياسي». وكان ولد فال الذي بنى مسيرته في السلك العسكري، أعرب في هذا البيان عن سعادته بتوقيع كبرى التشكيلات السياسية اتفاقا بشان تشكيل حكومة وحدة وطنية وتنظيم انتخابات رئاسية. واعتبر أن الطبقة السياسية «عرفت بطريقة حضارية كيف تتحمل مسؤولياتها عن طريق إنقاذ البلد من المخاطر الجدية التي تهدده»، مؤكدا أنها «اختارت طريق الحكمة والإحساس بالمصلحة العليا للأمة».

وبعد انقلاب الصيف الماضي الذي قاده رفيق السلاح سابقا وابن عمه الجنرال محمد ولد عبد العزيز، نأى ولد فال بنفسه عن الانقلابيين عندما قال «إذا استمر المجلس العسكري، فإنه سيغرق البلاد أكثر في نفق مظلم لا مخرج له». والكولونيل ولد فال الذي بات معروفا في الخارج من خلال محاضرات حول العملية الانتقالية الديمقراطية، كان قائدا للأمن الوطني (الشرطة) في البلاد طيلة عشرين سنة في عهد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع (1984-2005) قبل اللجوء إلى الإطاحة به في 2005 مع الجنرال ولد عبد العزيز الذي كان يومها قائدا للحرس الرئاسي. وبخوضه معركة الانتخابات الرئاسية في غضون ستة أسابيع، سينافس الجنرال عبد العزيز الذي تخلى أخيرا عن الزي العسكري ليتزعم حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الذي يتمتع بالغالبية في البرلمان.