حرب الشائعات تستعر في لبنان عشية الانتخابات.. و«8 آذار» يفوز فيها

شريط مصور يبدو فيه عون يعطي موافقته لإطلاق «شائعة» عن مرشحة مسيحية بأنها مسلمة

TT

«انتحر نائب لبناني. ومنع آخر من السفر بسبب اتهامه بالتعامل مع إسرائيل. وارتبط نائب ثالث بعلاقة «ذات دوافع تجسسية» مع قاض في المحكمة الشرعية، في حين أعطت مرشحة قطعة أرض قيمتها مليونا دولار لمرشح آخر، لضمان حصولها على مقعد في لائحة عمه...» هذه عينة صغيرة من موجة شائعات تضرب الساحة اللبنانية منذ فترة، ويتداولها الناس على أنها حقائق تبعا لموقفهم السياسي. فإذا وافقت رأيهم السياسي سارعوا إلى نشرها وتأكيد مصداقيتها. أما إذا عارضت توجهاتهم، فيهملونها ولا يطورونها. ويبدو أن اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التي ستجري غدا، كان حافزا لزيادة منسوب هذه الشائعات على الرغم من أنها ليست السبب والدافع الوحيد لها. يقول أستاذ علم الاجتماع وفيق إبراهيم، إن الشائعات «تبث في المراحل الحاسمة التي يغيب فيها العقل الفردي لمصلحة العقل الجماعي، كحالة الحروب واللحظات المصيرية، كما هي حال الانتخابات اللبنانية اليوم». ويشير إلى أنه «في لحظات مماثلة تفقد الجموع عقلها الفردي، ويصدق الناس ما لا يصدقونه في الأحوال العادية، حيث يتحكم العقل الفردي». ويوضح أن الشائعات «تركز دائما على الجانب الأخلاقي والشرف»، موردا في هذا الإطار ما بثته إذاعة «صوت العرب» خلال الحرب الأهلية اللبنانية، عن «اعتداء مسلحين مسيحيين على السيدة عائشة بكار» علما أن عائشة بكار هي منطقة تقع غرب العاصمة اللبنانية.

ويفيد إبراهيم أن «هناك من يطلق الشائعات عبر هيئات تؤسسها الجهات السياسية للنيل من معنويات الفريق الآخر، ووحدة جماعته. أما الأفراد فيطورونها، بحيث تكبر الشائعة وتتحول بطريقة دائرية فتصل إلى مطلقها، الذي يكاد لا يتعرف إليها». وحمل إبراهيم وسائل الإعلام مسؤولية كبرى في تنمية الشائعات وإطلاق بعضها.

اعتاد اللبنانيون موجات الشائعات مع كل مفصل سياسي، أو أمام كل حدث كبير، كما حصل خلال حرب يوليو (تموز) 2006، عندما بدأت موجات من الشائعات عن اغتيال الأمين العام لحزب الله، الشيخ حسن نصر الله، سواء بالقصف أو بالسم كما حصل لاحقا، واضطر بعدها نصر الله للظهور عبر شاشة التلفزيون لتكذيب هذه الشائعة، التي يبدو أنها حظيت بتصديق واسع، دفع الحزب إلى التعامل معها بجدية خلافا لشائعات ـ أو معلومات ـ كثيرة، اختار أن يتجاهلها بالكامل. وقد درج اللبنانيون على استعمال الشائعات في الانتخابات. وبات هناك من يحترف إطلاقها وفبركتها، وخصوصا لجهة الإعلان عن انسحاب مرشح ما من المعركة. وقد أدت شائعات مماثلة إلى إلحاق الأذى بعدد كبير من المرشحين على مر السنوات. لكن ما يميز موجة الشائعات الجديدة هو اختلاط الانتخابي منها بالسياسي والوطني. وقد أتت موجة التوقيفات غير المسبوقة في موضوع التعامل مع «الموساد» الإسرائيلي، لتزيد من «واقعية» هذه الشائعات. فلا يكاد يمر يوم إلا ويتم فيه الإعلان عن توقيف متعامل، ما جعل أصحاب الغايات ينشطون في إطلاق الشائعات، التي كان أولها حول توقيف النائب في كتلة «المستقبل» أحمد فتفت، في مطار بيروت ومنعه من السفر. وقد انتشرت هذه الشائعة بقوة في شارع «8 آذار» على الرغم من أن القانون اللبناني لا يسمح بتوقيف نائب إلا بعد رفع الحصانة عنه. وقد استدرك أصحاب الشائعة الأمر لاحقا ليحولوها إلى خبر انتحاره، بعد ثبوت التهمة عليه، بالتعاون مع إسرائيل، وتوقيف العميد عدنان داود بالتهمة نفسها، في محاولة للاستفادة من واقعة فيلم الفيديو، الذي يظهر العميد داود يتبادل الحديث مع جنود إسرائيليين دخلوا ثكنته في مرجعيون، خلال حرب عام 2006، وكان فتفت حينها وزيرا للداخلية. وقد اضطر فتفت، لعقد مؤتمر صحافي لتكذيب الخبر، ووصف الشائعات التي طالته في الأيام القليلة الماضية بـ«العمل الوضيع والناتج عن غيظ البعض من رؤيته المسبقة لنتائج الانتخابات النيابية». وقال: «بحسب الشائعات، إنني منتحر منذ أيام عدة. ووصل الموضوع إلى درجة من الانحطاط في التعامل لم نتعود عليها في أخلاق الشعب اللبناني. ويبدو أنهم فقدوا الأمل بنتائج انتخابية معينة، ولم تعد لديهم أي حجة سياسية إلا حجة الافتراءات والشائعات التي بلغت مدى خطيرا جدا». وأضاف: «كنت قد قررت ألا أرد على هذا النوع من الشائعات، وخصوصا أننا على تواصل دائم مع أهلنا في المنطقة، في زيارات مستمرة، أكان في المنية أم في الضنية. لم يكن الموضوع يستأهل الرد، إلا أنه اخذ بعدا وطنيا. ففي الأيام الأخيرة بدأ تداوله في بعض الأوساط الإعلامية، وهذا مؤسف، علما أننا كنا قد طالبنا جميع الوسائل الإعلامية بمراجعة مكتبنا الإعلامي للوقوف على صحة الأخبار وتوخي الحذر في نشرها». وتوجه إلى مطلقي الشائعات قائلا، إن عملهم «يهدف إلى الفتنة التي تؤدي خدمة مجانية لإسرائيل، وبالتالي هم من يمارسون الخيانة». نائب آخر من «14 آذار» طالته الشائعات، هو النائب باسم السبع، (شيعي مقرب من رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري)، إذ قيل إن قاضيا شرعيا في المحكمة الشرعية الجعفرية (الشيعية) قد أوقفه بتهمة التعامل مع إسرائيل، وأنه يرتبط بعلاقة مع النائب السبع. أما النائب الدرزي مروان حمادة (14 آذار)، فلم توفره الشائعات، وقيل إنه متهم بالتعامل مع إسرائيل، وأنه ممنوع من السفر مع سكرتيرته. والشائعة التي استهدفت حمادة، لم تكن الأولى من نوعها، فقد أطلقت شائعات خلال حرب عام 2006 عن قيامه ـ كان وزيرا للاتصالات آنذاك ـ بالإبلاغ عن مكان وجود نصر الله في «مجمع الحسن» في الضاحية الجنوبية الذي قصف بأطنان من المتفجرات. وتعرضت المرشحة نايلة تويني، لحملة شائعات شرسة، كان أبرزها تداول صورة جواز سفرها وعليه تأشيرة سعودية، ذكر فيها أنها مسلمة، علما أنها مرشحة عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة بيروت الأولى. وتحدثت تويني عن «اتفاق مع مطبعة لتسويق خمسين ألف نسخة من طلب فيزا (تأشيرة) وضع عليها خطأ في خانة الديانة: مسلمة». وأكدت أنها بصدد تقديم دعوى للنيابة العامة في هذا الشأن. ورأت أنها تواجه «بأسلوب مستمر من الأكاذيب، على قاعدة أكذب دائما فلا بد أن يعلق بذهن الناس شيء من كذبك». وقالت: «للأسف، هناك من استغل خطأ حصل معي على طلب فيزا قدمته، حيث كتب في خانة الديانة: مسلمة، على الرغم من أني احترم كافة الديانات. فقالوا إنها خرجت عن دينها، وأنها تكذب على أهلها في الأشرفية والرميل والصيفي، وعلى جميع اللبنانيين». واتهمت محطة «أخبار المستقبل» عون بإعطاء الأوامر لبث الشائعة عن تويني، وقد بثت تسجيلا تلفزيونيا يظهر فيه عون مع صهره وزير الاتصالات جبران باسيل، والوزير السابق سليمان فرنجية، يتداولون موضوع صور جواز السفر والتأشيرة، وينتهي هذا الحوار بكلمة لأحد معاونيه يقول: «جنرال..نحن باشرنا توزيعها». ويعتبر العامل الطائفي أساسيا في بلد مليء بالتناقضات الطائفية، علما أن إبراز إخراج قيد فردي للرئيس السابق للحكومة سليم الحص، وضع عليه في خانة المذهب أنه «شيعي»، أدى إلى إلحاق أذى انتخابي كبير به، عندما كان مرشحا عن المقعد السني في بيروت. ولم ينفع «تصحيح» الحص وضعه لاحقا في الانتخابات، التي خسرها في مواجهة المرشحة غنوة جلول آنذاك.

وعلى الرغم من أن معظم الشائعات مركزة على شخصيات في «14 آذار»، إلا أن بعض الشائعات طالت الطرف الآخر، وكان أبرزها ما قاله أحد قياديي «14 آذار» من أن «هناك شائعة عن أن نصر الله و(رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال) عون يحبان لبنان» مضيفا: «لكن هذه الشائعة تم تكذيبها».

وكان عون أكثر من طالتهم الشائعات المضادة. فقد تردد أنه اشترى مقرا لمحطة التلفزيون المؤيدة له (O.T.V) بمبلغ مليوني دولار، مما اضطره إلى إبراز عقد إيجار المبنى في أحد مؤتمراته الصحافية. كما سرت شائعة أخرى عن تنازل النائبة جيلبرت زوين، من كتلة عون، عن قطعة ارض تقدر قيمتها بمليوني دولار للوزير جبران باسيل (صهر عون) ، لضمان ضمها إلى لائحة «التغيير والإصلاح» في كسروان مرة ثانية. وقد عقد عون مؤتمرا صحافيا لتكذيب هذه الشائعات، معتبرا أن «الكذبة كبيرة وباتت تشكل خطرا على أمن المجتمع».