أوكامبو لـ«الشرق الأوسط»: يمكن للخرطوم اعتقال البشير.. كما فعلت تشيلي مع بينوشيه

طالب مجلس الأمن بقرار جديد لاعتقال الرئيس السوداني وأوصىبوقف الدعم السياسي

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو (أ.ب)
TT

طالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو الحكومة السودانية باعتقال الرئيس عمر البشير، ومسؤولين آخرين هما الوزير السابق أحمد هارون وقائد ميليشيا الجنجويد علي كوشيب، الذين صدرت مذكرات اعتقال بحقهم من المحكمة الجنائية، لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور. ورفض أوكامبو في تصريحات إلى «الشرق الأوسط» وصف هذا الطلب بالتعجيزي أو الساذج وقال «لا يبدو الأمر كذلك وأن هناك عدة قضايا لجأت فيها الحكومات إلى اعتقال رؤسائها، منها على سبيل المثال اعتقال الرئيس بينوشيه في تشيلي، وكذلك في الأرجنتين وهناك عدة نماذج مشابهة لذلك وفي عدد من الدول ترى فيها أن رئيس الدولة قد قدم إلى العدالة». وأضاف أوكامبو «صحيح ربما يتلف النظام الحالي في السودان عما عليه في تشيلي وفي الأرجنتين اللتين يتمتعان بنظام ديمقراطي ولكن يجب أن تظهر العدالة والمسألة هي مسألة وقت». وأشار إلى المحاكمة التي تعرض لها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون بعد فضيحة ووترغيت. ونفى أوكامبو وجود أية خلافات بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعد صدور مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير وقال «إن الأمين العام لم يطلب مني أبدا وقف ملاحقة الرئيس البشير وأن الأمين العام بان كي مون رجل محترم وهو يحترم نظام العدالة»، ووصف علاقته مع الأمين العام بان كي مون بالمهنية جدا وقال «دائما نتبادل وجهات النظر ولدينا علاقات مهنية جدا».

وما يتعلق بتوجيه تهمة الإبادة الجماعية للرئيس السوداني قال أوكامبو «أنا قدمت قضيتي إلى المحكمة، والجرائم التي ارتكبت تندرج تحت ما يسمى بالتمييز العنصري وأنا استأنفت القضية مرة ثانية أمام المحكمة لتوجيه تهمة ارتكاب إبادة جماعية». وأضاف قائلا «هناك فرصة لوقف العنف في دارفور» وأكد أنه سيواصل الضغط وتكثيف الجهود من أجل اعتقال الرئيس البشير خلال الأشهر الستة القادمة. وجدد التأكيد أن على الدول الأعضاء في نظام روما للمحكمة الجنائية التزامات باعتقال البشير وعلى الدول الأعضاء التزامات بتنفيذ أوامر المحكمة وفق قرار مجلس الأمن 1593 الذي أحال ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وانتقد سفير السودان بشدة المدعي العام ووصفه بالكاذب، وكان يتحدث السفير السوداني عبد المحمود عبد الحليم وإلى جانبه كان يقف المدعي العام لويس أوكامبو الذي التزم الصمت وهو يستمع إلى تصريحات السفير السوداني الذي اتهمه بالكذب الذي كان يتحدث باللغتين العربية والإنجليزية من دون أن يعلق على تصريحات سفير السودان.

وجدد السفير عبد المحمود عبد الحليم التأكيد على عدم تعاون الخرطوم مع المحكمة الجنائية وقال «نحن لسنا طرفا فيها ولن نتعاون معها ولسنا ملزمين بها أبدا». وانتقد السفير أوكامبو وقال عنه «إنه رجل هارب من العدالة السودانية وأن الشعب السوداني سيقاضيه في يوم من الأيام». وكان رد أوكامبو قائلا «إن المحكمة قد اختارت وتحققت من جرائم قد ارتكبت في دارفور». وأكدت مصادر مجلس الأمن أن هناك تغييرا في مواقف بعض الدول باتجاه منح فرصة للجهود السياسية أن تثمر في دارفور.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال خورخيه اربينا سفير كوستاريكا «إن كل أعضاء المجلس قد تحدثوا عن الحل السياسي». وأضاف «الكل يريد منح فرصة للسلام ونحن نتطلع إلى بعض المساعي الحميدة من قبل السلطات السودانية لنرى مزيدا من التقدم في الجبهة السياسية لحل أزمة دارفور». وأشار إلى الجهود التي يبذلها الاتحاد الأفريقي وخصوصا جبريل باسيلو الوسيط بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي للعملية السياسية في دارفور. وأشار أيضا إلى الدور الذي تلعبه قطر لتنفيذ اتفاق الدوحة. وأوضح السفير «أن هناك تغييرا في مواقف بعض الدول التي أعربت عن استعدادها للنظر في تنفيذ المادة 16 من نظام روما لتجميد مذكرة الاعتقال إذا أبدت الخرطوم بوادر باتجاه الحل السياسي». ومن جانب آخر أفادت مصادر مجلس الأمن أن روسيا طرحت أثناء مشاورات المجلس المغلقة اللجوء إلى استخدام المادة 16 من نظام روما وبدورها اشترطت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والنمسا واليابان تعاون الحكومة السودانية مع المحكمة الجنائية الدولية خصوصا إذا قامت بتسليم أحمد هارون وعلي كوشيب إلى المحكمة. من جهة ثانية طالب أوكامبو مجلس الأمن باتخاذ جملة من الإجراءات لتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية بحق عدد من المسؤولين السودانيين وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير، المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وضد الإنسانية في دارفور. وفي التقرير التاسع الذي قدمه المدعي العام لويس مورينو أوكامبو إلى مجلس الأمن عن تنفيذ قرار مجلس الأمن 1593 الذي أحال ملف 51 من المتهمين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية طلب فيه من المجلس «اتخاذ إجراءات من شأنها أن تساعد في تنفيذ قرار المجلس والأوامر القضائية لإلقاء القبض على المتهمين». وكانت المحكمة الجنائية الدولية، قد أصدرت مذكرة اعتقال بحق وزير الشؤون الإنسانية أحمد هارون وبحق علي كوشيب زعيم مليشيا الجنجويد المفترض، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفي يوم الرابع من مارس (آذار) الماضي أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير ووجهت له خمس تهم من بينها ارتكاب جرائم ضد الحرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد تجاهلت السلطات السودانية مذكرات الاعتقال ورفضت التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية كما يفيد تقرير المدعي العام. واقترح أوكامبو على مجلس الأمن اتخاذ بعض الإجراءات لتنفيذ أوامر الاعتقال حيث أوصى بأن يطلب المجلس إلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عدم تقديم أي دعم سياسي أو عون مالي إلى الأفراد الخاضعين لأمر القبض عليهم وإلى من يحميهم. ودعا جميع الدول الأعضاء إلى قطع جميع الاتصالات غير الأساسية مع المتهمين. ومن الناحية العملية يطلب المدعي العام أوكامبو من مجلس الأمن اعتماد قرار جديد لتنفيذ مذكرات الاعتقال. وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد قام بعدد من الجولات بعد صدور مذكرة الاعتقال. وأشار أوكامبو في تقريره التاسع في أكثر من موقع إلى عدم تعاون الحكومة السودانية مع المدعي العام ومع المحكمة الجنائية كما طالب بذلك قرار مجلس الأمن 1593 ولمح أوكامبو في التقرير إلى إمكانية تجنب إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير لو تعاونت السلطات السودانية مع المحكمة الجنائية. وقال أوكامبو «في قراري المحكمة وصفت ممارسة النظام العملي الذي أداره عمر البشير ونسقه أحمد هارون باستخدام ميليشيا الجنجويد لارتكاب الجرائم». وأضاف «بإمكان حكومة السودان أن تتعاون مع عمليات إلقاء القبض على المتهمين وإيقاف الجرائم»، واغتنم الادعاء كل فرصة لتشجيع حكومة السودان على المشاركة في العملية القضائية لكن الحكومة السودانية لم تفعل ذلك». وأشار أوكامبو إلى التماس المدعي العام في يوم 10 من مارس (آذار) الماضي باستئناف دعوته أمام المحكمة الجنائية الدولية لتوجيه التهم الثلاث المتعلقة بالإبادة الجماعية للرئيس عمر البشير. وأكد أوكامبو في الوقت ذاته أن أمر إلقاء القبض على المتهمين لا يزال ساريا وقال «إن السلطات السودانية لم تتعاون مع المحكمة».

ورغم أن المدعي العام لم يذكر في تقريره ما سربه لوسائل الإعلام عن نيته في ملاحقة فصائل المتمردين المتهمين بتجنيد الأطفال في النزاع الدائر في دارفور. غير أنه أوضح قائلا «نحن نراقب جرائم الجنود الأطفال وأن هذه القضية كبيرة ومن المحتمل أن أطراف الصراع في دارفور يستخدمون الأطفال كجنود».

ووفق نظام روما للمحكمة الجنائية يعتبر تجنيد الأطفال كجنود من الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية وعلى هذا الأساس يتم الآن محاكمة توماس لوباناغا قائد ميليشيا الكونغوليس في الكونغو بتهمة تجنيد الأطفال. وكانت تيد غيبيان مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد اتهمت قوات الحكومة السودانية وميليشيات المتمردين بتجنيد حوالي 6 آلاف طفل في النزاع الدائر في دارفور وخصت غيبيان بالذكر حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الوحيد نور.