باريس: محادثات متقي في قصر الإليزيه فاشلة ولم تأت بجديد

الملف النووي الإيراني مدار بحث اليوم بين أوباما وساركوزي

TT

يعود الملف النووي الإيراني اليوم إلى مدار البحث في المحادثات التي يجريها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والرئيس الأميركي باراك أوباما في مدينة كان، شمال فرنسا، بمناسبة الزيارة التي يقوم بها الأخير إلى فرنسا للمشاركة في إحياء ذكرى عملية إنزال الحلفاء في منطقة النورماندي في الحرب العالمية الثانية.

وتأتي هذه المباحثات بعد تلك التي أجراها الرئيس الفرنسي مع وزير خارجية إيران منوشهر متقي يوم الأربعاء الماضي التي نظر إليها في باريس على أنها تمهيد لقمة ساركوزي ـ أوباما اليوم. غير أن مصادر فرنسية واسعة الاطلاع وصفت زيارة متقي بأنها كانت «فاشلة» و«لم تأت بجديد».

وبدأت تعرف بعض خيوط وتفاصيل الزيارة المفاجئة التي قام بها متقي إلى باريس ولا يزال المسؤولون الفرنسيون ينظرون إليها ببعض «الاستغراب» بسبب ما رافقها من مطبات. وقالت مصادر فرنسية رسمية تحدثت لها «الشرق الأوسط» إن الجانب الإيراني طلب نهاية الأسبوع الفائت موعدا للوزير متقي مع رئيس الجمهورية ومع الوزير كوشنير، لأن متقي «يريد أن يوصل رسالة من أعلى السلطات الإيرانية» إلى الجانب الفرنسي وهو ما فهم على أنه رسالة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي ومن الرئيس أحمدي نجاد. وهذه الإشارة حفزت الرئاسة الفرنسية على الاستجابة لطلب طهران، خاصة أن باريس سعت ومن غير نتيجة حتى الآن إلى فتح حوار مباشر مع خامنئي. وكانت المرة الأولى التي يستقبل فيها ساركوزي مسؤولا إيرانيا منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2007 حينما استقبل علي أكبر ولاياتي الذي كان وقتها يشغل منصب مستشار لآية الله علي خامنئي.

غير أن الرئاسة الفرنسية ووزارة الخارجية «فوجئتا» بالتصريحات التي أدلى بها نجاد يوم الأربعاء عن إسرائيل، وفيها اعتبر المحرقة اليهودية بمثابة «خدعة كبيرة» ووصف إسرائيل بأنها «أكثر الأنظمة إجراما». واعتبرت الأوساط الفرنسية تصريحات نجاد بمثابة إجهاض لمهمة متقي وطعنة موجهة إلى فرنسا. وكان من نتيجة ذلك أن المقابلة التي حصلت بين ساركوزي ومتقي ودامت حوالي الساعة، بحضور الوزير كوشنير ومستشاري الجانبين، تمت في أجواء «سيئة» وهي الأجواء التي عكسها البيان الرئاسي الذي وزع على الصحافة قبل انتهاء اجتماع متقي مع مستشاري الرئاسة ومسؤولي الخارجية الفرنسية.

وقالت المصادر الفرنسية إن باريس رأت في تصريحات نجاد وخصوصا في توقيتها قبل فترة قليلة من لقاء الإليزيه «إساءة» لفرنسا. وكانت الخارجية الفرنسية قد حاولت التلطيف على الجهة التي طلبت الزيارة بالقول إنها تمت «بالتوافق» بين الجانبين، بينما الواقع أنها جاءت بمبادرة إيرانية. وتتساءل الأوساط الفرنسية عن «الدوافع» التي جعلت نجاد يطلق تصريحاته مباشرة قبل دخول متقي مكتب ساركوزي علما بأن الأخير قال أكثر من مرة إنه «لن يصافح نجاد بسبب تصريحاته عن «إزالة إسرائيل» وعن المحرقة اليهودية. وكان السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة في جنيف هو من بادر إلى الخروج من قاعة الاجتماعات وتبعه زملاؤه الأوروبيون عندما تناول نجاد في خطابه الموضوع الإسرائيلي. ولا تستبعد الجهات الفرنسية أن يكون الغرض «استغلال» زيارة الإليزيه في «الحملة الانتخابية الرئاسية» في طهران مما يعني أن باريس «أقحمت» رغما عنها و«استغلت» في هذا الجدل قبل أسبوع واحد من الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وسبق للرئيس ساركوزي أن طالب علنا الرئيس الأميركي بالامتناع عن فتح حوار مع طهران قبل نهاية الانتخابات مما يطرح سؤالا عن سبب قبول باريس استقبال متقي وهي التي تدعو إلى انتظار نتائج الانتخابات. وعلمت «الشرق الأوسط» أنه عندما انتقد ساركوزي بعنف تصريحات نجاد أمام متقي، فإن الأخير «دافع» عن رئيسه. أما من حيث الجوهر وغرض الزيارة التي فهم أنها مرتبطة بنقل «رسالة» إيرانية، فإن المصادر الفرنسية الرسمية تفيد أن متقي لم يأت بجديد إذ أعاد تأكيد حق إيران في التخصيب ومتابعة نشاطاتها النووية وتكرار حجج طهران المعروفة مما حمل الرئيس الفرنسي على الاكتفاء بإعادة تأكيد موقف الدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) الذي يقترح العودة إلى التفاوض مع طهران بشرط تجميد أنشطة التخصيب النووية مقابل وقف الدول الست مساعي فرض عقوبات اقتصادية وتجارية جديدة على إيران.

ولا تبدو باريس متفائلة من الحوار الذي من المفترض أن يجري بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بسبب تمسك طهران ببرنامجها النووي. وتعتبر فرنسا أن طهران تطور برنامجا نوويا له جوانب عسكرية وستكون قادرة على توفير كميات كافية من اليورانيوم المخصب لإنتاج السلاح النووي في حال قررت ذلك، مع نهاية العام الحالي. ولذا تدعم باريس موقف أوباما الذي يمهل السلطات الإيرانية حتى نهاية العام الحالي أو أوائل العام القادم لمعرفة ما إذا كانت ستقبل حلا تفاوضيا أم أنها ستستمر في تطوير برنامجها النووي على هواها، مما سيفتح الباب، وفق باريس، لإسرائيل لتضرب المواقع النووية الإيرانية.