القاهرة من دون أوباما.. كأن شيئا لم يكن

شوارع مزدحمة.. المخلفات عادت.. المواطنون يقولون: نحن العبد المأمور

كلمة وتوقيع أوباما وهيلاري كلينتون على سجل للزوار خلال زيارتهما للقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

«يوم زيارة أوباما كنت تستطيع سماع دبة النملة في الشوارع المحيطة بمسجد السلطان حسن (بمنطقة الخليفة، جنوب القاهرة)، فلم يكن أحد هنا ولم ننزل من بيوتنا، الآن الكل في الشارع».. هذا ما قاله أحمد مبروك (مدرس بالمنطقة ذاتها)، وهو يشير إلى الشوارع المكتظة بالسيارات، تزاحم المارة، ويتحدث عن أكوام القمامة التي تملأ زوايا المكان، والمخلفات بالشوارع، والضجيج والصخب الذي يعبث ويلوث المنطقة كلها.. ذلك بعد زيارة أوباما للمسجد بيوم واحد.. كل شيء عاد إلى وضعه الأول.. وبلغة العسكر «كما كُنتْ».

«الشرق الأوسط» تجولت أمس في المناطق التي تحرك فيها أوباما في القاهرة، والتقت السكان والمارة والمسؤولين، وبقدر انبهارهم بالصورة الأولى (شوارع نظيفة، سلوك متحضر، لكل من تتمكن من التعامل معه، بقدر إحباطهم من عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه. يقول سعيد حلمي عزت، مدير عام منطقة السلطان حسن والرفاعي بهيئة الآثار، والذي كان فخورا جدا بما حدث يوم الخميس الماضي: «في هذا اليوم أغلقت المحال التجارية والمدارس ولم يغادر أحد منزله، حتى عمال مسجدي السلطان حسن والرفاعي لم يتواجد أي منهم، ولم يتمكن غير ثلاثة من المصريين من الحديث مع الرئيس الأميركي وجها لوجه، هم أنا وإيمان عبد الفتاح المرشدة السياحية، وفرج فضة رئيس قطاع الآثار الإسلامية.. وأعترف أني كنت أشعر بالرهبة من هذا اللقاء بشكل كبير، خاصة بعد الهالة الإعلامية التي أحاطت بهذه الزيارة وظرفها التاريخي والترتيبات الأمنية المكثفة التي سبقتها بأيام كثيرة، خاصة وقد تم اختيار مسجد السلطان حسن بالذات.. كل هذه العوامل جعلتني أشعر بالرهبة لكون رئيس أكبر دولة في العالم يزورنا هنا في مسجد السلطان حسن.. لكن المفاجأة أن ذلك الرئيس كان يحمل بداخله قدرا من التواضع، جعلتني أشعر أني أمام شاب مصري أسمر لا يختلف عن أبناء بلدي.. رجل بسيط جدا يتحدث بعض الكلمات العربية أذاب كل الجليد الذي كان بداخلي وحررني من الضغوط النفسية الرهيبة التي سبقت اللقاء..». ويضيف سعيد عزت: «ازددت احتراما له عندما رفض ارتداء خفا فوق حذائه ليتمكن من دخول المسجد كما يفعل كل السياح، بل انحنى وخلع حذاءه بنفسه على المكسلة (موضع الأحذية)، على الرغم من أننا أعددنا له مسبقا 100 خف ليختار منها، لكنه سار حافي القدمين.. شعرت لحظتها أن الرجل يحترمنا فهو حريص على عاداتنا وتقاليدنا بشكل عميق وتملكني إحساس بالامتنان نحو أقوى رجل في العالم الذي يخلع حذاءه احتراما لمشاعر الآخر، وبالمثل فعلت هيلاري كلينتون التي أحضرنا لها 20 وشاحا لتختار منهم ما يتلاءم مع ألوان ثيابها، لكنها فاجأتنا بأن أخرجت وشاحا مناسبا من حقيبتها مما يدل على أنها كانت مستعدة مسبقا».

وبصوت متهدج أكمل عزت «بعد جولة الرئيس في المسجد وأثناء مغادرته قلت له هذا يوم عيد للعالم الإسلامي وللشعب المصري بالذات، وتوقعت أن يشكرني مجاملا، لكني فوجئت به يقوم بتقبيلي بكل ود، فانفعلت جدا وقلت له أشكرك على تحقيق أمنية تمنيتها وهي أن أقبلك.. وفي النهاية كتب تحية خاصة للمسجد وإدارته باللغة الإنجليزية قال فيها (نشكركم علي هذه الكنز العالمي)، وكذلك فعلت هيلاري كلينتون».

ويترك سعيد عزت الحديث عن مشاعره الخاصة أثناء اللقاء، وأشار إلى أن الزيارة سبقتها ترتيبات استغرقت 13 يوما كنا نعمل خلالها ليل نهار بين ترميم وصيانة ونظافة وإزالة المخلفات والأتربة لكي يظهر المكان بشكل يتناسب مع أهمية الضيف وحجم الحدث».

عم محمد.. صاحب محل بقالة بميدان الخليفة قال لنا: «أنا عبد المأمور للحكومة. يقولون لنا اقفلوا المحلات.. نقفل المحلات.. افتحوا.. نفتحها.. وقد فتح البعض محلاته في نفس اليوم بعد انتهاء الزيارة، ولكني فضلت أن أعتبر اليوم أجازة..» الحديث يدور حول لماذا اختار الرئيس الأميركي مسجد السلطان حسن بالذات الذي بناه السلطان حسن عام 757 هجرية في حين أن هناك مساجد عظيمة وأكثر قدما مثل مسجد عمرو بن العاص (21 هجرية) أو مسجد الأزهر الشريف الذي بني عام 358 هجرية، ويقول الأستاذ سعيد «كان من المقرر أن تستغرق الزيارة 30 دقيقه ولكن ما حدث أن الزيارة استغرقت 38 دقيقة».

وفي المناطق المحيطة بجامعة القاهرة (حيث ألقى أوباما خطابه إلى العالم الإسلامي)، عاد الباعة الجائلون، وفتحت المحلات أبوابها، وعادت معها حركة البيع والشراء.. الباعة ينادون على بضاعتهم.. المارة يسيرون في كل الاتجاهات ضجيج غير مسبوق.. ورق تالف.. ومعلبات فارغة ملقاة في أغلب الأماكن على الأرض.. لا أحد ينظر إليك الكل يريد أن يفلت من الزحام.. قبل يومين كان أوباما هنا.. كان كل شيء منظم.. والطرقات نظيفة.. والورود على الجانبين.. لقد عادوا ورفعوها كأن شيئا لم يحدث.

عند إشارة المرور القريبة من الجامعة تقاطعت السيارات كالعادة.. جميعهم يزمجرون بكلاكسات سياراتهم للشرطي الواقف في مفترق الطرق.. الكل يريد أن يمر قبل الآخر.. سبحان الله لم يكن أحد هنا. وفي الجهة المقابلة لجامعة القاهرة عادت حديقة الحيوان لتفتح أبوابها وتستقبل روادها من دون انتظام كالعادة.. الكل كان مرتاحا لزيارة أوباما.