مع قرب انسحاب القوات.. الجنود الأميركيون يشعرون بالضجر والعراقيون بالقلق

ضابط عراقي: غياب الأميركيين سيترك فراغا كبيرا.. ولسنا مستعدين 100%

رجل يتفحص حذاءً عسكرياً في محل لبيع الأزياء العسكرية في بغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

عندما يغلق مخفر القوات في شمال غربي بغداد، والمعروف بمخفر قوات الأمن المشتركة (حرية 2) يوم الأحد، لن يكون ذلك يوما قريبا جدا بالنسبة إلى ما يقارب الـ180 جنديا المتمركزين هناك.

يقول كوري هيسلر الأخصائي بالجيش البالغ من العمر 22 عاما، الذي يتطلع إلى الذهاب إلى محلات الأطعمة السريعة والثكنات المكيفة التي تنتظره في قاعدة كامب فيكتوري الكبيرة، التي تقع على مقربة من مطار بغداد: «لا يوجد ما يمكن عمله هنا، في بعض الأحيان يكاد يصيبنا الجنون».

وعلى الرغم من أن (حرية 2) التي تتكون من مجموعة من المستودعات تشاركها فيها وحدة تابعة للجيش العراقي ربما لا تكون قد استطاعت توفير المتع الجسدية للجنود العاملين بها، إلا أن ذلك المخفر استطاع أن يحقق الغرض من إنشائه وهو وضع القوات الأميركية على الأرض في منطقتين من أكثر المناطق خطورة في شمال غربي بغداد.

وفي قتال عنيف قبل سنة، أجبرت الميليشيات الشيعية المسلحة المسيطرة على حي الشعلة والحرية على الفرار من أماكنها ولم يشهد الجنود الذين وصلوا في أكتوبر (تشرين الأول) سوى القليل من الأحداث. والآن فإن الآلاف من أفراد الجيش الأميركي، إما يحزمون حقائبهم أو قد أعيد نشرهم بالفعل بموجب الاتفاقية الأمنية التي تلزم الولايات المتحدة بالانسحاب من المدن العراقية في 30 يونيو (حزيران).

ويقول محللون عسكريون، إن رحيل الجنود الأميركيين يعد خطوة كبيرة في حرب الستة أعوام، وأن ما شكل فارقا وساعد على قلب معادلة الصراع هو إعادة نشر الجنود في قلب مجتمعات بغداد وليس عدد الجنود الذين أتوا في إطار تعزيز القوات في عام 2007. وسيقدم إغلاق المخفر أكبر اختبار لإنجاز رحيل الجنود الأميركيين: فهل قوات الأمن العراقية مستعدة للتعامل مع الموقف وحدها؟ وهل المكاسب الأمنية التي حققتها خلال العامين الماضيين كافية لكي تستمر؟

يجيب الملازم أول ستيفن باغواغا عن ذلك السؤال مؤكدا أنها كافية، ويعمل باغواغا كضابط تنفيذي للفريق الثاني للقوات المقاتلة بكتيبة المشاة الأولى، شركة برافو، التي يقع مركزها في «حرية 2» ويعتقد أن شعور الكثير من الجنود بالملل خلال السنتين الماضيتين يشير إلى قدر التقدم الذي تحقق. ويضيف: «في الماضي كان الجنود يقاتلون يوميا والآن نقوم بافتتاح ملاعب لكرة القدم، وهذا مؤثر أكثر من وجود قتال يومي».

لقد تغيرت الأشياء جذريا منذ آخر عملية نشر للجنود في عام 2006 عندما انسحب الجيش كذلك من المدن لكي يشهد انزلاق بغداد إلى الفوضى الطائفية.

ويقول باغواغا: «لقد حاولنا أن نرحل في عام 2006، لكن الحال انتهي بنا إلى القتال طوال طريق العودة، لأن القوات العراقية لم تكن مستعدة، لكنهم الآن أكثر قدرة مما كانوا عليه وقتذاك».

ولكن الميجور عادل، قائد وحدة الجيش العراقي التي ستبقى في «حرية 2» ليس واثقا من ذلك ويقول: «نحن لسنا مستعدين بنسبة 100%، فالجنود مستعدون ومرحبون بالوقوف بمفردهم، لكننا نفتقر إلى المعدات والمركبات والدعم». ولدى عادل - الذي رفض ذكر اسمه كاملا، لأنه غير مخول من قبل رؤسائه بالحديث إلى الصحافة- خمسة عشر رجلا فقط تحت إدارته وسيارتان همفي، وهناك خطط لتعزيز قوته بحوالي مائة رجل، لكنهم سوف يزودون تلك الوحدة بخمس سيارات همفي إضافية فقط. وسوف تسد تلك الوحدة الفراغ الذي تركه الجنود الأميركيون الذين يصل عددهم إلى 180 جنديا وحوالي 55 مركبة بالإضافة إلى وحدة لمدافع الهاون. في الوقت الذي يتسلح فيه الجنود العراقيون ببنادق AK-47 فقط وبعض الرشاشات الآلية الثقيلة.

يقول عادل في إشارة إلى الأميركيين: «سوف يترك غيابهم فراغا كبيرا، فهم يرحلون في وقت سابق عن أوانه، فنحن بحاجة إلى عامين أو ثلاثة إضافية».

ويقول الليوتينت كولونيل جون فيرميش، قائد القوات الأميركية في شمال غربي بغداد، إن القوات الأميركية لن تذهب بعيدا وسوف تكون على أهبة الاستعداد للمساعدة وقتما تحتاج القوات الأمنية العراقية إليهم.

وعلى الرغم من أن القواعد الصغرى المنتشرة في جميع أنحاء بغداد سوف يتم إغلاقها، فإن بعض القواعد الكبرى والموجودة على أطراف العاصمة سوف تستمر وسوف تساعد تلك القوات التي سوف تتمركز في الضواحي إذا طلبت منها المساعدة. وفي الحقيقة، فإن أكبر مخاوف فيرميش هي أن ظن العراقيين بأنهم لن يروا أي أميركي في شوارع بغداد بعد 30 يونيو (حزيران) سوف يخيب. ويقول: «أعتقد أن البعض يتصور أنه سوف يستيقظ في الأول من يوليو (تموز) ولا يرى مرة أخرى أي جندي من قوات التحالف في شوارع بغداد، وهذا ليس صحيحا». وعلى الرغم من أن الكثير من العراقيين سيصبحون أكثر سعادة باختفاء الأميركيين، فإنه يوجد الكثير من القلقين من أن المتمردين والمسلحين الذين أجبروا على الخروج في عام 2007 سيحاولون العودة فور انسحاب القوات الأميركية. وبالفعل توجد إرهاصات لاحتمالات عودة حركات التمرد، فقد فسرت زيادة الهجمات التي حدثت في أبريل (نيسان) على أنها محاولة من المتمردين للإعلان عن وجودهم. وقد ضربت ثلاث هجمات القوات الجوالة من «حرية 2» في الأسابيع الأخيرة وهي أولى العمليات التي يتعرضون لها منذ أن تم نشرهم هنا في الخريف الماضي. ويقول الجنود إنه على الرغم من ذلك، فإن تلك الهجمات ما زالت بعيدة عن الهجمات التي كان يصل عددها إلى ست أو سبع هجمات في اليوم الواحد والتي كانت شائعة قبل عدة سنوات.

ويقول ستيفن بيدل من مجلس العلاقات الخارجية: «إنه تحد كبير ومخاطرة ضخمة، فالمقاتلون السابقون لا يزالون موجودين ولا يزالون مسلحين، إن ذلك التحول غير مستقر بالمرة». ومن بين القلقين من الانسحاب مجموعة من مجلس الصحوة الذي يتكون من متمردين سابقين من المسلمين السنة بدلوا أفكارهم وتحالفوا مع الأميركيين في محاربة «القاعدة» ضمن المجموعات المسلحة العراقية. ويقول شيخ حازم شاكر، قائد حركة الصحوة في جنوب بغداد، إنه من دون الحماية المباشرة لحلفائهم الأميركيين فإنهم يشعرون أنهم سيكونون معرضين للاعتقال من قبل الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة أو الاغتيال على أيدي المتمردين الذين انقلبوا عليهم. ويضيف: «أعتقد أن جميع قادة الصحوة سوف يقتلون أو يعتقلون، فالأميركيون يحموننا الآن، لكن عندما يرحلون فمن سيحمينا؟».

وتعد أكبر المخاوف في الأحياء الشيعية، مثل الحرية والشعلة، هي إذا ما كانت الميليشيات الشيعية سوف تعيد تشكيل نفسها عقب خروج الأميركيين. ويمكن استقاء بعض اللمحات من المواطنين، التي تفيد أن قادة الميليشيات الذين أجبروا على الخروج العام السابق عادوا مرة أخرى إلى الشوارع من المنفى في إيران أو جنوب العراق. وقد ألقي باللوم في الانفجارات التي وقعت أخيرا على جانب الطريق على الميليشيات التي تدعمها إيران والمعروفة باسم «المجموعات الخاصة». إلا أن قائد المخفر الكابتن ستيفن فيفيس يقول إنه لا يوجد دليل على أن جهود إعادة التنظيم التي تبذلها تلك التنظيمات تجتذب أيا من المواطنين، ويؤكد: «هناك الكثير من الشائعات بأنهم سوف يعودون، لكن أعتقد أن الأمن قوي وأن المدنيين قد سئموا من تلك الأشياء، وبالتالي سيكون من الصعب أن تحدث مرة أخرى».

والجنود الذين يقضي بعضهم مدته الرابعة يقولون إنهم يشعرون بالضجر كذلك، مؤكدين أنه إذا لم يكتمل الانسحاب فإن القليل منهم سيكون مستعدا للرجوع إلى المدينة. ويقول العريف من الدرجة الأولى ديفلن لاستر: «لا يريد أحد أن يعود إلى هنا، فقد مرت ست سنوات وإذا لم يكن هذا هو الوقت الملائم فإنه لن يكون كذلك أبدا».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»