أوباما في الاحتفالات الـ65 لإنزال النورماندي: المعركة غيرت مسار القرن العشرين

ساركوزي للرئيس الأميركي: أنت رمز لأميركا كما يحبها الفرنسيون

TT

في المقبرة الأميركية الواقعة على مصطبة من قرية كولفيل سور مير، التي تشرف على شاطئ أوماها بيتش، في منطقة النورماندي، حيث أنزل عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين قبل 65 عاما، في أكبر عملية إنزال وغزو في التاريخ، إذ ضمت حوالي مليون رجل وأفضت إلى تحرير فرنسا وإلى تعجيل الإطاحة بالرايخ الثالث، جرت بعد ظهر أمس احتفالات مؤثرة، رسمية وشعبية، لتخليد ذكرى الجنود الذين قتلوا على شواطئ النورماندي وعلى رأسهم الجنود الأميركيون.

ووسط غابة من الأعلام الفرنسية والأميركية والبريطانية والكندية، وبحضور ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، والرئيسين الفرنسي والأميركي ساركوزي وأوباما، ورئيس وزراء كندا ستيفن هاربر، عزفت الموسيقى الوطنية ووضعت أكاليل من الورود والأعلام الفرنسية والأميركية على الأضرحة كافة ودوت صفارات الموت وجمد المشاركون لدقيقة صمت وألقيت كلمات رسمية وأطلقت 21 طلقة مدفع وقدمت الطائرات عرضا جويا رائعا. وتقدمت الاحتفال مجموعات من قدامى المحاربين استقدموا من أكثر من بلد وخصوصا من الولايات المتحدة الأميركية. وترافقت احتفالات كولفيل سور مير مع مئات الاحتفالات الأخرى التي جرت في أنحاء النورمانددي كافة التي اختارها الجنرال أيزنهاور، الرئيس الأميركي اللاحق، لتكون موطئ قدم للحلفاء في عملية فتح جبهة جديدة في الحرب ضد هتلر والانقضاض على ألمانيا.

وتضم المقبرة الأميركية، التي هي أرض أميركية وهبتها الحكومة الفرنسية لواشنطن اعترافا بدورها في تحرير فرنسا، أكثر من تسعة آلاف مدفن للجنود الأميركيين الذين سقطوا في معارك النورماندي. وفي الكلمة التي ألقاها، حيا الرئيس ساركوزي ذكرى الجنود الذين سقطوا على شواطئ النورماندي «من أجل تحرير فرنسا». وخاطب أوباما والأميركيين المتواجدين قائلا «أريد باسم فرنسا أن أحيي أبناءكم الذين سقطوا على أرض نورماندي والتي ينامون فيها إلى الأبد. إننا لن ننساهم أبدا». وتوجه ساركوزي إلى أوباما شخصيا، حيث إن جده واثنين من أعمامه شاركا في الحرب العالمية الثانية كذلك عمه الأكبر تشارلز باين، الذي كان موجودا أمس في كولفيل سير مير. ووصف ساركوزي أوباما بأنه «رمز أميركا التي نحب... أميركا التي تحارب من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان». وقال له: «إنك بالنسبة لجميع الفرنسيين رمز لأميركا: أولا بسبب الوظيفة التي تشغلها وثانيا بسبب الدماء التي تجري في عروقك». ودعا الرئيس الفرنسي إلى استمرار التحالف بين أميركا وأوروبا لأننا «نعرف ما تستطيع أن تصنعاه معا» مضيفا أن «الأنظمة التوتاليتارية هزمت في القرن العشرين، لكن التهديدات التي تطأ بثقلها على زمننا الحاضر من طبيعة مختلفة ولكنها ليست أقل خطورة» معددا منها الإرهاب والتعصب والتحديات البيئية.

وفي الكلمة التي ألقاها، توقف أوباما عند معاني المناسبة التي «لا يمكن أن ننساها ولا يجوز أن نتناساها... لأنها غيرت مجرى قرن بكامله»، القرن العشرين. وتحدث أوباما عن الرجال الذين سقطوا على شواطئ النورماندي والذين قاتلوا فيها وعن شجاعتهم وتضحياتهم، قائلا «عندما دهمت المخاطر وفي ظروف بالغة الصعوبة، فإن رجالا كانوا يعتبرون أنفسهم عاديين، وجدوا داخلهم قوة غير طبيعية». واعتبر أوباما أنه «بعد أجيال وأجيال»، لن تنسى ملحمة الإنزال، إذ لم يكن أحد يدري أن كثيرا من أوجه التقدم التي تحققت القرن الماضي على ضفتي الأطلسي تنبع من معركة حصلت على شاطئ طوله تسعة كيلومترات وعرضه ثلاثة». وبالنسبة للرئيس الأميركي، فإن شجاعة وبطولة جنود الحلفاء «غيرت مسار القرن العشرين» إذ لو «فشل الحلفاء هنا لكان احتلال ألمانيا للقارة الأوروبية مستمرا إلى ما لا نهاية». لكن النجاح «حرر فرنسا وفتح الطريق إلى برلين وأتاح تحرير أوروبا وإقرار خطة مارشال وإنشاء الحلف الأطلسي وتوفير الازدهار والأمن».

وسيمضي أوباما، الذي يقوم بأول زيارة له إلى فرنسا منذ انتخابه، جانبا من اليوم في فرنسا. وفي برنامجه زيارة كاتدرائية نوتردام في قلب باريس وزيارة مركز بوبورغ الثقافي ومتحفه. وكان أمضى الليلة الماضية في السفارة الأميركية التي تبعد عشرات الأمتار فقط عن قصر الإليزيه. واتخذت في باريس إجراءات أمنية مشددة تنفذها جميع أجهزة الشرطة والأمن بما في ذلك الكتيبة النهرية المولجة حماية نهر السين. وكانت حركة الطيران منعت فوق النورماندي أمس طيلة فترة الاحتفالات ووجود أوباما فيها ومنع اقتراب السفن من مكان الاحتفال. وينتظر أن تتناول عائلة أوباما، من غير الرئيس، طعام الغداء في القصر الرئاسي في إطار عائلي.