سكان بيروت ينزحون منها عشية الانتخابات.. والمناطق الجبلية تزدحم بالناخبين

«المقاومة» لن تجد مقاومة تذكر في معاقلها وأهالي الضاحية توجهوا إلى الجنوب

موظف حكومي ينقل صندوق اقتراع الى أحد مراكز مدينة صور في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

بدأت عطلة الانتخابات النيابية قبل أوانها في لبنان، مع إصدار وزارة الداخلية قرارا بإقفال الدوائر والمؤسسات الرسمية يومي السبت (أمس) والاثنين (غدا)، لينسحب الأمر على عدد من المرافق الخاصة، لا سيما أن إدارات المدارس كانت قد أعلنت توقيف الدروس منذ صباح الجمعة (أول من أمس)، وحتى مساء الاثنين. كما أن قرار وزارة الداخلية قضى بإقفال المقاهي عند التاسعة مساء، والمطاعم عند منتصف الليل. وقد ساهم في تكريس العطلة قرار إجراء الانتخابات في يوم واحد على مساحة لبنان، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات النيابية. وبالتالي بدأ الناخبون بمغادرة أماكن إقامتهم إلى أماكن اقتراعهم قبل يومين، وفق ترتيبات تولتها الماكينات الانتخابية لكل فريق من الفرقاء السياسيين المتنافسين.

وقد أنهت قوى الأمن الداخلي استعداداتها الأمنية واللوجيستية لإجراء العملية الانتخابية. ووفقا للخطة الموضوعة، انتشر 12115 ضابطا ورتيبا وفردا على 1753 مركزا انتخابيا، بداخلها 5181 قلم اقتراع على كل الأراضي اللبنانية، موزعين على بيروت (59 مركزا ـ 613 قلم اقتراع) وبقية المناطق اللبنانية (1694 مركزا ـ 4568 قلم اقتراع) مجهزة بمستلزمات عمليتي الاقتراع والفرز (تلفزيون، كاميرا، عازل، مصباح...) وقد واكب أفراد قوى الأمن رؤساء الأقلام لتسلم صناديق الاقتراع، ويوفرون الحماية اللازمة لها. وضبطت محيط مركز الاقتراع بالأشرطة الصفراء، التي حالت منذ أمس دون ركن السيارات حولها. وقد انعكست الإجراءات الأمنية و«النزوح» الانتخابي هدوءا غير مألوف في شوارع العاصمة بيروت، التي غادرها السكان إلى مناطقهم، حيث يجب أن يدلوا بأصواتهم، ولم يعد فيها سوى ناخبيها. ولولا المواكب السيارة لبعض المرشحين التي تطلق أبواقها، لما شعر هؤلاء الناخبون بأنهم يتحضرون لمعركة تحدد هوية المجلس النيابي العتيد. فالحركة التي تعودتها العاصمة في المواسم الانتخابية السابقة لم تحضر هذا الموسم. لا دواوين أو مكاتب انتخابية مكشوفة على الشوارع في الأحياء، فقد تم استبدالها بمكاتب في الطبقات العليا من الأبنية، وذلك تجنبا للاحتكاك والتوتر الأمني. في الضواحي تختلف الأمور. فغالبية المكاتب الانتخابية تطل على الشارع وتشهد بعض النشاط، ولكن بحدود تفرضها الاصطفافات الحادة بين فريقي «8 و14 آذار»، بحيث يبدو أن الطرفين لا يعولان إلا على الحركة الداخلية ضمن كل منهما، ولا لزوم للبحث عن المحايدين الذين تدنت نسبتهم. أما القرى والبلدات والمدن في المناطق الجبلية والبعيدة عن العاصمة، التي ستشهد معارك انتخابية، فقد عاشت نشاطا ملحوظا قبل الانطلاق الفعلي لموسم الاصطياف، بعدما استردت أبناءها في عطلة الأسبوع هذه، بحيث عادت الحياة إلى المنازل المقفلة، كما أن الفنادق التي كانت تنتظر المصطافين استقبلت نزلاء من المغتربين أو المقيمين في المدن الكبرى، الذين لا يملكون منازل في قراهم.

لكن هذا الهدوء لا يلغي حرص كل من المتنافسين الرئيسيين على ترتيب أمور الناخبين، الذين ستصل مشاركتهم إلى أعلى نسبة متوقعة، وأحيانا ليس من باب السعي إلى الربح، إنما لتسجيل الحضور ورفع منسوب التحدي. فقد حرص «حزب الله» على استقدام ناخبي الدائرة الثالثة من الشيعة المقيمين في الجنوب تباعا، ومنذ يومين إلى بيروت ليدلوا بأصواتهم في معركة محسومة لمصلحة «تيار المستقبل». وإذا سألت أحد هؤلاء الناخبين عن السبب، يجيب: «أحضرنا الحزب لنقترع لمصلحة المقاومة». أما من هي المقاومة في الدائرة الثالثة في بيروت؟ فتلك مسألة أخرى. ذلك أن نسبة كبيرة من هؤلاء لا يعرفون أسماء المرشحين على اللائحة المدعومة من «8 آذار»، التي تضم كلا من، نجاح واكيم، وإبراهيم الحلبي، ورفيق نصر الله، وعمر غندور، وعبد الناصر جبري، وبهاء الدين عيتاني، وخالد الداعوق، وغازي منذر، وجورج أشخانيان، وريمون الأسمر. ولن تشكل أصواتهم أي تغيير في النتائج، التي سيقررها ما يقارب 157 ناخبا سنيا و31 ألف مسيحي و33 ألف شيعي.

وكان أكثر من مسؤول في صفوف الحزب قد صرح، أن هذه الانتخابات هي استفتاء لدعم خيار المقاومة، التي لن تجد «مقاومة» تذكر في معاقلها، حيث يبدو أن نسبة التصويت لن تكون مرتفعة، لأن النتائج محسومة، والكثير من سكانها هجروها ليصوتوا في بلدات الجنوب، حيث تسجل نفوسهم.

ولا يقتصر الإحجام عن التصويت على هذا المعطى، ففي دائرة كسروان، أبدى أكثر من مواطن عزوفه عن الاقتراع. والأسباب متعددة، إلا أن أهمها إعطاء الأولوية للعمل، كما قال صاحب فرن للمناقيش، ليضيف: «أنا من ناخبي دائرة بعبدا، لكن عملي هنا في عشقوت (كسروان). وبالتالي لن أضيع وقتي لأنتخب، في حين سيكثر الزبائن منذ الصباح الباكر». العمل كان أيضا السبب المباشر لضبط إيقاع التوتر بين المواطنين. فقد رفضت صاحبة متجر للألعاب إعلان انتمائها السياسي حتى لا تخسر زبائنها. كما رفض صاحب مقهى شعبي أي حوار في السياسة، قد يؤدي إلى توتر نتيجة الاحتقان الحاصل. وقال: «لن ينفعني أي مسؤول إذا اشتبك المتحاورون وحطموا محتويات المحل».

صاحب المقهى يبدي قلقه من مرحلة ما بعد الانتخابات. يقول: «الله يستر. إذا جاءت النتائج غير ما تبتغي جهة لم تعودنا إلا على الرفض بوسائل عسكرية، حينها ستكون العواقب وخيمة».

الحذر والترقب انعكسا أيضا إقبالا من اللبنانيين على التمون، بحيث بات صعبا صباح أمس العثور على الخضار والفاكهة، لا سيما أن غالبية المتاجر والسوبر ماركت الكبرى ستقفل أبوابها يوم الاقتراع. فالتخوف من انتكاسات أمنية في بعض المناطق وارد. وكانت قد سجلت في الأيام القليلة الماضية حوادث فردية، إلا أن الشائعات عن تدهور أمني في هذه المنطقة أو تلك ساهمت في رفع درجة الحذر.

وفي حين تواجه الجهات الأمنية هذه الشائعات بالإعلان المتكرر عن خطط لضبط الأوضاع والسيطرة على أي مشكلة من دون التصادم مع الناخبين، يبقى الهم الأكبر قدرتها على حل أزمة ازدحام السير المتوقع على الأتوسترادات شرقا وشمالا وجنوبا، لأن انتقال غالبية الناخبين إلى حيث يقترعون لا يعني محدودية حركة السير على كل الطرق. وفي هذا الإطار، أعلنت قوى الأمن الداخلي، أنها عززت مفارز السير المولجة تأمين السير أثناء العملية الانتخابية، وتسهيل وصول الناخبين إلى أقلام الاقتراع والعودة إلى منازلهم.