«القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي تمزج الإرهاب بالمصالح

قبولها فدى مقابل إطلاق سراح رهائن أكد أن الأيديولوجية ليست عنصرا مسيطرا في حساباتها

TT

شكل قتل رهينة بريطاني كان محتجزا في منطقة الصحراء على يد تنظيم «القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي تصعيدا في التهديد الذي يشكله التنظيم في المنطقة، ولكن ذلك التهديد يستند على مزيج معقد من الجريمة والانتهازية بقدر استناده على أيديولوجية إسلامية متشددة.

وهذه هي المرة الأولى التي يعدم فيها تنظيم «القاعدة» رهينة غربيا في الصحراء، مما يعزز مصداقيته بين الإسلاميين بعد إطلاق سراح رهائن آخرين مقابل الحصول على فدى معلن عنها، كما يعزز أيضا المخاوف الغربية من أن الصحراء الشاسعة الخالية توفر ملاذا للإرهابيين. لكن المنتقدين يصرون على أن هذا التهديد يجري تضخيمه أو اختلاقه لدوافع خفية من قبل قوى إقليمية وغربية تسعى لبسط النفوذ في المنطقة الغنية بالنفط والغاز. ويشدد الخبراء على الندرة النسبية في الهجمات التي يشنها تنظيم «القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي. ويقولون إن استعداد التنظيم للامتزاج مع متمردين من البدو ومهربين منخرطين في شبكات إجرامية مربحة يظهر أن الأيديولوجية ليست عنصرا مسيطرا في حساباته. وقال وولفرام لاتشر وهو محلل متخصص في شؤون شمال أفريقيا في مؤسسة «كونترول ريسكس» لـ«رويترز» يشكل تنظيم «القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي تهديدا بالفعل لدول الساحل، ولكنه تهديد شارد أكثر من كونه تهديدا مستمرا وحادا. وركزت الهجمات إلى الآن على وحدات الجيش وعلى عمليات الخطف الانتهازية، ولكن في ظل الاستثمارات في مجال النفط والتعدين ومع احتمال مد أنبوب لنقل الغاز عبر الصحراء تزيد الأهداف التي يمكن أن تتعرض لهجمات. وخطف المتشددون الذين خرجوا من رحم الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية مجموعة كبيرة من الأجانب في الصحراء عام 2003، ولكن الجماعة اكتسبت طاقة وأصبحت أكثر تركيزا على ما يبدو منذ أن أقامت صلات رسمية مع تنظيم «القاعدة» في ديسمبر (كانون الأول) عام 2006. وتركز الخلايا الشمالية لتنظيم «القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي أكثر على الجزائر بشن هجمات دورية بالقنابل والأسلحة على قوات الأمن الجزائرية. واكتوت موريتانيا بنيران هجمات الخلايا الجنوبية مع مقتل أربعة سياح فرنسيين في ديسمبر (كانون الأول) عام 2007 وبهجوم على السفارة الإسرائيلية وقتل 12 جنديا موريتانيا عام 2008. وخطف سائحان نمساويان في الصحراء عام 2008 قبل إطلاق سراحهما. وأطلق سراح أربعة غربيين آخرين كانوا محتجزين مع الرهينة البريطاني الذي قتل ولم يتبق في الأسر سوى رهينة سويسري. وقال لاتشر: «هناك حاجة لأن تأخذ الشركات العاملة في هذه الدول هذه الأمور في اعتبارها. فسجل هذا التنظيم يتسم بالمزج بين الجريمة والهجمات الإرهابية»، مشددا على ضرورة التمييز بين الخلايا التي تنشط في الصحراء والخلايا التي تهاجم القوات الجزائرية في الشمال الشرقي. وطالب تنظيم «القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي الحكومة البريطانية بالإفراج عن رجل الدين الإسلامي الأردني أبو قتادة المحتجز في سجونها، ولكن المحللين سارعوا إلى الربط بين مقتل البريطاني وما أعلن عن رفض بريطانيا دفع فدية. وقال دبلوماسي يتابع المنطقة: «بعض هؤلاء إسلاميون متشددون، ولكن معظمهم يفعلون ذلك من أجل المال». ولا يكمن التهديد الذي تمثله الخلايا الجنوبية لتنظيم «القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي في عدد أعضاء التنظيم وإنما في قدرة ما يقدر بما بين 100 و200 رجل على التحرك بسرعة وحذر بين جنوب الجزائر وشرق موريتانيا والأجزاء الشمالية في كل من مالي والنيجر. وقال ألان أنتيل رئيس برنامج «دراسات منطقة جنوب الصحراء» في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وهو مركز أبحاث مقره باريس: «هذه ليست جماعة لغزو دولة. إنهم يحتاجون فقط إلى أن يكون عدد صغير من الأشخاص أقوياء. وفي الحقيقة فإنهم ليسوا في حاجة إلى أن يكونوا كبارا». ويقول محللون إن المتشددين في هذه المناطق النائية التي يكون فيها نفوذ الحكومات محدودا يبرمون صفقات قائمة على المصالح مع متمردي الطوارق ومهربي الأسلحة والسجائر والمخدرات. وإحدى هذه الصفقات على ما يبدو شراء الأجانب المخطوفين الذين يتردد أن فدى حجمها ملايين الدولارات دفعت لإطلاق سراحهم على الرغم من إنكار الدول المعنية. وقال ديف هارتويل المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة «جينز» للمعلومات: «الرهائن الغربيون يمكن أن يكونوا أهدافا مناسبة»، ولكن الأهداف قد تزيد مع تنمية النفط والغاز. وشرق موريتانيا مقر لصناعة الحديد، لكن الشركات تنقب أيضا عن النفط في حوض تاودني الصحراوي الذي تتشارك فيه موريتانيا مع مالي المنتجة للذهب. وستصبح النيجر مصدرا رئيسيا لليورانيوم بفضل استثمار لشركة «أريفا» الفرنسية علاوة على اتفاق نفطي حجمه خمسة مليارات دولار مع الصين. وقال هارتويل إن خط أنابيب من المقرر مده عبر الصحراء ليتدفق عبره الغاز النيجيري إلى أوروبا في محاولة لتقليص الاعتماد على روسيا، من المحتمل أن يكون هدفا جذابا للمتشددين. وبينما تسلط الولايات المتحدة الضوء على المنطقة كجبهة في الحرب على الإرهاب، يقول منتقدون مثل جيرمي كينان مؤلف كتاب: «الصحراء السوداء.. حرب أميركا على الإرهاب في أفريقيا» إن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين يبالغون في التهديد المتصور كوسيلة لتبرير وجودهم في المنطقة.