سكاف مرتاح إلى فوز لائحته بكاملها وأبو فاعور يشكو من ضغط المخابرات السورية

زحلة تخلط أوراق العملية الانتخابية

قائد القوات اللبنانية سمير جعجع يدلي بصوته في بشري أمس (إ. ب. أ)
TT

استقبلت «جارة الوادي»، زحلة، والبلدات والقرى المحيطة بها في البقاع الأوسط موسمها الانتخابي بزخم وحماسة، ذلك أنها تختصر في تركيبتها التعددية اللبنانية. فهي تضم 146700 صوت موزعين بين جميع الطوائف من دون استثناء، وبنسب متقاربة للطوائف الكبرى. الحصة الأكبر هي للسنة، الذين يبلغ عدد ناخبيهم 37500 ناخب، يليهم الروم الكاثوليك، الذين تبلغ أصواتهم 29 ألفا. أما الموارنة فعدد ناخبيهم 24 ألفا. في حين تبلغ أصوات الأرمن ما يقارب العشرة آلاف. أما الروم الأرثوذكس فيقارب عدد أصواتهم الـ15 ألفا، لتتوزع الأصوات الباقية بين الدروز والأقليات.

إلا أن هذه الخصوصية التعددية ليست السمة الوحيدة لهذه الدائرة، ذلك أن الخلفية التاريخية لـ«جارة الوادي» ـ كما وصفها الشاعر أحمد شوقي ـ تشكل عاملا انتخابيا لا يستهان به. فهي تعرضت خلال الحرب اللبنانية إلى حصار سوري قلما شهدته منطقة أخرى في لبنان. وهي أدت خلال الوصاية السورية ضريبة مضاعفة عن غيرها، لأنها كانت جارة عنجر، حيث مقر رئيس جهاز الأمن والاستطلاع للقوات السورية العاملة في لبنان. كذلك تميزت المعركة الانتخابية في زحلة بالحماوة. وقد استقطبت وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية، لأن نتيجة الانتخابات في هذه الدائرة ستشكل بيضة القبان لدى كل من قوى 14 و8 آذار لجهة الحصول على الأكثرية النيابية.

وبناء على هذه المعطيات، تبدو المعركة الانتخابية في زحلة محكومة بتوازن حساس. فهي في عين الوصاية المتراجعة إلى ما وراء المصنع (نقطة الحدود اللبنانية ـ السورية). وهي أيضا «دار السلام»، التي لا يوفر أهلها جهدا لنبذ هذه الوصاية مباشرة كانت أم مقنعة. وكان هذا «النبذ» قد تسبب باعتقال المخابرات السورية، قبيل الانتخابات، عشرات المواطنين الذين اجتمعوا برئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، وذلك ليومين، ما دفع الأخير إلى طرح هذه القضية على طاولة الحوار في القصر الجمهوري. وفي هذه الأجواء يبقى التنافس على سبعة مقاعد موزعة كالآتي: 2 كاثوليك، 1 أرثوذكس، 1 ماروني، 1 أرمن أرثوذكس، 1 سنة، 1 شيعة. أما اللائحتان المتنافستان فهما: لائحة «قلب زحلة» التي تمثل قوى «14 آذار» وتضم نقولا فتوش، وعاصم عراجي، وعقاب صقر، وإيلي ماروني، وشانت جنجنيان، وانطوان أبو خاطر، وجوزيف المعلوف، و«الكتلة الشعبية» التي تمثل قوى «8 آذار» وتضم: إلياس سكاف، وفؤاد الترك، وحسن يعقوب، وجورج قصارجي، وسليم عون، وكميل المعلوف، ورضا الميس. وهذا التوازن يجعل توقع ما ستفرزه الصناديق مسألة صعبة. فالدائرة وفي انتخابات عام 2005، اقترعت لتؤكد أنها ترفض الوصاية التي كان يحمل لواءها آنذاك رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. أما اليوم فقد اختلطت الأوراق. وفي حين سادت الشائعات عن احتمال حصول توتر أمني في الدائرة، جاء الحرص على الأمن كبيرا، فكان حضور الجيش اللبناني كثيفا. إلا أن ذلك لم يحل دون «مناوشات أمنية» كان يتم ضبطها بسرعة وحزم، لتستمر العملية الانتخابية بهدوء. فيما شهدت صناديق الاقتراع منذ الصباح الباكر زحمة مقترعين بلغت نسبتهم بعد ست ساعات من افتتاحها حوالي 35 في المائة. كما شهدت بعض المراكز تزاحما وتدافعا عملت القوى الأمنية على معالجته. إلا أن الشكوى من «بطء» عملية الاقتراع بسبب التضييق الذي يعتمده رؤساء الأقلام كانت العامل المشترك بين مسؤولي اللائحتين المتنافستين. وقد برر أحد رؤساء الأقلام ذلك بالإجراءات التي يتخذها ومساعدوه للتدقيق الحازم ببطاقات الهوية في حضور كثيف لمندوبي المرشحين.

وكان وزير الداخلية زياد بارود، قد زار المدينة وتلقى شكاوى بشأن بطء العملية وحصول رشاوى. فقد انتقد وزير السياحة المرشح إيلي ماروني «الأقلام المحصورة في أمكنة ضيقة، والوقاحة عند الطرف الآخر في شراء الأصوات من قبل مخاتير وأعضاء مجالس بلدية». وناشد «القوى الأمنية تطبيق القانون على الجميع، ودعا الناخبين إلى تحمل الازدحام. أما وزير الزراعة المرشح في «الكتلة الشعبية» إيلي سكاف فقال لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مرتاح. عدد الناخبين معقول. وإذا بقيت الأجواء جيدة سنفوز بالمقاعد السبعة».

النائب نقولا فتوش، المرشح على لائحة «زحلة بالقلب» اعتبر أن «الخيار هو بيد الناخبين. الناس لم يتغيروا، فهم لا يزالون يريدون أن يمثلهم من يضمن لهم السيادة والحرية والاستقلال. ولن نستعجل الأمور». وشكا من بطء عملية الاقتراع. وقد وافقه المرشح على لائحته عقاب صقر، الذي قال: «البطء في عملية الاقتراع ليس عفويا. فريق 8 آذار وضع خطة لعرقلة توافد الناخبين والحيلولة دون وصول مناصرينا إلى الصناديق. واضح أنهم يسعون إلى خرق لائحتنا. وبالطبع يطلقون الشائعات. قالوا إني انتحرت بعد اتهامي بالعمالة لإسرائيل.

وقالوا إني هربت إلى إسرائيل عبر الحدود الجنوبية. والأهم أنهم يلغمون لوائحنا ويدفعون المال علنا لرشوة الناخبين. الدفع يتم في السيارات والبيوت».

الحديث عن المال الانتخابي يصبح أشبه باللازمة لدى الفريقين المتنافسين. يقول أنور، وهو طالب مناصر لعون: «يستخدم فريق 14 آذار كل الوسائل الممنوعة. المال يأتي من قريطم (دارة سعد الحريري) إلى اللائحة. لكن جهودهم لن تنفع. في الدورة السابقة كان تأثير جريمة اغتيال الحريري قويا، وعلى الرغم من ذلك لم يستطيعوا الفوز. أما اليوم فقد برد الدم. أيضا لديهم متعامل مع إسرائيل في صفوفهم من سعد نايل. كيف يمكن أن يغلبونا».

تفاؤل أنور يواجهه سعد من بلدة جديتا في دائرة زحلة فيقول: «في الدورة السابقة حصل عون على 90 في المائة من أصوات الناخبين لأنه يناهض الوصاية ويرفض الاتفاق الرباعي بين حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. لكن بعد أربع سنوات تبين لنا أن عون أصبح الحليف الرئيسي للحزب، في حين بقيت قوى 14 آذار على موقفها الذي ازداد رفضا للوصاية وسعيا إلى السيادة. لو بقي مستقلا لكان حافظ على شعبيته، لكنه خسرها بعد تحالفه مع حزب الله والقوميين والبعثيين». في بلدة سعد نايل لا حضور إلا للائحة «14 آذار» «زي ما هي» كما يقول الناخبون الذين يقفون في طوابير أمام مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم. وفي البقاع الغربي الأمور مشابهة. والتنافس يميل لمصلحة لائحة «14 آذار» التي تضم وائل أبو فاعور، وجمال الجراح، وروبير غانم، وأمين وهبي، وأنطوان سعد، وزياد القادري، التي تنافس لائحة «8 آذار» التي تضم عبد الرحيم مراد، وايلي الفرزلي، ومحمد القرعاوي، وناصر نصر الله، وهنري شديد، وفيصل الداوود.

قرى وبلدات البقاع الغربي استقدمت جميع مغتربيها. ففي قرية ليلا وحدها أربعة آلاف ناخب وناخبة من البرازيل. وفي قرية حوش الحريمي الناخبون المغتربون شكلوا توازنا بين اللائحتين، فجمعوا زعماءهم من المتنافسين. إلا أن الانتهاكات لم تغب عن المنطقة. ويؤكد الوزير والمرشح وائل أبو فاعور حصولها. ويقول: «الضغط يتجه لمنع الناخبين السنة والدروز من التصويت، لتبرز المشاركة الشيعية. نحن سعينا إلى معالجة هذه الأمور. واتصلنا بوزير الداخلية زياد بارود، الذي وعدنا بتسريع عمل رؤساء الأقلام. كذلك سجلنا حضور المجنسين من سورية وعددهم يقارب 2500 ناخب يحملون اللوائح الجاهزة. غالبيتهم دخلوا متسللين عبر ممرات غير شرعية. كما أن المخابرات السورية تضغط على الأهالي ترغيبا وترهيبا. تعد من يقترع لمصلحة لائحة 8 آذار بإذن مرور على الخط العسكري. وتهدد مناصرينا بمنعهم من الدخول إلى سورية».

يقول كامل من العاملين في ماكينة «14 آذار»: «تم اختيار رؤساء أقلام من المقربين لحزب الله. وهم يجيدون عرقلة عملية الاقتراع في محاولة لتغيير النتائج. كما تلقت بعض العائلات تهديدات فتركت منازلها. وهم يضغطون على المندوبين ويعاملونهم بشراسة. عندما اقترع المرشح في اللائحة أمين وهبي وتقدم ليصافح مندوبي حزب الله، قال له أحدهم: نحن لا نصافحك حتى لا تلحقنا نجاسة. مع أنهم يجولون على القرى بالمال لشراء الأصوات».

في دائرة بعلبك ـ الهرمل تنعدم المنافسة، حيث من المتوقع أن تفوز لائحة «حزب الله» وحلفائه وبأكثرية تترجم دعوة الحزب مناصريه إلى استفتاء على «خيار المقاومة»، كما تقول إحدى النساء، مشيرة إلى أنها طلبت من مندوب الحزب «كتابة اسم (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله، لأنها لا تريد لسواه أن يفوز.