بيروت تبايع سعد الحريري في الدائرة الثالثة وتتوافق مع بري في الثانية والمعركة في الأولى

الأرمن يرجحون في المتن وشكوك حول التزامهم مع المر

رئيس تيار المستقبل «سعد الحريري» يضع ورقة الانتخاب في صندوق الاقتراع في بيروت (رويترز)
TT

لم تكن سماء بيروت وحدها الزرقاء، فقد ارتدت الدائرة الثالثة من العاصمة اللبنانية الأزرق بالكامل في تظاهرة تأييد لـ«تيار المستقبل» ورئيسه النائب سعد الحريري الذي كان من بين أول الواصلين إلى أقلام الاقتراع في الدائرة، حيث وصف ما يحصل بأنه «عرس للديمقراطية».. في كل أنحاء الدائرة كانت رايات «تيار المستقبل» مرفوعة على أجسام مؤيديه الذين ارتدوا الأزرق بالكامل، أو بما تيسر من غطاء للرأس لدى السيدات، أو قبعات لدى الرجال.

وعلى مقربة من أحد أقلام الاقتراع في الطريق الجديدة كانت جمهرة من الشبان تقدم المساعدة للناخبين بإرشادهم إلى أقلام الاقتراع التي يجب عليهم التوجه إليها. ويقول شاب يرتدي الأزرق السماوي كان يدخن «النرجيلة» على أحد الأرصفة إنه صوَّت (اقترع) «زي ما هيي» في إشارة إلى إدلائه بلائحة كاملة تعود لتيار المستقبل الذي اتخذ هذا الشعار للدلالة على الالتزام باللائحة كاملة، وهو شعار أطلقه الرئيس الراحل رفيق الحريري في انتخابات عام 2000 وكرره نجله النائب سعد الحريري عام 2005 وفي الانتخابات الحالية.

لم يكن ناخبو «تيار المستقبل» قلقين على نجاح زعيمهم ولائحته المؤلفة من 10 نواب باعتبارها أكبر دوائر بيروت ومن بين أكبر ثلاث دوائر في كل لبنان، إذ يبلغ عدد ناخبيها نحو 245 ألف ناخب أكثر من نصفهم من السنة (157 ألفا). لكن إقبالهم على التصويت كان من باب «التصويت بالوفاء» للرئيس الحريري ولنجله كما يقول محمد، أحد شبان منطقة الطريق الجديدة.

في المقابل، يرفض أنصار اللائحة المعارضة التسليم بالخسارة قبل صدور نتائج الانتخابات رسميا. ويؤكد أحد العاملين في الماكينة الانتخابية للائحة المعارضة أنهم واثقون من تحقيق نتائج إيجابية، مشيرا إلى أن كثيرا من الناخبين في الدائرة حضروا من «أماكن بعيدة» للتصويت، وأنهم «لم يأتوا إلى معركة لا أمل منها»، رافضا تحديد ما إذا كانت هذه الأماكن خارج لبنان أو داخله.

وشهدت أقلام الاقتراع في رأس بيروت وميناء الحصن ودار المريسة، إقبالا كبيرا، وكانت حشود الناخبين تنتظر منذ الصباح الباكر أمام مراكز الاقتراع وسط حركة كثيفة للماكينتين الانتخابيتين للائحتين المتنافستين في دائرة بيروت الثالثة لقوى «14 آذار» وقوى «8 آذار». ورافق ذلك إجراءات مشددة اتخذتها القوى الأمنية لحماية المواطنين ولتسهيل حركة دخول وخروج الناخبين إلى مراكز الاقتراع حيث سجل حضور مراقبين من بعثة الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والمركز الديمقراطي الوطني. وأدى الإقبال الكثيف في أقلام الاقتراع الذي تجاوز كل التوقعات إلى جعل الناخبين ينتظرون طويلا ليدلوا بأصواتهم. ومنهم من غادر لعدم تمكنه من الاقتراع. ورد رؤساء الأقلام سبب الازدحام إلى الإجراءات الهادفة لمنع التزوير. فيما عمد بعض مندوبي المرشحين المنفردين إلى «تزوير» من نوع آخر بإعطاء الناخبين لوائح «ملغومة» تضم اسم مرشحهم بين أسماء مرشحي اللوائح الكبرى في محاولة لتمرير اسمه اعتمادا على عدم انتباه الناخب أو جهله بالمرشحين.

وأدلى الحريري بصوته في تكميلية رأس بيروت الرسمية المختلطة في مركز قلم اقتراع رأس بيروت وسط حشد كبيرٍ من الناخبين الذين صفقوا له وأطلقوا هتافات التأييد. وبعد أن أدلى بصوته، قال الحريري: «اليوم نشهد عرسا للديمقراطية وعرس لبنان الذي يمارس هذا اليوم الانتخابي بكل هدوء ومنذ الصباح الباكر. وما يميز لبنان هو اختيار المواطنين لنوابهم داخل البرلمان، آملين أن نبقى نمارس هذه الديمقراطية وأن نحافظ عليها، كما نحث كل اللبنانيين واللبنانيات على النزول إلى صناديق الاقتراع للتصويت لمن يختارونه، لأن شعور الناخب في الإدلاء بصوته يفتقده الكثيرون في هذا العالم بينما يحظى به لبنان بامتياز». تختلف الصورة في دائرة بيروت الثانية، فالمنافسة غير موجودة ولولا «التشويش» الذي نجم عن ترشيح النائب السابق عدنان عرقجي المقرب من «حزب الله» لكانت الانتخابات في هذه الدائرة «لزوم ما لا يلزم». فقد أدى الاتفاق على تقاسم مواقع هذه الدائرة التي يصفها المرشح عن المقعد السني نهاد المشنوق لـ«الشرق الأوسط» بأنها «مثال حي عن كل لبنان، حيث يتساوى فيها الصوت الإسلامي مع المسيحي والسني مع الشيعي» إلى فوز النائبين الأرمنيين بالتزكية (واحد للمعارضة وواحد لـ«14 آذار») وإلى فوز شبه مؤكد للمرشحين الشيعي (هاني قبيسي المقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري) والسني (نهاد المشنوق).

ومع أن الأمور تبدو محسومة لأعضاء اللائحة التوافقية الذين مارسوا خلال الأيام السابقة للانتخابات كل أنواع «الغزل الانتخابي» للتأكيد على التوافق، وتحديدا قبيسي والمشنوق، فقد نزل الناخبون من الجانبين إلى صناديق الاقتراع بنسب مقبولة، مع تسجيل حضور لافت للناخبين الأرمن.

صعودا نحو الدائرة الأولى التي تضم مناطق الأشرفية والرميل والصيفي، تبدو الأمور مختلفة إلى حد بعيد، فالحماوة الانتخابية دفعت بالناخبين إلى صناديق الاقتراع بكثافة فاقت التوقعات وصلت معها نسب الاقتراع إلى 32 في المائة عند الثالثة من بعد الظهر لأول مرة في تاريخ هذه المنطقة التي لم يتجاوز تصويتها في الانتخابات السابقة 15 في المائة، علما أن هذه الدائرة تنتخب للمرة الأولى بوضعيتها الجديدة كمنطقة ذات كثافة مسيحية شبه خالصة يبلغ فيها الصوت الأرثوذكسي 24 ألف ناخب من أصل 91 ألفا، فيما الصوت الأكبر فيها أرمني (27 ألف ناخب) سيكون لإقبالهم الكثيف الأثر البالغ في رفع نسب الاقتراع وفي فوز إحدى اللائحتين. علما أن حالة «استيراد أصوات» غير مسبوقة سجلت للناخبين الأرمن من خارج لبنان لتمكينهم من الاقتراع.

واللافت في هذه الدائرة أن معظم مرشحيها البارزين هم من خارج نطاقها، مما اضطرهم إلى التصويت في مناطقهم باكرا للعودة إلى الدائرة ومتابعة معركتهم عن كثب. ولهذا كان مرشح المعارضة مسعود الأشقر أول المقترعين في دائرة المتن الشمالي في بلدة ديك المحدي. فيما أدلى المرشح للمقعد الماروني نديم الجميل بصوته في أحد أقلام الاقتراع في مسقط رأسه بكفيا، ثم توجه إلى مدافن العائلة، وأضاء الشموع على ضريح والده الرئيس الراحل بشير الجميل، ثم توجه إلى بيروت لمتابعة المعركة الانتخابية. وكذلك اقترع النائب ميشال فرعون (14 آذار) في الدائرة الثانية من بيروت. فيما اقترع مرشح المعارضة نائب رئيس الحكومة عصام أبو جمرة في مرجعيون بجنوب لبنان.

وأمام مراكز الاقتراع كان أعضاء الماكينات الانتخابية يتجمعون لحض الناس على التصويت للوائحهم. وارتدت فتيات من «التيار الوطني الحر» قمصانا سوداء كتب عليها بالبرتقالي (شعار التيار) «كوني جميلة وانتخبي». وكن يلوحن بأعلام التيار ويرقصن احتفالا بنصر لم يعرفن بعد إذا كان قد تحقق أم لا.

بين الدائرة الأولى في بيروت ودائرة المتن التي تبدأ من حي أرمني يجاور الأشرفية هو برج حمود الذي يضم أعلى كثافة سكانية أرمنية في لبنان، جسر يربط المنطقتين جغرافيا وسياسيا.

وتعتبر دائرة المتن الشمالي من أهم الدوائر الانتخابية في هذه الدورة لما قد يشكله فوز أحد الطرفين بها من تأثير على تشكيل الأكثرية البرلمانية في المجلس الجديد. وتأمل قوى «14 آذار» في استثمار التحالف الجديد مع النائب ميشال المر القوي انتخابيا في المنطقة لمصلحتها، والحصول على أكبر عدد ممكن من مقاعد هذه الدائرة المارونية الطابع بناخبيها الموارنة الـ 74 ألفا من أصل 167 ألفا. لكن الأمور قد لا تكون بهذه السهولة بالنسبة إلى فريق الأكثرية مع الإقبال غير المسبوق للناخبين الأرمن الذي تجاوز الإقبال الارمني على الانتخابات عام 2005 وفي الانتخابات الفرعية التي أجريت عام 2007، كما يقول النائب الفائز بالتزكية أغوب بقرادونيان. غير أن هذا الفوز لم يمنع الأرمن من النزول بكثافة إلى أقلام الاقتراع لدعم حليفهم السياسي النائب ميشال عون وتياره، حتى جاوزت نسبة المقترعين منهم 50 في المائة حتى ساعات ما بعد الظهر. ويبلغ عدد الناخبين الأرمن في المتن نحو 32 ألفا. وأكثر ما يميز هذا الصوت هو التزامه إلى حد كبير بقرار حزب «الطاشناق» الذي تتبعه أكثرية الأرمن في لبنان وهو حزب يتميز بانضباطية عالية وفقا للقاعدة المعروفة التي يرددها اللبنانيون باللهجة المكسرة المعروفة عن الأرمن «أنا بيصوت مثل ما بيقول حزب». وعلى الرغم من الارتباط التاريخي للأرمن بالنائب المر، فإنهم اختاروا التصويت للوائح عون بعد فشل مفاوضات أجراها «الطاشناق» مع النائب الحريري، قيل يومها إن «الطاشناق» قام بها من باب «رفع العتب» لالتزامه السياسي مع عون، مع وعد بالتصويت للنائب المر وحده من دون بقية مرشحي «14 آذار». إلا أن ما مارسه الأرمن على الأرض لم يكن لمصلحة المر بنسبة كبيرة. ففي حين أكد له قادة «الطاشناق» أن الحزبيين سيصوتون له، إلا أن إقدامهم على تنويع الاسم الذي شطب من لائحة عون يكاد أن يلغي فوائد تصويتهم. فقد أقدم هؤلاء على تقسيم أصواتهم بين المرشحين الأرثوذكسيين على لائحة عون؛ غسان مخيبر وغسان الرحباني، بدلا من اختيار اسم وحيد وشطبه. كما أن معلومات وردت عن تصويت الأرمن «من غير المحازبين» للوائح عون بالكامل. وبدا الالتزام الأرمني على أشده في «التصويت المنظم».

غير أن وزير الدفاع إلياس المر، نجل النائب المر، أبدى بعد اقتراعه للائحة والده و«14 آذار» اقتناعه بأن الأرمن سيصوتون «لمصلحة لبنان».