فوضى في الرحلات الجوية بمطار بغداد.. ومصدر ملاحي: أوامر إغلاق الأجواء تصدر من الأميركيين

«الشرق الأوسط» تعيش تفاصيل تأخر طائرة ثلاث ساعات بسبب سفر مسؤول عراقي

جانب من الازدحامات التي تعمّ شوارع العاصمة العراقية («الشرق الأوسط»)
TT

لو أمكن إيجاد مفردة تعبر عما هو أعمق من الفوضى لأطلقناها على الأوضاع الحياتية في بغداد التي أدمنت بالفعل الفوضى في كل شيء، فالطائرات التابعة للخطوط الجوية العراقية من الممكن أن تتأخر أو تلغى رحلاتها أو تبقى عائمة في الأجواء بسبب إغلاق مطار بغداد الدولي فجأة، والفجأة هذه تتعلق بسفر أو وصول مسؤول عراقي، أما إذا كان المسؤول أميركيا فهذا يعني غلق الأجواء بوجه أي طائرة حتى خروج طائرة هذا المسؤول من الأجواء العراقية، وإذا ما هبطنا إلى أرض بغداد فسوف تتجسد صور ومشاهد الفوضى بكل معناها بدءا بأسلوب قيادة السيارات ومرورا بالشوارع الرئيسة للعاصمة العراقية التي تحولت إلى خراب.

«الشرق الأوسط» اختارت يوما عاديا من أيام بغداد لتروي تفاصيله كما هي وبالضبط، الذي يجسد الحالة المأساوية التي يعيشها البغداديون اليوم.

بدأ يومنا من أربيل عاصمة إقليم كردستان، حيث حلقت طائرة الخطوط الجوية العراقية، الرحلة 908، في موعدها بالضبط، الساعة السابعة من يوم 30 مايو (أيار) الماضي، وكان من الغريب أن تحلق رحلة للعراقية في موعدها المحدد لها، وأعلن قائد الطائرة الياسري أن الرحلة تستغرق 45 دقيقة، وبعد مضي أكثر من نصف ساعة وبينما تستعد الطائرة للهبوط التدريجي في مطار بغداد الدولي، أعلن قائد الطائرة أن مطار بغداد أغلق لأسباب مجهولة، مع أن الجو كان على العكس من الأيام الماضية التي سادتها عواصف ترابية منعت سير الرحلات بين أربيل وبغداد، وهكذا عادت الطائرة إلى مطار أربيل، وبعد انتظار أكثر من 90 دقيقة أُعلن عن فتح مطار بغداد، وأصر قائد الطائرة عدم التحليق ما لم يتأكد تماما أن طائرته ستحط هذه المرة في مطار بغداد وقد حصل على التأكيدات حسبما أخبرنا من قبل طاقمه.

بعد أن حلقت الطائرة للمرة الثانية وما أن اجتازت أجواء مدينة سامراء القريبة من بغداد، حتى أعلن عن غلق مطار بغداد للمرة الثانية وأخذت الرحلة طريقها مرة أخرى إلى العودة إلى اربيل، لكن الرحلة عادت إلى مسارها نحو بغداد عندما ابلغوا قائد الطائرة أن مطار بغداد عاد فتحه، لكن الطائرة وللأسف لم تصل العاصمة بسبب الإغلاق الثالث للمطار، وهكذا بقيت الطائرة تدور فوق مدينة سامراء لأكثر من نصف ساعة.

مصدر ملاحي داخل الطائرة أخبر «الشرق الأوسط»، «أن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث مثل هذه الفوضى، إذ نضطر أحيانا للتحليق فوق بغداد لنصف ساعة أو نجبر على الهبوط في مطار السليمانية أو التوجه إلى البصرة لإغلاق المطار بسبب مغادرة أو وصول مسؤول حكومي»، وأشار هذا المصدر الذي رفض نشر اسمه قائلا «أما إذا كان المسؤول أميركيا فإن أوامر غلق الأجواء العراقية تأتي من القاعدة الأميركية في قطر، وحتى الآن فإن السيادة على الأجواء العراقية أميركية تماما».

عندما هبطت الرحلة 908 للخطوط العراقية في مطار بغداد بعد الساعة العاشرة والنصف عرف المسافرون أن أسباب التأخير تتعلق بسفر رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، إلى طهران لزيارة عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وحسب مصدر أمني داخل المطار فإن «المطار يتم إغلاقه كلما سافر المالكي أو عاد إلى بغداد».

وقال المصدر الأمني الذي لم يذكر اسمه لأسباب أمنية «أن رجال أمن المطار أو حتى حماية رئيس الحكومة، ممنوعون من تفتيش الطائرة بحثا عن متفجرات أو لاقطات صوت تسترق أحاديث المالكي أو مرافقيه داخل الطائرة».

مع ذلك، نستطيع القول إن المطار هو الجزء الأكثر تنظيما في بغداد، سواء من حيث استقبال وتوديع المسافرين وتفتيش حقائبهم والمعاملة الحسنة التي يلقاها الناس هناك، لكن ما أن تخرج من المطار وشارعه الذي تمت إعادة تعبيده، وتجتاز جدارية كبيرة، كان مرسوما عليها صورة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، واليوم تحمل صورة محمد باقر الصدر، حتى تدخل في دوامة الفوضى الحقيقية، إذ عليك أن لا تفاجأ عندما تجد رتلا من سيارات حماية مسؤول ما يقطع الشارع عكس اتجاه السير تماما بينما صافرات الإنذار التي تطلقها هذه السيارات تصيب الآخرين بالدوار والصداع، وحسب غالب حسن، السائق الذي اقلني من المطار إلى وسط بغداد، ساخرا، فإن «عدد المسؤولين في بغداد، سواء كانوا حكوميين أو برلمانيين أو أمنيين أكثر من عدد سكان بغداد».

الشوارع خربة تماما، خاصة شارع الرشيد، أقدم واهم شوارع بغداد، وشارع السعدون، الذي يعد العصب التجاري للعاصمة العراقية، هذا الشارع الذي كان ينبض بالحياة حتى الفجر بسبب وجود عدد كبير من صالات العرض السينمائي والمحلات التجارية وعيادات الأطباء، تحول اليوم إلى منطقة مهجورة تماما، وما أن تنعطف إلى أي زقاق من أزقة السعدون أو البتاويين في جانب الرصافة حتى تتأكد بأنك في قرية بعيدة تماما عن أي منجز حضاري، بينما كانت هذه الأزقة تزدهر بالمطاعم والمقاهي والأسواق.

ما يعتبر اليوم في بغداد بأنها مناطق مزدهرة، مثل شارع أبو نواس ومنطقة الجادرية في الكرادة، فإنها أيضا تتعرض للخراب اليومي والازدحامات التي تستغرق وقوف السائقين لأكثر من ساعة وسط حصار السيارات الأخرى ومرور المدرعات الأميركية وسيارات الحمايات الخاصة وغلق جسر الجمهورية، وكل هذا يحدث وسط العواصف الترابية الخانقة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وعدم وصول مياه الشرب إلى حنفيات البيوت.

وتشكي زينب فائق، معلمة في إحدى مدارس حي الحارثية من «سوء الظروف الاقتصادية والمناخية والحياتية»، وتضيف قائلة «كل هذا والحكومة تريدنا أن نغني طوال اليوم: الدنيا ربيع والجو بديع».