خلافات عائلية ومشاكل زوجية بسبب التوجهات السياسية

مشاهد انتخابية.. صنعت في لبنان

TT

أعلام برتقالية وأخرى زرقاء، صفراء وخضراء وشعارات رسمت عليها الأرزة اللبنانية، وأخرى تربع عليها شعار القوات اللبنانية، هتافات وتجوال في السيارات وحرق آلاف غالونات البنزين، ولكل حزب نغمة بوق خاصة به، ولافتات على أبواب المحلات كتب عليها أصحابها «الرجاء عدم التكلم بالدين والسياسة» لترى أرباب العمل أول من فتح موضوع السياسة، الطرقات اللبنانية عامة والبيروتية خاصة، كانت أشبه بمسرح كبير في الأيام القليلة التي سبقت يوم الانتخابات النيابية الأحد الماضي، ولم يكف اللبنانيون، بمختلف شرائحهم العمرية، إناثا وذكورا، عن الحديث عن الانتخابات والتعبير عن رأيهم، وهذا المشهد كان حاضرا داخل البيوت وفي قلب العائلات، فانقسم أفراد العائلة وأدت الانتخابات إلى مشاكل زوجية، وحلف العديد من الرجال يمين الطلاق على زوجاتهم اللاتي لم ينصعن وراء انتماءاتهم السياسية المخالفة لهن.

المشهد الانتخابي في لبنان مضحك ومبك، فإلى جانب العدد الكبير من اللبنانيين الذين رأوا بأن الاقتراع والتعبير عن رأيهم السياسي من خلال انتخاب ممثلين عنهم في البرلمان واجب سياسي، انضم إليهم 120 ألفا من اللبنانيين المغتربين ليكتمل المشهد الانتخابي، ففي الأيام الأخيرة التي سبقت يوم الانتخاب اكتظ المطار في بيروت بالطائرات والوافدين من مختلف بقاع العالم للمشاركة في الانتخابات، وبدأ الحديث عن الانتخابات من مقاعد الطائرة، فراح المسافرون اللبنانيون يسألون بعضهم البعض عن انتمائهم السياسي وعن اللائحة التي سيختارونها، وكان الحديث في الطائرة وفي المطار يدور عن تسمية مستحدثة وهي «السياحة الانتخابية»، فمن المعروف عن اللبنانيين حبهم للحياة ولو في أحرج الظروف واللحظات بما في ذلك فترة الانتخابات النيابية، فلهيب الحرب الانتخابية الطاحنة لم يثن اللبنانيين عن التمتع بمجيئهم إلى لبنان، فكان تعليق عدد كبير من المغتربين اللبنانيين على مجيئهم في هذا الوقت بالتحديد إلى لبنان بدافع الانتخابات والسياحة بنفس الوقت والاستفادة من المناخ الدافئ والمعتدل حاليا.

وعند الوصول إلى نقطة تسجيل الجوازات ينضم إلى قافلة المتحدثين عن الانتخابات والمتكلمين باسم السياسة، موظف الأمن العام الذي لم يتردد بطرح السؤال عن الشخص أو الحزب الذي تنوي التصويت لصالحه.

اللبنانيون أفضل من تابع الأخبار السياسية على القنوات التلفزيونية والإذاعية، ففي كل منزل قنوات أرضية وفضائية وصحون لاقطة خاصة وعامة تزين أسطح المنازل والمباني، الحديث والتحليل السياسي لا ينتهي، يبدأ من ساعات الفجر الأولى ويتواصل حتى غروب الشمس وفي الليل أيضا، ويتواجد في كل جلسة مناصرون لمختلف الأحزاب، والكل يعتقد أنه على حق، والمشهد المضحك هو الحديث بين الأزواج المختلفين سياسيا عن الانتخابات، فالزوجة تتبع زوجها في دوائر تسجيل النفوس وبالتالي يتوجب عليها الاقتراع في قلم الاقتراع الذي ينتخب فيه الزوج، ففي حال كان صوتها ضد الحزب الذي يريد التصويت له الزوج، يعمل هذا الأخير جهده لترك زوجته في المنزل حتى لا يستفيد الخصوم من صوتها.

وفي حالة «ك. ش» و«ن. ت» فالزوج من أنصار المعارضة في لبنان ويزين سيارته بأعلامها وصور مرشحيها وقائدها، في حين أن زوجته من أنصار القوات اللبنانية، وخلال فترة الانتخابات اتخذت الزوجة من موقع «فيس بوك» منبرا لها للتعبير عن صوتها المخالف لصوت زوجها، مما أدى إلى نشوب خلافات على صعيد العائلة بمن فيها أم الزوج التي تؤيد الجهة التي ينضم إليها ابنها، وبعد صدور النتائج الانتخابية، أكملت الزوجة مسيرة الذم والقدح من منبرها الإلكتروني مما دعا زوجها للتدخل ووضع حد لتصرفاتها التي أصبحت مشكلة عائلية وزوجية على صعيد واسع، فأجبر الزوج زوجته على إقفال صفحاتها على موقع «فيس بوك» مهددا إياها بالطلاق.

غير أن الإقفال، الذي فرض على عدد من المقاهي والمرافق العامة في لبنان، لم يثن اللبنانيين عن تنظيم يومهم الانتخابي واليوم الذي بعده والاستفادة من الإقفال وإجازة العمل، بل خطط اللبنانيون ليومهم بتأن كامل فاختار البعض التوجه إلى مكاتب الاقتراع في الصباح لتفادي الشمس الحارقة وبعدها توجهوا إلى الشواطئ والبعض الآخر أمضى النهار في منازل قريبة من مراكز الانتخاب للتمتع بالأجواء الموسيقية التي انطلقت من بيوت الأحزاب، ولم تمنع دبابات الجيش اللبنانيين من الخروج فترة الليل بعد إقفال صناديق الاقتراع، فتوجه عدد كبير إلى المقاهي التي تحدت قرار الإقفال لتناول النرجيلة وفي الخلفية تلفزيون يبث الاستطلاعات التي كان المنتظر أن تكون مؤشرا للنتائج، وبما أن السياسة مهمة جدا بالنسبة للمواطن اللبناني فكان لا بد من التسلح بكل الوسائل التقنية لتتبع أخبار الانتخابات والنتائج، فعلى صوت فيروز في المقهى وصوت البحر وأمواجه كان الهاتف الخلوي رفيق اللبناني الذي اشترك بخدمة «ليبان بوست» لإعلامه بأخبار الانتخابات «أولا بأول»، والمفارقة هنا هو أن في تلك الجلسات يجتمع أنصار المعارضة والموالاة، فمع وصول كل رسالة خطية على الهاتف ترى معالم وجه حامله تتبدل، فإذا كانت المعلومة لصالح حزبه تراه ينفخ صدره ويتباهى وفي حين كان الخبر سلبيا يسكت ويتغير لون وجهه.

وفي بعض المناطق المقسمة سياسيا والتي فيها انتماءات حزبية عديدة، ترى البعض من المواطنين يحاولون إرضاء جميع الفرقاء فيضعون في سياراتهم أعلاما بجميع الألوان والأشكال يطلقون واحدا منها بحسب الجغرافيا المناطقية المناسبة، وفي بعض الأحيان يضطر سائق السيارة إلى مشاطرة مركبته مع صديق يؤيد جهة مختلفة فترى علمين مضادين يزينان السيارة. ومهما حاول اللبنانيون التظاهر بأنهم متقبلون لوجهة نظر ذويهم وأصدقائهم المخالفة لهم، يبقى التوتر واضحا، فتتصاعد وتيرة التكلم، والغريب هو أن كل اللبنانيين الذين يختلفون بسبب دعمهم السياسي يتفقون على نفس الحقوق والمطالب.

ويستمر المشهد الانتخابي بالنسبة للبعض، وتنتهي السياحة الانتخابية بالنسبة للمهاجرين الذين لم تكن لديهم الفرصة للبقاء لمعرفة النتائج التي كانت متعثرة في بعض المناطق اللبنانية، ولكن لم يبخل عليهم المطار بتوزيع شاشات عملاقة توفر لهم بث الأخبار على مدار الساعات والدقائق، واللافت هو تجمع المسافرين، وبحسب انتماءاتهم السياسية، لمتابعة أخبار قناة بعينها، في حين ترى مجموعة أخرى تتسمر أمام شاشة تبث أخبار قناة لبنانية أخرى معادية.

ويستمر التحليل السياسي، وكما بدأ المشهد السياسي من مقاعد الطائرة ينتهي عليها وبدلا من سؤالك «لصالح من سوف تدلي بصوتك» ستسأل «لمن أدليت بصوتك».