لبنان: تزخيم النشاط الاقتصادي معلق بانتظار تكريس الاستقرار السياسي

ردود الفعل الهادئة على نتائج الانتخابات أشاعت موجة ارتياح في الأسواق

TT

تلقفت الأسواق المالية اللبنانية بإيجابية صريحة نتائج الانتخابات النيابية، التي أفضت إلى تكريس أكثرية الأكثرية. واستوعبت بالتالي موجة المخاوف السابقة الناجمة بصورة خاصة عن ضبابية المشروع الاقتصادي للمعارضة، التي كانت الاستطلاعات قد رشحتها للفوز بالأكثرية.

وعبرت الأسواق عن ارتياح المتعاملين إلى ردود الفعل الهادئة الصادرة عن طرفي المعادلة السياسية، وإمكان تجاوز الاستحقاقات التالية بأقل مقدار ممكن من المواجهة والتصادم، خصوصا لجهة إعادة انتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب. وهذا ما يؤسس مبدئيا لتفاهمات أشمل تطال تأليف الحكومة الجديدة، مع ترجيح شبه إجماع على تولي سعد الحريري رئاستها بوصفه رئيس أكبر تكتل نيابي ورئيس الأكثرية الجديدة.

لكن الارتياح الظاهر لا يزال محكوما بمحاذير جدية قد تتحول إلى أزمة حكم جديدة في حال إعادة إنتاج الخلافات حول الثلث الضامن أو المعطل في الحكومة الجديدة. وهذا ما ستظهره الأيام القليلة المقبلة من خلال المواقف المتوقعة للأطراف الفاعلة، والاجتماعات المرتقبة بين قادة الصف الأول داخل كل طرف، وبين الطرفين. والأهم منها ما يتردد عن اقتراب موعد اللقاء بين رئيس اللقاء الديمقراطي الأكثري وليد جنبلاط والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله الزعيم الأقوى للمعارضة. كذلك ما تردد حديثا عن لقاء بين الأخير والحريري.

وإلى حين اتضاح منحى التطورات المقبلة، كان العامل النفسي حاسما في قيادة الأسهم اللبنانية إلى ارتفاعات كبيرة في بورصة بيروت أمس، مكرسة الصعود الذي بدأته في الأسواق الخارجية مطلع الأسبوع، حيث كانت الأسواق الداخلية في عطلة داخلية انتخابية.

وقد ارتفعت القيمة السوقية الإجمالية للأسهم المدرجة في بورصة بيروت نحو مليار دولار خلال يومي عمل وما نسبته 6.5 في المائة في اليوم الأول و3.5 في المائة أمس، لتصل إلى 10.9 مليار دولار مدفوعة، بشكل خاص، من الإقبال على أسهم شركة سوليدير (عقارية وسط بيروت التجاري)، ومن امتداد الموجة إلى الأسهم المصرفية.

ويؤكد أرجحية العامل النفسي، انحسار موجة الطلب نسبيا قبيل إقفال التداولات وتراجع نسبة الارتفاع من حدها الأقصى البالغ 15 في المائة إلى نحو 12 في المائة أولا ثم نحو 8 في المائة في اليوم الثاني، فيما بلغت نسبة الارتفاع بين 7 و9 في المائة للأسهم المصرفية الأكثر تداولا (الحد الأقصى للتبادل اليومي 10 في المائة) ثم استقرت. أما مجموع التداولات فبلغ نحو مليون سهم قيمتها نحو 18 مليون دولار يوم الثلاثاء وأقل من 800 ألف سهم أمس (الأربعاء) قيمتها نحو 15 مليون دولار، حازت سوليدير معظمها في اليومين. وأفاد متعاملون في السوق ورؤساء غرف قطع وخزينة في المصارف، أنه من المبكر الحكم على أداء الأسواق الذي سيتفاعل تباعا مع التطورات السياسية. والفيصل هو استمرار الهدوء وتجاوز الاستحقاقات الدستورية بلا تأزيم يستعيد مظاهر التوتر الذي سبق الانتخابات وبلغ أوجه قبل عام تقريبا حين اندلعت مواجهات أمنية كادت تطيح كل مقومات الاستقرار الهش.

ويعول الاقتصاديون، بكل قطاعاتهم، على رفد إنجاز الاستحقاق الانتخابي بتفاهمات سياسية جدية تضمن الاستقرار على أبواب الموسم السياحي الصيفي الذي يؤمل أن يكون قياسيا بأرقامه ومعطياته وانعكاساته على كل مفاصل الاقتصاد الوطني والناتج المحلي، وسط توقعات بأن يتجاوز عدد السياح 1.7 مليون سائح هذا العام، وهو رقم غير مسبوق يعززه النمو القياسي لحركة السياحة بنسبة 50 في المائة خلال الأشهر الخمسة السابقة.

ويمثل القطاع المصرفي بدوره ركيزة الاقتصاد وقاطرة تفعيل نموه بفعل حيازته أصولا (موجودات) قفزت أخيرا عن عتبة 100 مليار دولار دون احتساب الميزانيات الخارجية، حيث للمصارف اللبنانية وجود مباشر ونوعي في العديد من الأسواق الإقليمية، كما تملك انتشارا في بعض الأسواق الدولية. وهذا القطاع ممول رئيسي لحاجات الدولة المالية بالتوازي مع مصرف لبنان المركزي الذي يحوز حاليا احتياطا قياسيا من العملات الأجنبية يزيد على 23 مليار دولار ومخزون ذهب تناهز قيمته 9 مليارات دولار.

وفي ترقب يتسم بالإيجابية، اعتبر رئيس الهيئات الاقتصادية، عدنان القصار، في تصريح أمس الأول، «أن إتمام الاستحقاق الانتخابي بنجاح وفي أجواء من الحرية والهدوء والشفافية هو انتصار للديمقراطية وللبنان». وقال: «إننا نسجل لجميع القيادات السياسية إصرارها على تثبيت الهدوء في الشارع بحيث جرت الانتخابات بأكبر قدر من الهدوء والوعي، كما نسجل للقيادات الواعية من الطرفين التواضع في الربح من جهة، والترفع في الخسارة من جهة أخرى». وحيا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على «جهوده الكبيرة في تأمين أفضل المناخات السياسية لإنجاز الاستحقاق الانتخابي»، كما حيا وزير الداخلية زياد بارود على «تفانيه في سبيل الصالح العام، والقوى الأمنية على نجاحها في حماية الاستحقاق الانتخابي». وختم مشددا على «أهمية الحفاظ على الديمقراطية والاستقرار السياسي، وحماية حريات المواطنين، وتدعيم مسيرة بناء الدولة والمؤسسات» كما رأت غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، في بيان أصدرته، «أن الانتخابات النيابية تمت في جو كبير من الهدوء والديمقراطية». ودعا رئيس الغرفة غازي قريطم إلى «الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة التي تعتبر حاجة وطنية ماسة في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد».