معركة بين أحمدي نجاد وموسوي حول الفائز.. والحرس الثوري يتأهب

نسبة تصويت قياسية * خامنئي يدعو إلى الهدوء ومنع التوتر وسط تقارير عن مخطط تخريبي * أوباما: إمكانية لتغيير علاقات أميركا وإيران بعد الانتخابات

كروبي وموسوي وأحمدي نجاد خلال أدلائهم بأصواتهم أمس (أب) و( أ. ف. ب)
TT

أدلى ملايين الإيرانيين بأصواتهم في واحدة من أكثر الانتخابات الإيرانية تقاربا منذ سنوات، وساعد على تقاربها أن ما لا يقل عن 80% من الذين يحق لهم التصويت صوتوا بعدما اضطرت السلطات إلى تمديد ساعات الاقتراع حتى الساعة العاشرة مساء بالتوقيت المحلي الإيراني. ومع طول طوابير الناخبين توقع كل من المتنافسين الرئيسيين، وهما الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد والمرشح الإصلاحي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، فوزه في الانتخابات من الجولة الأولى، إلا أن السلطات الإيرانية لم تظهر حتى ليل أمس أى أرقام يمكن أن تشير إلى الفائز في الانتخابات. غير أن المشاركة القياسية وغير المسبوقة في التصويت رجحت إلى درجة ما حظوظ المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي الذي دعا الناخبين إلى عدم مغادرة مقار التصويت تحت أى ظرف قبل أن يصوتوا. لكن المحافظين نفوا تقدم الإصلاحيين، وذكرت وكالات أنباء قريبة من معسكرهم مثل وكالة «فارس» و«مهر» أن أحمدي نجاد قريب من الفوز بولاية ثانية. ومع حلول الليل وبعد فرز مبدئي للاصوات في عدة مدن أساسية شهدت إيران «معركة» حول الفائز وتسابق كل من الإصلاحيين والمحافظين على إعلان فوزه في الانتخابات. ففيما قال موسوي في بيان أمام الصحافيين: «طبقا للمعلومات التي وصلتنا فأنا الفائز في هذه الانتخابات بفارق كبير»، موضحا: «أشكر الحضور الرائع للناخبين.. جاء أشخاص لم يأتوا من قبل إلى صناديق الاقتراع والجميع رأوا ذلك»، سارعت وكالة «إرنا» الرسمية إلى إعلان فوز أحمدي نجاد بـ75% من الأصوات. وظلت وزارة الداخلية صامتة حتى ليل امس دون ذكر مؤشرات أولية حول النتائج، وكان فريقا حملة كل من موسوي ونجاد هما المصدر الأساسي للمعلومات حول النتائج الأولية، مما أثار شكوكا في دقتها وأسهم في شد الأعصاب وتوتر الأجواء. ولوّح موسوي بخروج الإيرانيين إلى الشارع في حالة التلاعب بالنتائج، فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني تأهبه في طهران والمدن الكبيرة تحسبا لأعمال عنف، خصوصا مع تحذيرات أطلقتها وكالة «إرنا» الرسمية للأنباء حذرت مما أسمته «مخطط اضطرابات» من قبل الإصلاحيين في طهران، كما عزز شد الأعصاب تعطل شبكة الرسائل القصيرة ومواقع إنترنت تتبع الإصلاحيين واعتقال 12 بينهم مدير حملة الانتخابية لموسوي الذي حذر من تدخل الحرس الثوري والباسيدج في مسار العملية الانتخابية.

وكان حليف لموسوي قد قال إنه ومع بدء إحصاء توجهات المصوتين يتجه موسوي للفوز بمعظم الأصوات في انتخابات الرئاسة. وأوضح صادق خرازي وهو حليف لموسوي لـ«رويترز» أن المسح الذي يجريه الإصلاحيون يظهر أن المرشح الإصلاحي حصل على ما يتراوح بين 58 و60 في المائة من الأصوات حتى الآن. إلا أن معسكر الرئيس الإيراني نفى تقدم موسوي في فرز الأصوات، ونقلت وكالة «مهر» للأنباء عن علي أصغر زارعي قوله: «اعتمادا على تقييم موقف أحمدي نجاد فإنه متقدم.. بنسبة 60 في المائة من الأصوات، ونحن متأكدون من أن الانتخابات ستنتهي في الجولة الأولى لصالحه»، مشيرا إلى أن تسريبات الإصلاحيين «حرب نفسية». وأشارت «مهر» إلى أن زارعي هو ممثل أحمدي نجاد في هيئة إشرافية على الانتخابات.

وصحت إيران أمس على طوابير طويلة من الناخبين الراغبين في التصويت، وبحسب الإحصاءات الأولية، فقد أدلى نحو 5 ملايين بأصواتهم خلال الساعتين الأوليين من الانتخابات. وقال مهتدي جبالي، وهو شاب إيراني في الثلاثينات من عمره لـ«الشرق الأوسط»، إنه اضطر للرجوع إلى منزله والعودة لاحقا لمقر الاقتراع بسبب الازدحام الشديد، موضحا: «في انتخابات 2005، بين رفسنجاني ونجاد، لم أصوت لأنني لم أعتقد أن التصويت سيؤدي إلى أى تغييرات، إلا أنني قررت التصويت في هذه الانتخابات لصالح موسوي، وأعرف آخرين سيصوتون له لأن كثيرين لا يريدون استمرار أحمدي نجاد ولا يؤيدون سياساته». بينما يبدو أن الصراع الحقيقي بين أحمدي نجاد وموسوي، فإن المرشحين الآخرين وهما محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري ومهدي كروبي رئيس «اعتماد ملي» سيؤثران قطعا على نتيجة الانتخابات. خاصة في ظل توقعات أن ينقسم الحرس الثوري بين أحمدي نجاد ورضائي. وقال مسؤول إيراني رفيع عمل سابقا في الحرس الثوري لـ«الشرق الأوسط» إن كثيرا من قيادات الحرس يدعم رضائي بسبب نهجه البراغماتي وخبرته الاقتصادية، إلا أن قوات الباسيدج مسألة مختلفة. ويوضح المسؤول الإيراني: «كثيرون داخل قوات الباسيدج يؤيدون أحمدي نجاد بسبب المكاسب الكثيرة التي تحققت لهم خلال سنوات حكمه. تسهيلات في القروض غير مسبوقة وزيادة في المرتبات ونسب الدخول في الجامعة والأهم تعزيز مكانتهم في المؤسسات السياسية». وقال المسؤول الإيراني: «نحن الآن أمام مفترق طرق: الحرس وقوته أمام الشارع وقوته.. واجهنا هذا خلال انتخابات نجاد أمام رفسنجاني، وفاز نجاد بسبب تكتل الحرس خلفه. المشاركة الهائلة في الانتخابات اليوم ستحسم أيهما أكثر تنظيما وأقوى». وتتوقع مصادر إيرانية مقربة من معسكر الإصلاحيين فوز موسوي في الانتخابات إذا لم تحدث تدخلات لتغيير الأصوات، معربة عن تفاؤل بأن هذا الفوز سيحدث سواء في الجولة الأولى أو في الجولة الثانية. وبحسب هذه المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هويتها: «معلوماتنا أن موسوي في طريقه للفوز بـ60% من الأصوات، مقابل نحو 22% لأحمدي نجاد، ونحو 10% لكروبي، ونحو 8% لرضائي». وبحسب هذه المصادر، فإنه في حال إجراء جولة انتخابات ثانية يوم الجمعة المقبلة، فإن موسوي سيحقق فوزا أكبر على أحمدي نجاد بسبب توقعات كثير من الإصلاحيين أن يصوت مؤيدو كروبي ورضائي لموسوي وليس للرئيس الإيراني. ويضيف المصدر الإيراني: «كروبي ورضائي هاجما، مثل موسوي، كل سياسات أحمدي نجاد تقريبا. لم يتفقا معه في شيء، لا سياسة خارجية أو اقتصاد أو إدارة البلاد. أنصار هذين المرشحين، إذا دخلنا جولة ثانية للانتخابات، سيتجهون تلقائيا نحو موسوي».

وتقول مصادر الإصلاحيين إنها تعتقد أن شعبية موسوي، ليس فقط في العاصمة طهران، وإنما في كرمان ومشهد وشيراز وأصفهان، مؤشر على إمكانية فوزه منذ الجولة الأولى. فيما تبقى المناطق الفقيرة ومحافظات مثل خراسان الشمالية وخراسان الجنوبية وزانجان هي معاقل التأييد لأحمدي نجاد. ودعا المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي بعيد فتح مراكز الاقتراع الإيرانيين إلى «لزوم الهدوء ومنع ظهور التوتر في مكاتب التصويت». وقد جرت الحملة الانتخابية في أجواء من المنافسة الضارية غير المسبوقة في الجمهورية الإيرانية بين المرشحين وشهدت تجمعات ومهرجانات شعبية سيطرت عليها أجواء احتفالية. كذلك أدلى أحمدي نجاد بصوته باكرا في أحد أحياء جنوب شرقي العاصمة، وانتظر الرئيس الذي يحرص على تصوير نفسه في صورة «رجل الشعب» أربعين دقيقة في صف انتظار طويل قبل أن يضع بطاقته في صندوق الاقتراع، بحسب ما أفادت وكالة «ايرنا» الرسمية. أما موسوي الذي أدلى بصوته أيضا في طهران، فرأى «مؤشر خير» في الإقبال القوي، لكنه دعا «المسؤولين إلى السهر على حراسة صناديق الاقتراع». وذكر معلومات تفيد أن بعض «ممثليه لم يسمح لهم بالقيام بمهام مراقبين» في مكاتب تصويت.

وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية «مهر» شبه الرسمية أن المشاركة في الانتخابات ستكون «70% على الأقل» حسب ما أعلن محسن إسماعيلي العضو في مجلس صيانة الدستور المكلف الإشراف على الانتخابات. وقال إسماعيلي: «نظرا إلى ما شاهدناه والتقارير التي تلقيناها، ستكون نسبة المشاركة جيدة، وأتوقع أن تصل إلى 70% على الأقل». ويقدر عدد الناخبين الإيرانيين بنحو 46.2 مليون ناخب. ووصفت وزارة الداخلية نسبة مشاركة الناخبين في الاقتراع الذي يتنافس فيه الرئيس المنتهية ولايته وموسوي، بأنها «غير مسبوقة». وخلال الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 2005 كانت نسبة المشاركة في الاقتراع 62% من إجمالي 46 مليون ناخب.

وقال وزير الداخلية السابق علي أكبر ناطق نوري لوكالة الصحافة الفرنسية إن نسبة الإقبال على الانتخابات الرئاسية الإيرانية «أكبر من المرات السابقة» نظرا إلى طوابير الناخبين أمام مراكز التصويت. وقد بدأ التصويت عند الساعة 8.00 بالتوقيت المحلي (3.30 تغ) مع اصطفاف مئات الأشخاص أمام حسينية إرشاد أحد مراكز التصويت الرئيسية في العاصمة حيث أدلى ناطق نوري بصوته. وقال أحد مفتشي اللجنة الانتخابية طالبا عدم كشف اسمه إنه أمر «غير مسبوق. إنها المرة الأولى التي ينتظر فيها الناس قبل الافتتاح»، مضيفا: «الأمر نفسه في مراكز التصويت الأخرى التي شاهدتها».

وسط خوف من تدخلات سياسية قد تؤثر على نتيجة الانتخابات، حذر موسوي من تدخل الحرس الثوري، الجيش العقائدي في النظام الإيراني، وميليشيا الباسيج الإسلامية في الانتخابات، داعيا المواطنين إلى حماية الأصوات. وكتب موسوي في رسالة موجهة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي «ثمة شهادات تفيد بتدخل عدد من القادة والمسؤولين في الحرس الثوري والباسيج في الانتخابات»، بحسب ما أورد موقع حملته على الإنترنت.

وتابع أن «مثل هذه الأعمال، في حال تأكدت، تشكل انتهاكا للقانون وستثير شقاقا بين قادة الحرس الثوري والباسيج وقاعدتهما النزيهة والنظيفة». ولم يوضح المرشح، الذي يعتبر الخصم الرئيسي للرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، طبيعة هذه «التدخلات». وكتب أن «إمكانية تغيير تصويت الناخبين تثير القلق». وقد يعني إقبال نسبة عالية من الناخبين على التصويت مشاركة كثيرين من أنصار الإصلاحيين الذين ابتعدوا عن الساحة عندما فاز أحمدي نجاد بشكل مفاجئ بالرئاسة قبل أربع سنوات متعهدا بإحياء قيم الثورة الإسلامية التي اندلعت في إيران عام 1979. وجذبت انتخابات الرئاسة الإيرانية اهتمام العالم، حيث يترقب صانعو السياسة بوادر تغيير في موقف طهران. أما بالنسبة للإيرانيين فهذه فرصة للحكم على فترة رئاسة أحمدي نجاد التي استمرت أربعة أعوام، خاصة إدارته لاقتصاد البلاد القائم على تصدير النفط، الذي يعاني من معدل تضخم ومعدل بطالة عاليين.

وشاب الحملة الانتخابية الأخيرة التراشق بالألفاظ، واتهم أحمدي نجاد منافسيه بالفساد، بينما قالوا إنه يكذب بشأن حالة الاقتصاد. ومن المتوقع أن تظهر النتائج الأولية للسباق في ساعة مبكرة اليوم. وإذا لم يحصل أي من المرشحين على 50 في المائة من الأصوات ستجرى جولة إعادة يوم 19 يونيو (حزيران) بين المتنافسين الرئيسيين.

وعلى الرغم من أن الإصلاحيين يعتبرون أن طريقة أداء نجاد خلال السنوات الأربع الماضية قد تمنح لهم طريقا للعودة للسلطة بعد تعطش أكثر من 5 سنوات لم تتحقق لهم فيها أى انتصارات سواء في انتخابات البرلمان أو الانتخابات الرئاسية الماضية، فإن القاعدة الأيديولوجية الداعمة لأحمدي نجاد ستكون أساسية في حظوظ الرئيس. فكما أن هناك من لا يزالون يدعمون الرئيس الإيراني، هناك أيضا من صوتوا له خلال المنافسة مع رفسنجاني ولن يصوتوا له خلال هذه الانتخابات. وقال أيوب مهرابي، الموظف البالغ من العمر 28 عاما، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أحمدي نجاد هو الأكثر كفاءة». إلا أن سعدة مير ـ إبراهيمي، وهي مصففة شعر عمرها 43 عاما وصوتت لأحمدي نجاد عام 2005، بادرت بالقول: «إنني قادمة من جنوب» طهران حيث الأحياء الشعبية «لأصوت لصالح موسوي. زوجي فقد عمله ولا يمكننا العيش مع ثلاثة أبناء بدخل يصل بالكاد إلى مليوني ريال (200 دولار) في الشهر».

وانتهج أحمدي نجاد منذ فوزه المفاجئ عام 2005 سياسة شعبوية، مؤكدا عزمه على إعطاء الأولوية للطبقات الشعبية، غير أن الاقتصاديين انتقدوه، آخذين عليه سوء إدارته للأموال العامة، وتناولوا بصورة خاصة نهجه في الإنفاق القائم على إعادة توزيع كميات كبيرة من العائدات النفطية، ما أدى إلى تزايد التضخم ليصل إلى نحو 25%.

ومع أن القضايا الداخلية هي الأساس الذي صوت على أساسه الإيرانيون أمس، فإن العلاقات مع أميركا واحتمال الانفتاح معها يشكل أيضا دافعا لتصويت كثيرين. ففيما تقول هالة علي زاده، مضيفة الطيران الشابة البالغة من العمر 23 عاما والتي جاءت للتصويت في مدرسة «شهادة رسالة» بوسط العاصمة: «الأولوية هي للوظائف والتضخم والسكن وزواج الشباب وبالطبع حرية التعبير»، قال مهتدي جبالي لـ«الشرق الأوسط»: «طبعا الاقتصاد قضية أولى، لكن أيضا علاقات إيران بالعالم الخارجي وبالتحديد أميركا. إذا كنا راغبين في تحسين الاقتصاد سيكون علينا أن نحسن علاقتنا مع العالم من حولنا لزيادة الاستثمارات وتحريك الاقتصاد ورفع العقوبات؛ أيهما أفضل لفعل هذا، أحمدي نجاد أم موسوي؟ أعتقد أنه موسوي». يأتي ذلك، فيما عبر الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تأثر إدارته بالنقاش الجاري في إطار الانتخابات الرئاسية في إيران. وقال أوباما للصحافيين أمس: «أيا كان الفائز في نهاية الأمر، فإننا نأمل أن يؤدي وجود نقاش قوي إلى تعزيز قدرتنا على التحاور معهم بطرق جديدة»، موضحا أن هناك «إمكانية تغيير» في العلاقات الأميركية الإيرانية بعد الانتخابات.

إلى ذلك أعلنت وزارة الخارجية الأميركية ليل أول من أمس أن الولايات المتحدة بدأت بتوجيه دعوات إلى دبلوماسيين إيرانيين لحضور احتفالات العيد الوطني الأميركي في الرابع من يوليو (تموز)، للمرة الأولى منذ حوالي 30 عاما. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية يان كيلي في تصريح صحافي إن «سفاراتنا بدأت بإرسال دعوات». ولم يحدد عدد الدعوات التي أرسلت حتى الآن.