مسؤولون أجانب يتوافدون إلى لبنان.. ويجولون على الساسة للاستماع لمطالبهم

وزير الخارجية اللبناني يرى أنها انعكاس لجدية الإدارة الأميركية حيال الشرق الأوسط

TT

لم يكد لبنان يطوي صفحة الانتخابات النيابية حتى شرع أبوابه لزيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل والممثل، الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا. وقبل الانتخابات كانت الوفود الدبلوماسية الأوروبية والأميركية قد بدأت حركة ناشطة أعادت الزخم إلى الحضور اللبناني على الخريطة الإقليمية، تحديدا بعد انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.

يقول وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ لـ«الشرق الأوسط»: «لبنان له موقعه في منطقة الشرق الأوسط، وهو متقدم ديمقراطيا وأسلوبه يتساوى مع الأسلوب الغربي، مما يسهل الحوار مع المسؤولين الغربيين. ومع انتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان بدأ الدفع الدبلوماسي القوي، عربيا ودوليا، ليستعيد مركزه في محيطه، لا سيما أن هناك مفاوضات ومشاورات تتعلق بقضية الشرق الأوسط». ويضيف: «وبما أن للبنان دوره وموقعه الاستراتيجي شمال إسرائيل، إضافة إلى استضافته عددا كبيرا من الأشقاء الفلسطينيين، فإن له ارتباطا وثيقا بما يدور من مفاوضات. فالخطاب الرسمي لجميع الموفدين يرتكز على أن حلّ أي قضية لن يكون على حساب لبنان الذي سيكون حول الطاولة وليس عليها».

ولعل الملاحظة الأولى بخصوص هذه الهجمة الدبلوماسية التي تقودها الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، هي أن بيروت أصبحت المحطة الأولى، بعدما كانت منسية لحساب دمشق التي كان يزورها أي موفد يريد البحث في الشؤون الإقليمية اللبنانية. أما الملاحظة الثانية فهي الإشارات التي تزداد وضوحا بشأن السعي الأميركي لحل العقد في قضايا الشرق الأوسط، لا سيما القضية الفلسطينية.

أما أبرز الزيارات التي شهدها لبنان بعد تولي سليمان مسؤوليات رئاسة الجمهورية فهي تلك التي قام بها الموفدون الأميركيون، وقد استهلها الموفد الأميركي والسفير السابق لدى لبنان جيفري فيلتمان في مارس (آذار) الماضي، وكذلك الرئيس الروماني تريان باسيسكو الذي زار لبنان في 15 و16 أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن كان قد رفض دعوة الرئيس السابق إميل لحود للقمة الفرنكفونية التي عقدت في بلاده. كذلك زارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بيروت في 26 أبريل (نيسان)، وكان قد سبقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 25 منه. إلا أن أبرز زيارة لمسؤول غربي كانت زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في 22 مايو (أيار) الماضي، التي رمت إلى تأكيد «دعم الولايات المتحدة للبنان مستقل وسيّد»، كما أعلن في حينه. كذلك وصل الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر إلى لبنان خلال الانتخابات.

هذه الهجمة الدبلوماسية على لبنان سببها كما قال وزير الأشغال والنقل غازي العريضي، «أن لبنان يُقرأ من الخارج، ومن لبنان نقرأ ما يجري في الخارج». هذه المعادلة يقرأها صلوخ بتفاصيل أكثر، ويقول: «إن الدبلوماسيين الذين يزورون لبنان يسمعون مطالبنا، ومطلبنا الأهم هو رفض التوطين. ونلمس لديهم تفهما للأمر». ولدى سؤاله عن مدى تطور البحث في آلية حل القضية الفلسطينية التي تستدعي مناقشة وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يجيب: «نحن في انتظار أن تسير العربة على السكة. هناك ملامح أمل، فالإدارة الأميركية الجديدة وضعت القضية الفلسطينية على الطاولة في اليوم التالي لإلقاء الرئيس باراك أوباما خطاب القَسم. ويصب تعيين المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في هذا الاتجاه، ويدل على هدف وجهد للحل، بعكس ما كان يحصل مع الإدارات الأميركية السابقة، التي لم تكن تهتم بالقضية الفلسطينية إلا في الشهور الأخيرة من عهدها». واعتبر أن الرئيس الأميركي «بهذا الأداء يعزز الثقة لدى العرب الذين يريدون السلام العادل، ومبادرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز خير دليل على هذه الإرادة. لكن يبقى ممارسة ضغط جدي على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات، وعدم مصادرة الأراضي، وفك الحصار عن غزة».

إلا أن صلوخ يستدرك ليشير إلى أن مساعي السلام لا يمكن أن تنجح إلا عبر تفاهم الفلسطينيين في ما بينهم، ويقول: «المهم أن يتفاهم الفلسطينيون ويبادروا إلى موقف موحد يريحهم ويريح لبنان، فيتمكنون هم من مفاوضة الجانب الإسرائيلي والغربي. أما في حالتهم الراهنة فلا يستطيع أي محاور أن يأخذهم على محمل الجد، لأنه لا حيثية لديهم في ظل انقسامهم».

يقول أستاذ العلاقات الدولية وعضو لجنة الخبراء لشؤون الحوار في رئاسة الجمهورية عدنان السيد حسين: «تؤكد الزيارات المكثفة للوفود الأجنبية للبنان، وبمستويات رفيعة، مكانة رئيس الجمهورية اللبناني وصلاحياته التي لم يسلبه إياها اتفاق الطائف، وإن كان قد قلصها بعض الشيء. وفي الوقت نفسه تؤكد دور لبنان في المرحلة الجديدة بصرف النظر عن مدى تحقق المشاريع التي يتم البحث فيها لحل الأزمات العالقة، سواء بالنسبة إلى القضية الفلسطينية أو بما يتعلق بمفاوضات السلام بين سورية وإسرائيل».

ولكنه يضيف أن «مسألة التوطين تبقى النقطة العالقة»، ويقول: «فكل الكلام عن السيادة والاستقلال له ترجمته على الأرض، لكن التوطين هو ما يشغل بال المسؤولين اللبنانيين، لذا يطرحه رئيس الجمهورية لكل وفد دبلوماسي يلتقيه. ويذكّر أن مقدمة الدستور اللبناني تنص على رفض التوطين، وأن لبنان لا يتحمل هذه المسألة، ليأتي الجواب بأن الموفدين يتفهمون وضع لبنان وموقفه هذا، لكن لم تبادر أي دولة غربية حتى اليوم إلى الإعلان صراحة عن تأييدها لبنان لجهة رفض التوطين من خلال الضغط على إسرائيل. حتى وفود الأمم المتحدة التي أصدرت القرار 194 القاضي بحق العودة، تشير إلى أنها تحترم القرار، لتضيف: لكن الأمر يتطلب مفاوضات».