نجاد يعتبر الانتخابات «الأنظف».. ويقارن خصومه بمشجعي كرة غاضبين

رد على أنباء اعتقال إصلاحيين بأن المخالفين يستحقون ذلك.. واتهم الإعلام الأجنبي بشن حرب سيكولوجية

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يحيي أنصاره الذين احتشدوا في طهران للاحتفال بفوزه (أ.ف.ب)
TT

اعتبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس أن نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة الإيرانية التي أعلن أنه الفائز فيها وتخطت 84% هي بمثابة «صفعة» على وجه «قوى الاستكبار» التي تحكم العالم، في إشارة إلى القوى الغربية. وفيما قوبل إعلان فوزه بحذر شديد في الغرب، أكد احمدي نجاد مجددا أن ملف البرنامج النووي الإيراني «أصبح من الماضي».

وقارن احمدي نجاد في مؤتمر صحافي أمس بين الاحتجاجات التي اندلعت في إيران عقب إعلان فوزه وتعد الأسوأ منذ حوالي عقد وأنباء اعتقال معارضين بهوس كرة القدم.

وكانت أنباء أفادت أمس أن عشرات من الإصلاحيين اعتقلوا في منازلهم خلال الليل وفقا لتقارير صحافية وشهود يعملون مع هؤلاء السياسيين. وفي مؤتمر صحافي هو الأول له بعد إعلان فوزه قال نجاد إن الانتخابات كانت نزيهة وحرة واتهم الإعلام الأجنبي بشن حرب نفسية ضد إيران، وعندما سئل أحمدي نجاد عن اعتقال زعماء من المعارضة لم يرد مباشرة لكنه قال إن الذين يرتكبون جرائم يستحقون الاعتقال. وأضاف أن هناك حكما للقانون في هذه البلاد وكل الناس سواسية أمام القانون، وضرب مثالا على مباراة كرة قدم قائلا إن الناس قد يتحمسون بشكل مبالغ وقد تكون هناك مواجهة مع الشرطة، والناس الذين يخالفون قواعد المرور يخالفون أيا يكن هؤلاء. وكان مصدر قضائي قال لـ«رويترز» مساء أول من أمس إن الإصلاحيين لم يجر اعتقالهم ولكن استدعاؤهم وتحذيرهم من زيادة التوتر ثم أطلق سراحهم.

وحول الاحتجاجات قال نجاد البعض اعتقد أنه سيفوز، وبعد ذلك غضبوا، لكن ليس هناك أي مصداقية قانونية لهم، إنها مثل استثارة المشاعر بعد مباراة كرة القدم وهذا ليس مهما من وجهة نظري. وحول الملف النووي قال نجاد «كما سبق وقلت، الملف النووي أصبح من الماضي»، مشيرا إلى أن بلاده مستعدة بالمقابل لإطلاق «دراسة شاملة لنزع الأسلحة النووية في العالم». وأكد أحمدي نجاد أن أي دولة تجرؤ على مهاجمة إيران «ستندم ندما شديدا» على مثل هذه الخطوة. وأضاف: «من يجرؤ على مهاجمة إيران.. من يجرؤ حتى على التفكير في ذلك». وفي تصريحات أخرى أعلن أحمدي نجاد أمام آلاف من أنصاره تجمعوا وسط طهران للاحتفال بفوزه بولاية رئاسية ثانية، أن الانتخابات الإيرانية هي «الأنظف» نافيا حصول أي تزوير. وحيا أحمدي نجاد الشعب الإيراني في كلمة ألقاها أمام أنصاره الذين رفعوا أعلاما إيرانية. ودافع عن نتائج الانتخابات التي جرت الجمعة بعدما أعلن خصمه الرئيسي فيها مير حسين موسوي أنه قدم طلبا رسميا لإلغاء نتائجها بسبب «المخالفات» التي تخللتها.

وقال احمدي نجاد أمام حشود بينها أعداد من عناصر الحرس الثوري (الجيش العقائدي التابع للنظام الإيراني) وميليشيا الباسيدج الإسلامية «إن الانتخابات في إيران هي الأنظف». وانتقد «الديمقراطيات الليبرالية» بالمقارنة مع إيران حيث «يقوم كل شيء على القيم الأخلاقية». وقال إنه في الغرب «يتم ضم السارقين ومثليي الجنس وكل الأشخاص غير الطاهرين إلى الناخبين لكسب بعض الأصوات». وتابع «هنا القرارات على جميع المستويات تعود للشعب».

ورددت الحشود شعارات مثل «احمدي نجاد نحن معك» و«موسوي كذاب» و«عار عليك هاشمي». وكان احمدي نجاد اتهم أثناء الحملة الانتخابية رئيس مجلس صيانة الدستور الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني بالفساد واعتبره منظم حملة موسوي. وحول رفض موسوي لنتائج الانتخابات بسبب «مخالفات»، واعتبار المرشح الإصلاحي مهدي كروبي أن نتائج الانتخابات «غير شرعية وغير مقبولة»، قال نجاد في مواجهة هذه التهم، إنه «لم تحصل أي مخالفات» في انتخابه. واتهم خصومه بالارتباط بالخارج، وقال «إن بعض الأشخاص في داخل البلاد وخارجها اتفقوا على القول إن الانتخابات مزورة». وعرض أخيرا المبادئ التي ستتبعها حكومته المقبلة معددا «الطهارة والعدالة ومكافحة الطغيان والفساد». ولجأ الرئيس مجددا إلى خطابه الشعبوي مؤكدا أنه إن توجه مرة جديدة في سبتمبر (أيلول) إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة فسوف «يطلب من القوى التي تتجرأ على تهديدنا أن ترفع يدها حتى تقطعها الأمة الإيرانية».

ويرى محللون وخبراء إيرانيون أن الاتهامات الصادرة في إيران بحصول تزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلن فوز الرئيس محمود احمدي نجاد فيها وما تلا ذلك من اضطرابات واعتقالات في صفوف الإصلاحيين، تحمل خطورة بالنسبة لمستقبل البلاد. وقال المحلل السياسي والأستاذ الجامعي صادق زيباكلام لوكالة «فرانس برس»: «لم أكن أتوقع أن يتم تجاهل تطلعات الشعب وأن يعلن رئيس بهذه الطريقة». وقال زيباكلام إنه كان يجدر بالسلطات «أن تكون أكثر حذرا، وكان يمكن للمرشد الأعلى علي خامنئي أن يطالب بالتدقيق في النتائج». غير أن خامنئي الذي يمثل السلطة العليا في الجمهورية الإسلامية رحب بإعادة انتخاب احمدي نجاد ووصفها بأنها «عيد حقيقي»، وهو الذي كان يدعم احمدي ولو ضمنا إلى حد ما خلال الحملة الانتخابية.

وقال المحلل الإصلاحي سعيد ليلاز: «إن المرشد قام بخيار تاريخي»، معتبرا أنه يتحمل مسؤولية النتيجة التي أعلنتها السلطات. وقال: «إن يوم الجمعة (الانتخابات) رسم الطريق للسنوات العشر المقبلة». وقال محمد علي أبطحي المستشار السابق للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إنه لا يساوره أدنى شك بأن الانتخابات «مزورة» غير أنه «لا يمكن العثور على أدلة» على ذلك.

وقال إن إحساس العديد من الإيرانيين بأن أصواتهم لم تؤخذ في الحسبان سيؤثر بشكل فادح على شرعية الانتخابات المقبلة. وتابع: «إن كلمة التزوير دخلت من الآن فصاعدا في معجم البلاد السياسي»، مشيرا إلى أن «البعض يتساءل ما الفائدة من انتخاب رئيس». ومن المفارقة أن هذا النصر قد يضعف موقع الرئيس حتى في معسكر المحافظين. وذكرت صحيفة «افتاب يزد» الإصلاحية المعتدلة في افتتاحيتها أنه خلال ولاية احمدي نجاد الأولى «كتم عدد من النواب المحافظين من الصف الأول انتقاداتهم حفاظا على وحدة الصف». وتابع: «لكن الآن لم تعد الشريعة ولا المصلحة الوطنية تبرر الاستمرار في هذا السلوك».

ورأى ليلاز أن «حكومة احمدي نجاد ستكون أضعف على الصعيدين الداخلي والخارجي» مبديا خشية من أن «تصبح إيران أشد عزلة وبالتالي أشد هجومية ربما». وتوقع توقف الاضطرابات «غير أن جوا من اليأس سيخيم وسيظهر في مجالات أخرى». وشهدت إيران في يوليو (تموز) 1999 اضطرابات عنيفة ومواجهات بين طلاب والسلطة. وقال ليلاز: «هذه أول مرة تحدث فيها مواجهات بهذه الطريقة داخل الحكم وتشهد شوارع طهران اضطرابات». وتسعى السلطات منذ أول من أمس لإقناع السكان بأن الاضطرابات دبرها إصلاحيون معارضون سياسيا لاحمدي نجاد.

وقال كاظم عنبرلاوي، كاتب الافتتاحية في صحيفة «رسالات» المحافظة إن المتظاهرين «مجرد انتهازيين» ينتمون إلى «أقلية»، وأن المسؤولين الإصلاحيين الذين اعتقلتهم الشرطة أمس كانوا «على الأرجح» منظمي الاضطرابات. غير أن الأستاذ الجامعي صادق زيباكلام نقض وجهة النظر هذه لافتا إلى المشاركة الشعبية الكثيفة في التظاهرات الليلية السلمية التي تلت الانتخابات. وقال: «إن الذين تجمعوا في الشوارع ليلا كانوا يحملون مطلبا اجتماعيا وسياسيا تم قمعه، ولا يمكن أن تقولوا لهم فجأة إن النزهة انتهت وعليهم العودة إلى منازلهم».