300 ألف فلسطيني في دائرة خطر هدم منازلهم و13% من أصحاب البيوت المهدمة يعانون انعكاسات نفسية

فلسطينيون يعيشون قرب مستوطنات في الضفة مهددون بالترحيل

TT

على أحد جبال بيت لحم، القريبة من مستوطنة افرات، تواجه عشرات العائلات الفلسطينية مصيرا مجهولا، وهم يتوقعون في كل ليلة النوم في العراء.

ومنذ عشرات السنين تسكن عائلة العسكري، وعائلات أخرى، مهتمة بتربية المواشي والزراعة، هذه المنطقة الجبلية والزراعية، والمصنفة وفق اتفاقية أوسلو بالمناطق «ب» أي خاضعة إداريا للسلطة، وأمنيا لإسرائيل. وبحجة تلك السيطرة الأمنية، أبلغ الجنود الإسرائيليون كل من يسكن على سفح هذا الجبل بأن عليه المغادرة، بدعوى أن المنطقة أمنية.

وقال محمود العسكري، 33 عاما، لـ«الشرق الأوسط»، «أبلغونا قبل أسبوع بأنهم سيزيلون بيوتنا بالقوة وأمهلونا فترة قصيرة للرحيل». ولا يوجد لدى العسكري وعائلته مكان آخر، وأضاف «أين نذهب؟.. أنا أعيش هنا منذ ولدت وأبي وجدي».

وخلف الجبل المهدد، تطل إحدى أكبر وأقدم مستوطنات الضفة، مستوطنة «افرات»، ومنذ العام الماضي يصل مستوطنوها، إلى قمة الجبل الذي يعيش فيه العسكري، ويرفعون أعلاما إسرائيلية ويتوعدون بالسيطرة عليه لتوسيع مستوطنتهم. وقال مهند مهنا، الذي يعيش بجوار العسكري، متسائلا.. هل هناك منطقة غير مهددة. وأضاف «نشاهد المستوطنين كل فترة يتجمعون ويرفعون أعلاما إسرائيلية بوجود الجيش، لكن لا تحدث أي احتكاكات». وتابع القول، إنهم «يخططون لتوسيع المستوطنة.. تخيل سيصبح المستوطنون في هذه الحال جيراننا مثل الخليل. وقبل ذلك خرب المستوطنون مزروعات وحقولا للمزارعين قرب افرات». وتعيش مئات العائلات في الضفة الغربية تحت تهديد مماثل، بفعل إعلان بعض الأراضي محميات أمنية، وأكدت مؤسسات أهلية وحقوقية أن أوامر الهدم التي أصدرتها وتصدرها السلطات الإسرائيلية تهدد أكثر من 300 ألف فلسطيني في الأراضي الفلسطينية، ليصبحوا دون مأوى بعد خسارة بيوتهم.

وقال تقرير بعنوان «بيوت محطمة»» صدر عن مؤسسة إنقاذ الطفل ـ المملكة المتحدة، والمركز الفلسطيني للإرشاد ومؤسسة التعاون، إن معدل هدم البيوت الفلسطينية على يد الإسرائيليين يصل إلى 3 بيوت يوميا، في حين أن السلطات الإسرائيلية هدمت في الماضي قرى فلسطينية بأكملها.

ويبين التقرير أن هناك آثارا بعيدة المدى على الصحة الجسدية والنفسية لأفراد الأسر التي تفقد منازلها، ويعرض الظروف التي تمر بها هذه الأسر أثناء وبعد الهدم، خاصة أن معظمها يحرم من الوقت الكافي الذي يمكنه من جمع ممتلكاته قبل الهدم.

وتقول سلام كنعان مديرة مؤسسة إنقاذ الطفل ـ المملكة المتحدة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة إن «عدد المنازل التي تم هدمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة قد زاد. وهناك الآلاف من العائلات الفلسطينية وفي بعض الحالات قرى بأكملها تبقى تحت خطر الجرافات والآليات الإسرائيلية التي قد تصل في أي لحظة لتهدم منازلهم وتشردهم».

وأضافت، «إن معظم حالات هدم المنازل تأتي بحجة ما يسمى بالأسباب الإدارية أو نتيجة العمليات العسكرية، وفي هذه الحالات فإن الخسارة لا تقتصر على المنزل بل كل ممتلكات الأسر».

ويقول التقرير إنه ومنذ عام 1967 هدمت السلطات الإسرائيلية حوالي 24.000 منزل في الضفة وغزة. ومنذ عام 2000 تفاقم عدد المنازل التي هدمت ليصبح المعدل السنوي للهدم حوالي 1000 منزل. وشهد عام 2009 زيادة هائلة إذ بلغ عدد المنازل المهدومة حوالي 4.000 منزل نتيجة الحرب على غزة وحده في مطلع هذا العام.

وبحثت دراسة «بيوت مدمرة» الحالة النفسية والاجتماعية والظروف التي مرت بها مجموعة من الأسر التي اختيرت لهذه الدراسة. وكان أهم النتائج التي توصل إليها الباحثون، أن بعض عمليات الهدم نتج عنها قتل أشخاص. وأن 13% من الأسر التي هدمت منازلها تعاني اليوم من خطر الانهيار النفسي. بينما أظهر الأطفال الذين تعرضوا لتجربة الهدم تدهورا في صحتهم النفسية، ومعاناة من أعراض كلاسيكية مثل الصدمة، الانعزال، الاكتئاب والتوتر الشديد. واتضح أن أكثر من نصف العائلات (61%) استغرقهم عامان على الأقل لإيجاد سكن دائم. وأن أكثر من ربع العائلات اضطر أفرادها للانفصال حتى يتمكنوا من إيجاد سكن مؤقت.

ولا تقتصر عملية هدم المنازل على خسارة البيوت ومحتوياتها فقط، بل تتعدى ذلك، إلى حد أن تجبر العائلات على دفع تكاليف الهدم التي قد تصل إلى آلاف الدولارات أحيانا، كما يحدث في القدس الشرقية.

وبحسب التقرير، فإن سكان القدس الشرقية، والمجتمعات الريفية في الضفة الغربية، البدو، وأهالي المخيمات والتجمعات السكينة القريبة من جدار الفصل والمستوطنات، ومناطق التماس في غزة هم الأكثر تعرضا لخطر هدم المنازل والتشريد.