ولد فال: عملت في صمت ضد الانقلاب.. وأعول على كل الموريتانيين لإعادتي إلى الرئاسة

الرئيس الموريتاني السابق لـالشرق الأوسط»: رفضت حزب الإسلاميين لكنهم أثبتوا مستوى من النضج السياسي

اعل ولد محمد فال
TT

بقوة عاد العقيد اعل ولد محمد فال، العسكري الذي حكم موريتانيا في مرحلة انتقالية بين 2005 و2007، إثر الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في أغسطس (آب) 2005. ابتعد ولد محمد فال عن المشهد السياسي منذ أن غادر السلطة في أبريل (نيسان) 2007 بعد إجراء الاستحقاق الرئاسي في مارس (آذار) من العام نفسه الذي أفضى إلى انتخاب سيدي ولد الشيخ عبد الله، الرئيس الذي أطيح به في الانقلاب الأخير في 6 أغسطس (آب) 2008. ظل ولد فال قرابة السنتين بعيدا عن الأضواء متنقلا بين رحلاته في الخارج لتسويق تجربته الديمقراطية.

وبعد حدوث الانقلاب الأخير، بدأ الرجل يوظف علاقاته في الداخل والخارج، ويتحرك بسرية تامة لإفشال الانقلاب الأخير وكيفية خروج البلد من أزمته، متجنبا الظهور الإعلامي مع توفر المناسبات لذلك من أجل شرح وجهة نظره حول الاتهامات التي توجه إليه أحيانا، إذ شن عليه، أخيرا، بعض خصومه السياسيين هجوما عنيفا اتهموه فيه بالفساد المالي واتهموا حقبته بأنها شهدت كثيرا من التجاوزات ولم يخرجه ذلك عن صمته الذي طال لأكثر من سنتين. وعندما تم توقيع الأقطاب السياسية الموريتانية على اتفاق دكار، بدأ ولد فال في سباق محموم خرج فيه عن الصمت وأعلن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يوليو (تموز) المقبل.

«الشرق الأوسط» التقت ولد فال في بيته بالعاصمة نواكشوط، وأجرت معه حوارا خاصا، تحدث فيه عن الدواعي التي دعته للغياب عن المشهد السياسي طيلة هذه الفترة، وأسباب ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأيضا عن موقفه من انقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز في أغسطس (آب) من العام الماضي، وما تبعه من تفاعلات في موريتانيا. وفيما يلي نص الحوار:

* بعد خروجكم من السلطة، أحجمتم عن الإدلاء بتصريحات صحافية، حتى بعد انقلاب 6 أغسطس (آب) الماضي، الذي كان بمثابة هزة كبرى في موريتانيا. ما خلفيات هذا الصمت، ولماذا قطعتموه الآن؟ ـ يمكن أن أقول إن موقفي مر بمرحلتين أساسيتين، أولاهما كانت بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2007 وتحديدا بعد اختيار الشعب الموريتاني لرئيسه عن طريق صناديق الاقتراع في استحقاقات رئاسية شهد لها الجميع في الداخل والخارج بالشفافية والنزاهة، وقد قررنا كسلطة كانت قائمة أن ننسحب بعد تسليم المهام للرئيس المنتخب ديمقراطيا لقناعتنا أن البلد يجب عليه أن يدخل مرحلة جديدة تغيب عنها المضايقات والبعد عن التدخل في الشأن العام للنظام الجديد، وذلك دعما منا للتوجه الديمقراطي وتجذره في البلد. ولكي يقتنع المواطنون الموريتانيون أن التبادل على السلطة حقيقي، وأن السلطة الجديدة ليست رهينة للسلطة السابقة، عملنا على أن يقرأ المواطن البسيط مغادرتنا للسلطة قراءة صحيحة، بحيث يلاحظ فعلا أن هناك سلطة أنهت مهمتها وابتعدت عن المشهد السياسي، وهناك سلطة جديدة تسلمت مهامها بأحقية وعليها تحمل المسؤولية، لذلك التزمت الصمت شخصيا من أجل أن يصبح التداول السلمي للسلطة عرفا في البلد، وحقيقة نعيشها على أرض الواقع، هذا عن مرحلة صمتي الأولى، والتي كانت صمتا لصالح الديمقراطية لا أقل ولا أكثر. أما المرحلة الثانية، فهي ما بعد الانقلاب العسكري في 6 أغسطس (آب) 2008، وهي فترة عمل صامت، فالانقلاب كان كارثة من أكبر الكوارث التي حلت البلد، لأنه جاء في ظرفية داخلية ودولية لم يعد للانقلابات فيها أي معنى، فمهما كانت المشكلات المطروحة في موريتانيا وأيا كان حجم التجاذب والاستقطاب السياسي، فإن كل آليات الحل كانت متاحة بالطرق القانونية وحتى الدستورية السلمية، وكان همنا الأول في الفترة الانتقالية التي أدرتها هو تفعيل كل الآليات وسن كل النصوص للحيلولة دون تكرار الانقلابات، وبالتالي لم أصمت إطلاقا، وإن كنت لم أصرح لوسائل الإعلام، إلا أنني بذلت جهدا كبيرا ومستمرا طيلة الفترة التي أعقبت الانقلاب، تارة بالاتصال بالأطراف الداخلية، وأحيانا كثيرة بحثّ أصدقائنا والفاعلين في المجتمع الدولي على العمل على كل ما من شأنه احتواء الأزمة، من أجل الوصول إلى توافق. هكذا، فإن ما تعتبرونه صمتا كان له معنيان، فصمتي في الفترة التي سبقت العصف بالبناء الديمقراطي كانت له دواعيه ومبرراته، وأما صمتي بعد الانقلاب فهو في الظاهر كذلك، أما في الخفاء فهو عمل مستمر ويمكن أن تسميه ـ إن شئت ـ عملا صامتا.

* هناك من يعتبر أن الانقلاب الأخير وقع جزئيا بسبب دعمكم في الفترة الانتقالية للمرشح الذي فاز في الانتخابات الرئاسية لعام 2007. ما ردكم على ذلك؟

ـ لستُ ملزما بتتبع الشائعات والأراجيف التي لا تقدم ولا تؤخر، فأنا شخصيا التزمت الحياد، ومنعت على نفسي وكل أفراد الحكومة آنذاك الترشح، أو حتى دعم هذا المرشح أو ذاك، وهذه حقيقة أشاد بها كل المعنيين بالشأن الموريتاني في الداخل والخارج، وحتى المرشح الذي تتحدثون عنه صرح لوسائل الإعلام، أكثر من مرة، بمن دعمه من أعضاء المؤسسة العسكرية، وهم معروفون، ولم يذكر اسمي ضمن قائمة العسكريين الذين وقفوا معه، فمن نصدق إذا؟ هل نصدق الشخص الذي ذكرتم أم نصدق الشائعات؟!

* زرتم، ولأول مرة، الرئيس المطاح به سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في قريته (لمدن) قبل أيام، أي مباشرة بعد توقيع اتفاق «داكار» بين فرقاء الأزمة الموريتانية. فهل تدخل هذه الزيارة ضمن جهودكم لحشد الدعم الشعبي بوصفكم مرشحا لانتخابات الرئاسة القادمة؟ وعلى من تعولون، خاصة أنه ليس لديكم حزب سياسي؟

ـ ولد الشيخ عبد الله هو الرئيس الشرعي لموريتانيا بشهادة صناديق الاقتراع، وكان عليّ أن أزوره، وأن أواسيه في محنته جراء الانقلاب العسكري، وكان من الضروري أن تكون زيارتي له بعيد الإطاحة به قبل عشرة أشهر، لكن حرصي على أن لا أكون طرفا في النزاع، وذلك في مسعاي لإيجاد حل توافقي، أخرّ هذه الزيارة حتى بعد توقيع الأطراف على اتفاق المصالحة الأسبوع الماضي، ولم أتطرق في لقائي مع ولد الشيخ عبد الله لنقاش الموضوعات السياسية إطلاقا، ولم أطلب منه أي دعم. وبخصوص من أعول عليهم في ترشحي، فإني أعول على كل الموريتانيين.

* يؤخذ عليكم رفضكم، إبان فترة حكمكم، تسوية ملفات كانت عالقة طيلة فترة نظام ولد الطايع مثل ملف الإرث الإنساني، واللاجئين الموريتانيين في السنغال ومالي، بالإضافة إلى ملف مخلفات الرق في البلاد. ألا تخشون من إعراض المهتمين بتلك الملفات عن التصويت لكم مستقبلا؟

ـ هذه أيضا مغالطة، فتلك الملفات تعني جميع الموريتانيين، لذا أرجأنا بحثها في المرحلة الانتقالية، حتى يتم تنصيب سلطة شرعية. نحن ساعتها لم نكن مخولين من طرف الشعب الموريتاني لأي مهمة لا علاقة لها بالتأسيس لمسار ديمقراطي صحيح. ويمكن القول إن المرحلة الانتقالية على قصر مدتها الزمنية مكنت من وضع آليات لحل كل الأمور العالقة على أسس سليمة ومتفق عليها، وقناعتي آنذاك، أن فتح تلك الملفات في فترة شهدت إجراء انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية قد تكون غير كافية لحل مرض لجميع الأطراف مما يصعب فيها طي صفحة الماضي بشكل نهائي، إضافة إلى إمكانية توظيف البعض لها توظيفا انتخابيا بحتا، وهو ما كنا نرفضه.

* صدرت عنكم أخيرا تصريحات إيجابية بشأن التيار الإسلامي في موريتانيا تتناقض مع موقفكم منه خلال فترة حكمكم، إذ رفضتم الترخيص لحزب إسلامي ساعتها. على ماذا أسستم موقفكم الجديد من التيار المذكور؟

ـ صحيح أنني لم أقبل بحزب إسلامي في الفترة الانتقالية التي أدرتها، وتم قبول هذا الحزب في فترة الرئيس الشرعي تحت اسم «التجمع الوطني للإصلاح والتنمية» (تواصل)، وما قلته في هذا السياق هو أن هذا الحزب قد أثبت خلال فترة وجيزة مستوى عاليا من النضج السياسي، وإيمانا كبيرا بموريتانيا، كما برهن بخطابه وببرامجه على أنه ديمقراطي، ويحترم القانون ويدافع عن مبادئ الحرية والعدالة ويحبذ التناوب السلمي على السلطة. هذه هي قناعتي التي استنتجتها منذ الترخيص لهذا الحزب قبل قرابة العامين، وهي قناعة تتعزز يوما بعد يوم، مما يعني أن أطروحات الإسلاميين الموريتانيين هي أطروحات وطنية.

* أي الأطراف السياسية أقرب لكم اليوم؟

ـ إذا كنتم تعنون أطراف الأزمة السياسية الموريتانية، فإنني كنت أتمنى أن أظل على المسافة نفسها منها كلها، لكن أجدني دائما أقرب إلى الطرف المتشبث بالديمقراطية من غيره، وآمل أن ينهي اتفاق «داكار» فترة الاحتقان الذي عاد بالبلد إلى الوراء، بعدما شهد فتح آفاق واعدة للسلم والوئام الاجتماعي خلال الفترة الانتقالية الماضية.

* تنفيذ اتفاق الأطراف يشهد عقبات منذ توقيعه قبل أكثر من أسبوع، ماذا تقترحون لتجاوز نقاط الخلاف بين الفرقاء؟

ـ كما تعلمون، أنا لست طرفا في الأزمة أصلا، وأعتقد أن الاتفاق تم في الأمور الخلافية الجوهرية، وما بقي هو إجراءات عملية، لا أعتقد أنها تشكل أي خطر على ما تم توقيعه فعلا. فالمسألة مسألة وقت فقط، والأطراف يقتربون من وضع اللمسات الأخيرة على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.