إيران تستعين بتجربة حزب الله: الدراجات النارية «نجم» اضطرابات الشارع

استعارة سياسة «شارع بشارع» و«تبادل الخبرات».. للتحكم بالأوضاع الميدانية

TT

سارعت أجهزة الأمن الإيرانية إلى استعارة تجربة «حزب الله» في لبنان لمواجهة الاضطرابات التي اندلعت عقب الإعلان نتائج الانتخابات التي أعادت الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية الإسلامية. والأمر ليس اجتهادا أو تحليلا، فقد ذكره أنيس النقاش، أحد أعتى المناصرين للسلطة الإيرانية الحالية، خلال برنامج حواري تلفزيوني. إذ قال ما مفاده إن على نجاد أن «ينقل عن حزب الله أسلوب التظاهرات الجماهيرية الضخمة لأنصاره بمواجهة أنصار المرشح مير حسين موسوي، وذلك استنادا إلى ما قام به الحزب في لبنان لمواجهة الجمهور الآخر (أي جمهور 14 آذار)». وفي حين تشير استعارة «سياسة شارع بشارع» إلى «تبادل الخبرات» للتحكم بالأوضاع الميدانية، نجد أن تقاربا ثانيا يجمع الحزب والأمن الإيراني وينعكس في استخدام الدراجات النارية عبر شرطة مكافحة الشغب، التي حمل أفرادها الهراوات لقمع المتظاهرين من أنصار المرشح مير حسين موسوي في شوارع طهران التي شهدت عمليات كر وفر، واستوجبت أحيانا أن يعمد المحتجون إلى إحراق الدراجات. ومعلوم أن الدراجات النارية لعبت دورا مهما في مراحل قتالية قام بها الجيش الإيراني وتحديدا في حربه مع العراق. وبالتالي يصبح بديهيا أن تشكل وسيلة النقل هذه عنوانا بارزا لتحرك شباب «حزب الله» في بيروت خلال محطات «حساسة». ومن يمر بالقرب من «مناطق نفوذهم» لا بد أن يلاحظ تجمعا لهذه الدراجات قرب حسينية أو مسجد أو ما شابه. ولدى أي اضطراب أمني ينتشرون في الشوارع والأحياء. وليس صعبا على أي كان أن يدرك أن شبكة الدراجات النارية لها أهميتها في حسابات الحزب، فهي عصب التحركات الجماهيرية وشريانها وتفرعاته. وأحيانا يمكن تشبيه وظيفتها بوظيفة الحمام الزاجل، وأحيانا أخرى تستخدم لغايات أمنية بحتة، فهي تستكشف الطرق وتسهل عمليات الانتقال. وقد برز الدور الفعال الذي لعبته شبكة الدراجات النارية خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006. قبل ذلك لم تكن هذه الظاهرة ملحوظة. إلا أن من عايش ليالي العاصمة اللبنانية آنذاك لم يكن يصعب عليه استنتاج نشاطات هذه الشبكة لدى ملاحظة التقاء الدراجات وتقاطع سيرها على الطرق، حيث يتم تبادل الإشارات قبل متابعة السير. كذلك يمكن «الإحساس» بوطأة المراقبة لدى اقتراب الدراجة من العابرين بسياراتهم أو على أقدامهم ليلتقط راكباها «كما كانت الحال في أغلب الأحيان» بعض العبارات أو الملامح بطريقة عفوية، ثم ينطلقان إذا لم يجدا ما يستحق التوقف.

وبالطبع لا يحتاج تفسير دور الدراجات لدى «حزب الله» إلى كثير من الاجتهاد. فهي تحولت إلى وسيلة رصد سريعة لأي تحرك مشبوه يمكن أن يشكل اختراقا للقبضة الأمنية المحكمة حيث يجب، انطلاقا من أن الحزب لا يوفر أساليب حازمة وصارمة للمحافظة على أمنه الذاتي.

لكن وظيفة هذه الوسيلة تطورت مع تطور الأحداث اللبنانية التي كان «حزب الله» أحد لاعبيها الأساسيين. ومع انعكاس الخلافات اضطرابات أمنية في الشارع اللبناني بدأ ينشط «الدور السلبي» لهذه الدراجات، ليصل إلى ذروته في أحداث السابع من مايو (أيار) 2008. حينها كانت شوارع بيروت وأزقتها ممسوكة بشبكة دراجات نارية قادرة على لعب عدد من الوظائف «الميدانية». ومنها على سبيل المثال لا الحصر مراقبة كل ما يدور في مناطق انتشارها وملاحقة كل غريب يتجول أو نقل «البريد السريع» و«الدعم السريع» بين موقع وآخر أو التأكد من الطرق السالكة أمام سيارات المسؤولين للمحافظة على سلامتهم. وغالبا ما تبادل راكبو الدراجات شيفرة «07» وهي رقم مفتاح التخابر في محافظة لبنان الجنوبي. آنذاك كان راكبو الدراجات يوسعون أعمالهم وفق مقتضيات طارئة. وأحيانا كانوا يخالفون التوجيهات لينقلوا أحد الجيران في مناطق حظرت على السيارات، أو يؤجرون خدماتهم «Delivery» للمحاسيب.

ونظرا إلى نجاح استخدام الدراجات النارية لغير أغراضها الروتينية، لم يعد الرغبة باقتنائها تقتصر على «حزب الله» لتصبح مرغوبةً لدى جميع الأطراف «الشوارعية» إذا صح القول. فشباب «حركة أمل» لا غنى لهم عنها وكذلك شباب منطقة «الطريق الجديدة» (حيث الأكثرية السنية) المواجهة لمنطقة «بربور» في غرب العاصمة.

الا أن للدراجات النارية مقامات تكشف انتماءها إلى جماعة بعينها. فمن يقود دراجة عادية لا يكون صاحب «رتبة متقدمة في تنظيمه». أما من يقود دراجة من طراز حديث ومتطور، فهو غالبا من «المسؤولين الحزبيين». ويبقى أن الدراجات التي تعود إلى «حزب الله» هي الأفضل، لقدرتها على السير في المناطق الوعرة كما على الأتوسترادات أو في الأحياء وأيا تكن الظروف المناخية.

وخلال الأعوام الأربعة الماضية تفاقم الدور السلبي للدراجات في بيروت تحديدا، فصارت مصدر إزعاج لا يحتمل للمارة وسائقي السيارات. ويكفي أن يلاحق سائق دراجة في حي ما محسوب على إحدى القوى من يصنفه من فئة «غير المرغوب فيهم» وبشكل استفزازي أو عدائي، ليفهم الأخير أنه قد يتعرض لمشكلة ما. كذلك استخدمت من أفراد العصابات للسرقة والنشل. وكان اللبنانيون قد استبشروا خيرا مع تولي زياد بارود حقيبة وزارة الداخلية وإصدار المديرية العامة للأمن الداخلي قرارا يقضي بمنع سير الدراجات النارية في نطاق مدينة بيروت الإدارية اعتبارا من السادسة مساء 27/5/2008 حتى إشعار آخر. لكن الإشعار سقط تلقائيا وعادت حركة الدراجات النارية إلى سابق عهدها، من دون وظائف عسكرية بالطبع، ليحظر عليها التجول خلال الانتخابات النيابية اللبنانية فقط.