عاملو الطب العدلي في بغداد يلتقطون أنفاسهم بعد أعوام من العمل المضني

طبيب: أعداد الجثث انخفضت من مئات إلى آحاد.. وكنا نعمل 20 ساعة يوميا

عراقي ينتظر أمام مشرحة تسلم جثة أحد أقاربه (أ.ف.ب)
TT

عادت دائرة الطب العدلي ببغداد تمارس عملها بصورة هادئة تشبه أيام ما قبل الغزو الأميركي للعراق، مما يعد المؤشر الأبرز لانخفاض أعمال العنف، التي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا خلال السنوات الماضية.

وتعد هذه الدائرة الواقعة في منطقة باب المعظم، شمال بغداد، المقر الرئيسي لحفظ جثث من يقتلون في أعمال عنف خصوصا. وقد شهدت خلال الأشهر الماضية انخفاضا كبيرا في عدد جثث مجهولي الهوية التي تتسلمها، يقارن بالوضع الطبيعي الذي كان عليه البلد قبل الغزو الأميركي في مارس (آذار) 2003.

وقال الطبيب منجد الريزلي مدير الدائرة «عادت الطبابة العدلية إلى ما كانت عليه قبل مارس 2003». وأضاف «في ابريل (نيسان) تلقينا عشرين جثة فقط». وأوضح «منذ بداية العام الحالي، نتلقى ما معدله عشر إلى عشرين جثة في اليوم، معظمها لأشخاص فارقوا الحياة بسبب حوادث أو جراء وفاة طبيعية».

وكان الطب العدلي يتلقى خلال الأعوام الماضية، خصوصا عامي 2006 و2007، في ذروة أعمال العنف الطائفي إلى قمته، نحو 100 جثة في اليوم الواحد، قتل أصحابها بالرصاص وتحمل معظمها آثار تعذيب.

واعتاد الطب العدلي خلال تلك الأعوام، استقبال مئات الأشخاص من جميع الطوائف يوميا ممن يبحثون عن جثث أقربائهم. وبحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية فانه لم يكن من السهل على العرب السنة آنذاك الوصول إلى هناك؛ خوفا من الميليشيا التي كانت تسيطر على المكان. وبسبب الأعداد الكبيرة من الضحايا، جهزت الدائرة بشاشات كبيرة تعرض صورا من جميع الجوانب للضحايا وعليها أرقام، لتتمكن العائلات التي تبحث عن ذويها من الاطلاع عليها. وتحمل هذه الجثث في معظمها، آثار تعذيب.

وأكد الطبيب العدلي طه قاسم، احد المسؤولين في المشرحة، أن «عدد الجثث كان كبيرا جدا، بحيث كنا نضعها فوق بعضها بعضا لتصويرها وتأشير المعلومات عن الضحايا». وأضاف «كنا نبدأ هذا العمل في الساعة السابعة صباحا وننتهي في الساعة الثانية بعد منتصف الليل يوميا». وأكد «حاليا لا يأتي أكثر من عشرة أشخاص تقريبا، للبحث عن ذويهم المفقودين». وتابع قاسم مستذكرا الأيام الماضية أن «رصاصة واحدة تقتل لكن أربعين رصاصة في جسد تعكس عنفا لا يصدق».

وأشار قاسم إلى أن «الجثث كانت تحمل آثار تعذيب وحروقا وكسورا وكدمات وأمورا أسوأ، وهو ما أوصلنا (آنذاك) إلى أعلى معدلات العنف». ويرى الطبيب أن العراقيين «أدركوا مدى تأثير العنف، وبالتالي انخفضت معدلاته خلال الأشهر الأخيرة».

وباستثناء ما يعثر عليه من جثث في مقابر جماعية من وقت لآخر، فان هزيمة تنظيم «القاعدة» والمليشيات خلال العامين الماضيين، تشكل العامل الأساس لانخفاض معدل الضحايا.

ويؤكد الريزلي أن المشرحة «تلقت 16 ألفا وخمسمائة جثة خلال عام 2005، وهذا العدد انخفض إلى 4000 خلال 2008». والجثث التي تتلقاها المشرحة الآن هي تلك التي لا يعرف ذووها أو التي لم تعثر عليها عائلاتها، وفقا للمصدر نفسه.

وتؤكد التقديرات انخفاض معدل ضحايا العنف، الذي كان يجتاح العراق عموما والعاصمة بغداد، التي يقطنها نحو سبعة ملايين نسمة، حاليا. ففي السنوات الماضية، تلقت المستشفيات والمشرحة في بغداد آلاف الضحايا، الذين سقطوا في انفجارات، فيما فقد نحو 28 ألف شخص آخرين.

ووفقا لمنظمة الصحة الدولية وموقع «ايراك بادي كاونت» قتل ما بين 92133 إلى مائة ألف و591 مدنيا عراقيا خلال السنوات الست الماضية.