العراق: حجب البطاقة التموينية عن كل من يتقاضى راتباً أعلى من 1280 دولارا

مسؤولون حكوميون يواظبون على تسلُّمها.. وآخرون يعتبرونها مهمة نفسياً

عراقيتان تشتريان مواد غذائية من متجر في أحد أسواق بغداد (أ.ب)
TT

طالما كان نظام «البطاقة التموينية» في العراق مثار جدل واسع بين عموم أوساط الشعب العراقي وممثليهم داخل البرلمان العراقي، الذين دافعوا عنها دفاعا عنيفا بوجه مقررات نادي باريس، التي اشترطت إلغاءها أو تقليصها، سيما انه لم يكن هناك فرق في تسلمها بين وكيل وزير أو عاطل عن العمل.

إلا أن الحكومة قررت أخيرا التدخل وأمرت وزاراتها أول من أمس بإعداد قوائم تضم الموظفين الحكوميين، الذين يتقاضون أكثر من 1280 دولارا شهريا، في خطوة أولى تجاه خفض الدعم على المواد الغذائية. وقالت الحكومة في بيان لها عبر مركز الإعلام الوطني، إن «منع المقتدرين من الانضمام إلى برنامج وطني لدعم المواد الغذائية سيطبق على الموظفين الحكوميين، وعلى العاملين أيضا بالقطاع الخاص».

ويعد العراق احد أكثر دول العالم استيرادا للقمح والأرز بسبب نظام الحصة، فضلا عن تأمينه لكميات كبيرة جدا من مفردات أخرى مثل الزيوت والصابون ومساحيق الغسيل والسكر والشاي والحليب للصغار والكبار والبقوليات. وبين معارض لحجب الحصة ومؤيد لها وجهة ثالثة تطالب بزيادة دعم الدولة للشعب، نجد العديد من الباحثين جعلوا من نظام البطاقة مادة دسمة لدراساتهم، بينها دراسة قام بها الأستاذ الجامعي حيدر نعمة غالي في الجامعة المستنصرية، الذي قيم هذا النظام بأنه ليس بالنظام الجديد على حياة العراقيين، بل عرفوه عام 1942، حيث شهد العقد الرابع من القرن الماضي أوضاعاً استوجبت تدخل الحكومة؛ لاعتماد الدفتر التمويني، حيث قامت الحكومة بتوزيع (السكر، الشاي، القهوة، الأقمشة القطنية، الخام الأبيض والأسمر، فضلا عن الطحين) إلى المواطنين بأسعار مدعومة.

أما البرنامج الحالي للبطاقة التموينية فقد تم اعتماده عام 1990 لمواجهة ظروف العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الأمم المتحدة رداً على غزو النظام السابق لدولة الكويت، واستمر لمدة ستة أعوام لغاية 1996، حيث تم تطبيق ما اصطلح عليه ببرنامج النفط مقابل الغذاء أو مذكرة التفاهم، إلا أن هذا البرنامج لم يأت بجديد يذكر على البطاقة التموينية إلا ما ندر، حيث تم زيادة كميات مفردات البطاقة التموينية كما تم إضافة فقرة أو اثنتين للبطاقة، وظل هذا البرنامج قائماً على ما هو عليه حتى سقوط النظام في 9/4/2003، حيث كان من المتوقع أن يتم تطويره بصورة شاملة، إلا أن شيئاً لم يتحقق من ذلك، بل على العكس ظهرت العديد من العيوب ونقاط الضعف الخطيرة بعد ذلك التاريخ.

واستمر تخصيص الأموال في ميزانية العراق لبرنامج البطاقة التموينية طوال السنوات التي تلت سقوط النظام، ووفقا للبيانات المتاحة في هذا المجال فإن هذه التخصيصات بلغت 3،17 مليار دينار عام 2007، وكانت تمثل ما نسبته 7،5% من قيمة الموازنة البالغة 42 مليار دولار، وفي موازنة عام 2008 ظلت التخصيصات كما هي أي 3،17 مليار دولار تمثل ما نسبته 6،6% من الموازنة البالغة 48 مليار دولار. وإذا ما أخذنا عدد سكان العراق البالغ عددهم 28.5 مليون نسمة وفقاً لبيانات البطاقة التموينية، منهم 3 ملايين طفل دون سن العام الواحد، أي أن عدد البالغين الذين يتسلمون الحصة التموينية كاملة يبلغ 25.5 مليون نسمة، وكلفة مفردات البطاقة التموينية على مستوى الفرد الواحد البالغ بلغت 6.8 دولار عام 2007، وارتفعت إلى 12 دولاراً عام 2008.

وعن ايجابيات وسلبيات برنامج البطاقة التموينية، قال عنها غالي، إنها كثيرة، فالايجابيات تتمثل في شمول جميع العراقيين بكميات ونوعيات يفترض أنها متساوية، لكن الحقيقة غير ذلك، وهذا ينقلب لسلب، ثانيا انه يوفر المواد الأساسية لكل المواطنين وبالحد الأدنى من السعرات الحرارية، التي يحتاجها البالغ في اليوم الواحد، التي تساوي 1800 سعرة حرارية في اليوم، ثالثا استمرارية البرنامج رغم الصعوبات اللوجستية والأمنية، ووصوله إلى المناطق الجغرافية كافة، رابعا الحفاظ على مستويات متدنية من الأسعار تجعل من الممكن لعامة المواطنين من محدودي الدخل من الحصول على احتياجاتهم الإضافية بأسعار مناسبة نسبيا. أما العيوب فكثيرة مثل عدم تمييزه بين طبقات المجتمع وتوفيره للدعم المتساوي للأغنياء والفقراء على حد سواء، تعدد الحلقات التي تتولى الحكومة إدارتها في البرنامج من عملية الاستيراد والنقل والخزن والتوزيع ما يؤدي إلى تحمل تكاليف إدارية باهظة، فضلا عن إمكانية حصول فساد مالي وإداري في أي حلقة من حلقاته بسبب ضعف الرقابة الحكومية.

الدكتور محمد الربيعي، عضو مجلس محافظة بغداد ورئيس اللجنة الاقتصادية، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن نسبة من سيتم حجب الحصة عنهم هي نسبة بسيطة جدا لا تتعدى الـ15 في المائة من مجموع مليوني موظف حكومي. من جهته، قال الدكتور إحسان جعفر، مدير عام الصحة العامة في وزارة الصحة، لـ«الشرق الأوسط»، انه مع الحكومة في هذا القرار؛ لأنه قرار جاء بعد دراسة مستفيضة. وقال إن «البطاقة التموينية هي العمود الفقري للعائلة العراقية؛ لحمايتها من تقلبات السوق وحمايتها من جشع التجار، والعراقيون مروا بأوقات حرجة وقعوا فيها ضحية للتجار، ونحن نتكلم عن العائلة العراقية ككل، وهذا لا يختلف عليه اثنان سواء داخل أو خارج الحكومة». وأكد انه يتسلم حصته من الغذاء بشكل شهري.

نقيب الفنانين العراقيين، حسين البصري، قال من جهته «أنا لا أستطيع تأمين نوع طعام جيد لي ولعائلتي طيلة الشهر، واعتمد على الحصة الغذائية، وأنا اعرف مديرين ومسؤولين بعضهم مواظب على تسلمها والآخر لا يذهب لتسلمها، لكن نقول، إن الوكلاء الغذائيين يعيشون أفضل من أي موظف في الدولة، ولهذا العراقي يجب أن يُدعم بغض النظر عن دخله، وان الحصة مهمة للجميع، واعتبرها مسألة نفسية، فإذا لم أتسلمها شهرا معينا اشعر بان عائلتي ستجوع طيلة الشهر، رغم انه لن يحدث ذلك في الواقع، لكنه مجرد شعور داخلي، لما للبطاقة من تأثير على نفسية العراقيين».